الأحد، 23 يناير 2022

اتقوا الله في متابعيكم!

 


اتقوا الله في متابعيكم!


مَن بُلي بهذا العالَم الافتراضي؛ فليتق الله، ولا ينشر على الناس ما يقصيه عن الله، وينئيه من الآخره، ويبعده من الخير.


أقول هذا؛ لأنك ترى بعض المغرّدين والمنشرين- المتدينين، مَن يتساهل في نشر كلمة مترعة بالعشق، أو قصة مفعمة بالمجون، أو يدل على كتاب ينضح كفراً وجنساً!


ولا ينقضي عجبي من متقمص للديانة، ولا ينفك ينشر الشر الشرير، شعر أم لم يشعر، أدرك الخطر أم لم يدرك -وما إخاله إلا شاعر ومدرك، ولكن وراء هذه الأفعال، قصود الله يعلمها-!


كيف له.. أن ينشر ما يحمّر وجنة الحيي، ويخجل نفس الأبي، ولكن "ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً"

فحذار حذار.


وربما تحجج بعض هؤلاء.. بشيوع المعرفة، ونشر الأدب، ولكنها حجة مهزولة؛ لوجود البديل الناصح الناصع.

وإن لم يكن، فالحرام لم يبح إلا خشية الهلاك، ولا هلاك!


فيا إخواني: انؤوا عن هذا المهيع الصاخب، والمنقع الرذيل، وتدبروا: "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا".


وقد قرأت اليوم رواية تضج بالخنا، وتعج بالزنا من كاتب شهير -قمأ الله ما كتب وقمعه-.


والعجيب؛ أني عرفتها بدلالة أحد المحسوبين على الدين -والله وحده المستعان-!


تعجبت جداً.. كيف حوت هذه الرواية السافرة، كل هذا العهر والمجون، بل الخنا والزنا، بل فيها بعض ما يمس الإسلام؟!


تعجبت.. كيف لشاب أو شابة، قراءة هذا المنكر السحيق، والباطل الماحق؟!


ثم تحديت، فقلت: أتحدى أي عفيف أو عفيفة أن يقرأ هذه الرواية وأمثالها من الروايات -التي تسف وتخف وتحف!


كيف يستطيع العفيف.. أن يقرأ قصة فحولة، يرويها السفيه المسف السافر السادر -أسأل الله أن يعامله بعدله-!


قلّبت أوراقها المبدأفة، فما وجدت إلا هراء وعواء، ونهيقاً ونعيقا؛ فطويتها كاشحاً.


ونصيحة لكل قارئ وقارئة، أقول: لا تثق بكل متابَع ومتابَعة، بل لا بد من السؤال عن الحال والمجال، سيما في مجال القصص والروايات؛ فإن أكثرها يدور حول الجنس الرخيص ولو بعض إيحاءات حفيفة خفيفة، إلا النزر النزير -وقليل ما هم-!


فـ(السلامة لا يعدلها شيء)، (ومن لك بالخلاص إذا نشبتا)؟! فالقلوب عليلة، والشهوات خاطفة، والإيمان ضعيف، والمراقبة بمعزل.


‏وأختم: ليست كل الكتب مأمونة أو محمودة، بل إن في بعضها العطب والخرب، لا سيما في هذا العصر اللاهث وراء المادة، والراكض خلف اللذة.

وكم مَن انحرف بسبب كتاب، نعم والله، حرفه كتاب!

وهناك أقلام أباحت المحرمات، بل وجاهرت وفاخرت.


حفظ الله قلوبنا من الملمّات، وعصمنا من فتنة المحيا والممات.

آمين آمين.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/٦/٢٠




السبت، 15 يناير 2022

"الـرسـالـة تـحـتـجـب"!

"الـرسـالـة تـحـتـجـب"!


هذا عنوان مقالة، للأديب الأريب أحمد حسن الزيات، في مجلته الباذخة "الرسالة" العدد (١٠٢٥)- بتاريخ: ١٩٥٣/٢/٢٣م، -وهو آخر أعدادها- يعلن فيه، عن توقف "الرسالة" بعد عشرين سنة من عمرها القصير الطويل!


لا أدري، كيف تلقى أدباء وشعراء وقراء "الرسالة" في ذلك الوقت، هذه الجملة المُمضة: "الرسالة تحتجب" وقد كانت سافرة لمحارمها الغيورين، يمسونها ويحسونها ويجسونها ويلمسونها، ويثاقفونها ويثافنونها!


كانت "الرسالة" أثيرة لديهم، وعزيزة عليهم، يتلقفها المثقفون في أنحاء المعمورة، بشغف وشوق؛ لأنهم يجدون فيها ضالتهم، فيملؤون عيبتهم، من جمال اللفظ، ورصانة المعنى، ورواء الديباجة، ورواية الأخبار، وجديد الكتب، وطريف المناظرات، وشائك المعارك، وشائق التعارف والمعارف.


إني الآن في عام ١٤٤٣، أجد مرارة هاته العبارة في لساني، بل ووخزها في صدري، وضجيجها في أذني؛ لما في انقطاعها من فديح الخسار، وشديد الغبن!


كان يؤمَّل أن تكون "الرسالة".. راوية روية، ومزادة لا تنضب، ولكن كما قال صاحبها: "القضاء غالب، والرجاء في الله أَولى، ولكل أجل كتاب، ولكل سافرة حجاب، ولكل بداية نهاية"!


إيه لهذه المادة، المنزوية عن ربّان المعارف، وأرباب العوارف، التي لا تزال إلى اليوم -ولن تزول عن القوم -أديلت وأزيلت- حجر عثرة في طريق المجد، ودرب الأماجد!


إن الزيات.. أغلقها على مضض وعضض، ولكن ماذا يفعل، وقد تغصص الخسارات، وتجرع المرارات -ودعك ما يرمى به من الشح والبخل.. فإن البعض يتخذ التدابير، بخلاً بل هو عند هذا الزاعم، أبخل البخل-! حتى إذا عجز دون يأس الأديب الطلعة.. أذاع الحجب، وأعلن الاحتجاب وكان بوسع أولي الأمر والسعة.. أن يسعوا إلى هذه المليحة، بالظهور أمام محارمها، لكنهم أبوا إلا إغضابها واحتجابها؛ لتبدوا القبيحة، سافرة بين العالمين، لا ترد يد لامِس!


إني لأعدّ احتجاب "الرسالة" الراسلة، وإجذاب روادها وإغضابهم؛ من قطع السبيل، وقفل الدروب، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير!

لكن، لا بد من النهاية!


على أني لا أبرئها من كل غبش، ولا أنزهها عن الدلس، فقد كان فيها بعض ما يقذي، ونزراً مما يشوك ويؤذي، من شهر بعض الأفكار المشكّكة، والألفاظ المُوهمة، ونشر معان غير ذات قيمة، وكانت تنشر؛ زعم تداول الآراء المخالفة، والنشر حق للجميع، ومن أراد الرد، فـ "الرسالة" تستقبل ذلك دون غضاضة -وقد كان من ذلك كثيراً؛ لذلك وفرَت معاركها واحتدمت- على أن قلم الزيات، كان يتناول بعض الشوك بالخضذ، فيقطع ما ينبو عنه الطبع، ويبضع ما يمجه السمع، لكن بعضه شوكه لم يحز ويجز؛ لغياب الزيات، أو أسباب أخرى!


وعلى كل، فـ "الرسالة" من خير ما خرج للناس في دنيا المجلات، حينذاك، في مجلات سواها، سفلت وهبطت حتى لامست الأرض، بل حفرت لها أخاديد حتى باتت تعشعش مع الشياطين؛ فصوّرت الصور الفاضحة، من: عري ورقص وخلط وخلوة وشهوة. ونشرت المقالات الصاخبة، من: كفر وفسق وعهر ومجون وتهتك.


احتجبت الرسالة، وهي في العشرين من سني عمرها القصير الأثير، فقد وُلدت في ١٥ يناير سنة ١٩٣٣، ووئدت في ٢٣ فبراير سنة ١٩٥٣م


وقد حاول يوسف السباعي، في سنة ١٩٥٤م، إحياء المحتضرة، في "الرسالة الجديدة" لكنها لم تفق إلا فويقات، ثم عادت إلى حالها!


وكأنهم لم يصدّقوا احتضارها.. فلجأت وزارة الثقافة، في عام ١٩٦٣م، إنعاشها، لكنها كانت في النزع الأخير، فلم يحظوا منها إلا بإبلال لا يبل، حتى كانت سنة ١٩٦٥م فرقدت رقدتها الأخيرة دون حراك ولا انبعاث!


وكأني بالمحتضرة، كانت تقول:

ولما دنا مني السياق تعطّفت *** علي، وعندي من تعطفها شغلُ


أتت وحياض الموت بيني وبينها *** وجادت بوصل حين لا ينفع الوصلُ


أين كنتم عني، حين علمتم بآلامي.. كيف أهملتموني وقد دريتم أوصابي.. لماذا تركتموني وقد تفاقمت أوجاعي؟!

ألآن، بعد أن رقّ العظم، ويبس الجلد، وجف الريق، ووهنت القوى.. هلاّ واسيتموني وآسيتموني؟!


احتجبت، أو قل: وُوريت "الرسالة"عن ألف عدد ونيف، فيه مآثر ملأت الدفاتر، وخواطر تسر الخواطر، ومعارك أدبية تضج، ونقاشات فكرية تعج، ومقالات أثرية تروى وتروي، وروايات وأقصوصات ومسرحيات، وأمور أخرى يدريها من طالع "الرسالة"، التي كانت بحق "رسالة الأدب" إلى شت البقاع، وشتيت الرفاق!


وكأني بكارعي المعرفة، وناهلي التراث، وهم يتأوهون بل ويعولون، ولكنهم، في عجز عن الإبراء والإبداء، فـ"القضاء غالب، والرجاء في الله أَولى، ولكل أجل كتاب، ولكل سافرة حجاب، ولكل بداية نهاية"!

وفي الله خلف عن كل فائت.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

 ١٤٤٣/٢/٢


الخميس، 13 يناير 2022

بين الصغيرين الكبيرين: حافظ وحسن!

 بين الصغيرين الكبيرين: حافظ وحسن!



جذبني عنوان كتيب صغير "شجو الفراق"؛ فبدأت قراءته، مقلبّاً صفحاته، طاوياً أوراقه، وإذا بي أفجأ بالمترجَم، وشخصيته الفذة العبقرية، في: ذكاء ذهنه، ووثوب همته، وجآشة قلبه، وحسن خلقه، ونفاسة نفسه، وضنانة وقته، وتلهب فكره، وقرض شعره، وجودة بيانه.. كل ذلك؛ محاولاً وصول العلياء، والتربع حول هالات القمر، ومسامرة الجوزاء!


تالله، لقد أحببته وشجيته، كأنه خلّي المقرَّب، وحبي المحبب، وكأني به عارف، وله خابر وسابر!

وفي الحديث (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) فقد ألِفَته روحي فور قراءتي عنه.


وتذكرت حينها، بلديّه أو قريب بلدته، العلامة الحافظ: حافظ بن أحمد الحكمي، المولود في عام ١٣٤٢، والمتوفى سنة ١٣٧٧؛ عن ٣٥ سنة فقط!


وقد ترك وراءه إرثاً عظيماً، وعلماً عميماً في شتى الفنون والعلوم، بل صارت بعض كتبه؛ سُلّماً للدراسة.

كـ منظومة "سلّم الوصول" التي نظمها في العشرين من عمره، في ٣٠٠ بيت تنقص قليلاً، ثم شرحها بشرح عجيب وهو في الخامسة والعشرين!

وكتاب "٢٠٠ سؤال وجواب في العقيدة" وغيرهما من متون العلم المتينة.


وقد بدَت مخايل الذكاء عليه، وهو غر صغير، حيث ذهب أخوه (محمد) إلى الشيخ المصلح عبد الله القرعاوي؛ لاستعارة كتب لأخيه (حافظ) وكان حافظ قد أرسل معه خطاباً جميلاً: خطاً، ومضموناً، وضمّنه بيتين مِن نَظْمه، -وكان حينها في الـ ١٦ من عمره-!:


إنّ الذي رقم الكتاب بكفّهِ *** يُقْري السلام على الذي يقراهُ


وعلى الذي يقراه ألف تحيّة *** مقرونة بالمسك حينَ يراهُ 


فلما قرأ الشيخ القرعاوي، الكتابَ؛ تعجّب، وأخذ يُقلّبه، ويُردّد: بالله؛ هذه كتابة راعي غنم؟!


ثم زارهم إلى قريتهم، ولما رأى الفتى؛ أعجب به، وعزم المكوث في القرية لأجله!

فبقي أياماً هناك حتى ألحّ كبار طلاّبه على الشيخ بالرجوع، فرجع، وبقي حافظ مع والديه، ولا زال الشيخ بوالد الفتى الفتي "حافظ"؛ حتى أذن له بالذهاب إلى الشيخ، فذهب، ودرس حتى مهر وبهر، وصار يدرّس في جانب، بجوار شيخه!

وهكذا، إلى أن صار للعلوم هاضماً،  وللمتون حافظاً، يشار إليه بالبنان، وتلهج بذكره اللسان.


ومن أخباره: أنه رأى في صغره "لامية الأفعال" لابن مالك؛ فحفظها، وهو لا يعي ما فيها ولا يدريها، وإنما ليتميز على قرنائه في الرعي!

ومعلوم صعب أبياتها، وعسر كلماتها؛ حتى أن بعضهم يحفظ ألفية ابن مالك في النحو، ولا يسطيع حفظ لاميته!


حتى نمي إلي.. أن الشيخ عبد العزيز ابن باز، قال ما معناه: لو كان حافظ حياً؛ لما تركنا الفتيا إلا له!

هذه نتف عن حافظ.


وهذا الشيخ الصغير الكبير حسن بن جابر الفيفي -الذي وضعت له الترجمة-.. كان يحذو حذو حافظ، ويسير على منواله، لولا أن الحكيم سبحانه؛ أراد قبضه إليه، واستئثاره لديه، ولله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"


ووالله، لقد  قرأت خلال حروفه: الصدق والصراحة، والوفاء والسماحة، والجمال والملاحة..


وكنت أقرأ نثره وشعره ووصفه؛ وأتعجب، وأقول: أهذه عبقرة، شاب في العشرين من عمره؟!


يتكلم الفصحى، ويجيد الإنجليزية، ويقرض الشعر، ويشارك الأدب، ويخبُر الرمي، ويسبر العدَو، ويعين غيره على الخير..


بالله إنها لصفات عزيزة الوجود اليوم في مثل عمره، بل ربما نزرة ندرة فيمن يكبره، ولكن "والله يختص برحمته من يشاء".


حتى قرناءه وزملاءه؛ تلمس الفصحى تنساب بين أناملهم، تنطق بها أفواههم؛ فجزالة لفظ، وغزارة معنى، وسبك وحبك، وهم في أسنانه، وما ذاك إلا: أن في الزوايا خبايا، وفي الشباب بقايا.. ولكنهم بحاجة إلى رعاية وصيانة، وتنمية وتربية، وتهذيب وتشذيب، وبعدها: تجنى الثمرة الناضجة اليانعة.


وذكّرني -هؤلاء- أشياخ العلم، صغار الأسنان؛ بالعلامة أبي القاسم ابن الحافظ قوام السنة الأصبهاني، الذي صار إماماً في حياة أبيه، وكان أبوه يقدّمه على نفسه في اللغة، وجريان اللسان، وله تصانيف كثيرة مع صغر سنه، إلا أن المنية وافته بهمذان سنة ٥٢٦ وقد ولد سنة ٥٠٠، عن ٢٦ سنة!


وفي يوم موته؛ جدّد والده الوضوء نحو ثلاثين مرة، ويصلي مع كل تجديد، ركعتين.


وهكذا هم أسلافنا؛ حرصوا على أبنائهم، وأحضروهم إلى مجالس السماع وهم في مهدهم، وكتبوا في المحاضر "حضر فلان" لمن كان دون الخامسة، و"سمع فلان" لمن كان فوق الخامسة، حتى إذا اشتدّ عودهم، واستد ساعدهم؛ كانوا هم المحدثين، أصحاب العلو، فألحقوا الأحفاد بالأجداد، والأصاغر بالأكابر، كما حصل للجلال السيوطي؛ فقد أحضره والده إلى مجلس سماع، وهو رضيع أو لا زال في الحبو! وصار يفخر بهذا بين لداته وأترابه!


وهذا أبو بكر بن عياش، يقول: كنا عند اﻷعمش، ونحن حوله نكتب الحديث، فمرّ به رجل، فقال: يا أبا محمد، ما هؤلاء الصبيان حولك؟ قال: هؤلاء الذين يحفظون عليك دينك!

أخرجه الرامهرمزي، في (المحدث الفاصل: رقم ٦٥)


فرحمك الله يا شيخ حسن، وأسكنك فسيح جناته، وجعلك من أهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته.


اعذروني على الإطالة؛ فقد جرّني قلمي -وكثيراً ما يفعل- وكان يريد الجموح، لكني كبحته، وشددت زمامه حتى لا يؤذي ويعيث!


وكتب: وليد بن عبده الوصابي

٢٧ رمضان ١٤٤٠.



الاثنين، 10 يناير 2022

كـسـر الأكــواب!

 

كـسـر الأكــواب!


جاء ابن جاري وصديقي، إلى أولادي؛ كي يقرؤوا ويلعبوا -واللعب للصغار، لازم-!


بينا هم في لعبهم وشغبهم؛ إذ تدحرج ابن الصديق، فانكسرت الأكواب!


فزع الغلام وهلع، ووجف فؤاده، وامتقع لونه، وصوّب نظره نحوي، خجلاً خائفاً، دون أن ينبس ببنت شفة!


ابتسمت له، وقلت له: لا تخف .. لا عليك يا ولدي.

ذهب -إن شاء الله- الشر!


عادت إليه البسمة، وعادوا أيضاً -هو وأولادي- إلى مزحهم ومرحهم!

وأخذوا يلقطون معي شعب الزجاج! و(إن الزجاجة كسرها لا يشعب)


طلبت منهم أن يكفوا؛ لئلا يجرحوا أيديهم، بكِسر من الزجاج لا ترى.


عادوا إلى لهوهم، وكأن شيئاً لم يحصل -وبالفعل، فما حصل كان هيناً-!


والذي أثار انتباهي.. ما قاله الصغير: لو كان أبي، كان ضربني، الحمد لله، أنه مش موجود!


ابتسمت، ولم أستطع التعليق حينها بشيء!


لكني أحببت، أن أسطر هذه الأسطر، وأعلّق: بأنه يجب الرفق بالأولاد، والإحسان إليهم، وإذا حصل منهم ما ينكر ويكدر.. فلا يوبخون أو يهانون، ولكن يكتفى بعد ذلك: بالكلمة الطيبة، والتوجيه الحسن، مع الابتسامة الحانية، والربت على الكتف.


أما الصراخ والصياح؛ فلا يفيد سوى ضر النفس، والضرر بالولد، زد على ذلك: نشوء عقدة معقّدة، واستمرار الخوف وزيادته، وفقد الثقة بالنفس، بل ربما أضر به ضرراً بالغاً، إما في الحال أو المآل.


ولا أنسى، قصة تِربي ولِدتي "محمد الغزالي" -رحمه الله-؛ حين رفع والده عصاه؛ ليضربه، فلم يحتمل، وطغى عليه الخوف، ولم يمهله؛ فشهق شهقة، كان بعدها حتفه!


وقد توفي ولم يخنق العاشرة بعد، وربما خنقها، لكنها خنقته!


وكم حزنت وشجنت؛ لفراقه.. فقد كان زميلي في الدراسة والخطابة،

ولكني -حقيقة- كنت أجهل المعنى الحقيقي للموت!


الشاهد: يجب على الآباء حسن التعامل؛ فإنه قرين التكامل، ومداومة التقويم، وتكرار التقييم: برفق ولين ورحمة وحكمة، مع الدعاء بالتوفيق والصلاح؛ فثَمّ الحسن والأحسن.


"ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة عين" "رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء".



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/٦/٦