الاثنين، 8 نوفمبر 2021

شرح قطعة من "المقامة الكوفية" من "مقامات الحريري"!

 شرح قطعة من "المقامة الكوفية" من "مقامات الحريري"!


غرد الشيخ محمد المهنا:


‏هذه القطعة من ‎مقامات الحريري أتمنّى أن يشترك في شرحها أديبٌ لوذعي، وطبيبٌ ألمعي:

رُبَّ آكلةٍ هاضت الآكل، وحَرَمته مآكِل، وما قيل في المثل الذي سار سائره: (خير العشاء سوافِره)، إلا ليُعَجّل التعشّي، ويُجتنب أكل الليل الذي يُعْشي، اللهمّ إلا أن تَقِد نارُ الجوع، وتحول دون الهُجوع!


فأجبت: لست بأديب لوذعي، ولا طبيب ألمعي، لكني، أردت الإسفار، عن برقع هاته القطعة المنيعة، وصادف رغبة من نفسي وهجسي، فقلت -مستعيناً بالمُعين، ومسترفداً من المَعين-:

‏(رُبّ) من حروف الجر، تقتضي التقليل، مختصة بالنكرة (أكلةٍ) بهمزة قطع، بالفتح: المرة الواحدة، وبالضم: اللقمة، وبالكسر: هيئة الأكل، (هاضت) أي: أضعفت، وسببت قيئاً وإسهالاً، لـ (الآكل) وهو فاعل الأكل، (وحَرَمته مآكِل) جمع مأكلة أو مأكل، وهو الأكل.

وفي المثل: (رب أكلة، تمنع أكلات)

قال ابن العلاف:

كم أكلة خامرت حشا شره *** فأخرجت روحه من الجسد


(وما) والذي (قيل في المثل) العربي (الذي سار سائره) أي: انتشر واشتهر؛ لوجيز عبارته، وبراعة صياغته: (خير العَشاء) أي: طعام العشاء (سوافره)، جمع سافرة، أي: بواكره، وقيل: (خير العشاء، بواصره) أي: ما أبصرته العيون، بضوء النهار، (إلا) أي: سبب تأخير العشاء؛ (ليعجّل) المتعشي (التعشّي)، أي: ليكون العشاء قبل حلول الظلام واحلولاكه (و) يجب عليه.. أن (يجتنب أكل الليل الذي) من صفته، أنه (يُعْشي) أي: يورث العشا والعمش، وهو ضعف البصر، (اللهم) في الأصل: دعاء، وهي هنا: حث للسامع على حفظ القيد المذكور بعدها (إلا) استثناء من منع أكل الليل، في حالة (أن تَقِد) أي: تتقد وتضطرم (نار الجوع) أي: شدته وقوته، وحرارته ومرارته، (و) أن (تحول) نار الجوع (دون) أي: من عدم (الهُجوع) والراحة، فتمنع من النوم.

والمعنى: أن الشره والنهم في المأكل؛ ممنوع في الشرع، ومذموم عند العرب، وربما كان فيه أضرار وأوضار. وعلى ناشد الصحة.. أن يجتنب أكل الليل؛ لأنه يسبب العمش والضعف، إلا إذا آذاه الجوع بقرصاته، ومنعه النوم بزفراته؛ فليأكل، وليخفف.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/٤/٢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق