الجمعة، 5 نوفمبر 2021

عـايـش.. الكـتبي المغمـور!

 عايش.. الكتبي المغمور!

#وفاة_علم

"إنا لله وإنا إليه راجعون" لا نقول إلا مايرضي ربنا، وإلا يعلم الله، كم تحسرت وتألمت وتوجعت.

وصلتني الرسالة، وأنا مضطجع، فقمت مستوفزاً، متسائلاً: أحقاً ماتقول أيها المرسل؟

قال: نعم.


لست مكذباً، ولكن: لهول الصدمة، وشدة الفاجعة.. فقد قابلته، قبل أيام قلائل، وهو بكامل صحته، كما أرى، ولكن:

(إذا نزل القضا، ضاق الفضاءُ)


عايش: رجل عجيب، قصير القامة، ضخم الرأس، ممتلئ الجسد، متكفئ الخطى، حاد النظر، حنطي اللون، بشوش الوجه، طيب القلب، منشرح الصدر، أعزب!

نعم، أعزب، وقد تجاوز عمره الأربعين، فسألته مرة: ألا تتزوج؟

قال: لا أستطيع، وليس عندي تكاليف الزواج!

نكست رأسي، حياء وخجلاً؛ إذ كشفت ستراً كان في خفاء!


عايش: رجل نهم بالمطالعة، خبير بالكتب، كثير القراءة، ولا يعرفه إلا من عاشره.

تنظر إليه، فتخال باطنه كظاهره، وهو غير ذلك تماماً، بل يكاد يكون ملماً بكتب مكتبة (الفرقان)، على كثرتها وتشعبها وتنوعها.


لا تسأله عن كتاب، إلا بادرك، باسمه الكامل، واسم مؤلفه، ومحتواه وفحواه، وعن تعلقه بالكتاب الآخر!


حتى كنت مرة أنظر إليه، وأهز رأسي، وأتبسم وأتعجب من استحضاره، قائلاً: ماشاء الله!

فكان يضحك ضحكة المتبسم، إشارة إلى تعجبي منه.


وأذكر مرة، كنت أقرأ في كتاب، وكان متشوقاً لقراءته!

فكنت آتي المكتبة، ويسألني على استحياء -والله- هل انتهيت من الكتاب؟

فأبتسم.

ثم أتيته به، فسألته عنه اليوم الثاني؟

قال لي: لقد أنهيته!

معقول؟

ابتسم، وقال: نعم، سهرت عليه الليل!


عايش: انقطعت أخباره عني، من حين الفتنة التي عصفت باليمن -كشفها الله- لأني جعلت بيتي حلسي، وكتابي جليسي، فلم أذهب المكتبة، ولا إلى غيرها، إلا لما منه بد، من حينها -وكانت قبل جليستي- وهو موظف فيها.


وشاء الله، أن ألتقيه قبل أسبوع، في مكتبة، نعم، في مكتبة (الجيل الجديد) فكان كعادته، هاشاً باشاً، متسائلاً: لماذا لا تأتي المكتبة، يا وليد؟

وصفت له السبب.

ثم سألته عن سبب مجيئه؟

فقال: أنظر الكتب الجديدة، حتى أخبر بها المسؤولين عن المكتبة، لكي يشترونها!

ودعته، وذهبت.


وها أنا اليوم: أفجع بخبر رحيله، وأخبر بنبأ مسيره، فـ لا إله إلا الله "كل شيء هالك إلا وجهه"


رحمك الله يا عايش، أشهد، أنك طيب القلب، نقي الفؤاد، سليم الصدر، خلوقاً، بسوماً، هشوشاً بشوشاً، عفيفاً شريفاً، فقيراً معدماً، غير متكلف ولا مختال.

ليس لديك أصحاب إلا زملاءك، ومن عرفك، من رواد المكتبة:

عشت وحيداً..

ونمت وحيداً..

وها أنت الآن، وحيداً، حاشا عملك الصالح، وهذا ظني بربي الكريم، الرحمن الرحيم، أن يؤنسك في قبرك، ويجعلك في روضة من رياض الجنة، إن ربي على كل شيء قدير.


اعذروني، فقد أطلت، ووالله، لم أنته مما جاش في صدري وحاش، ولكن: ليرحمه ربه،،


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي،،

١٤٣٧/١/٢٢


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق