الاثنين، 26 يوليو 2021

المراد بكلمة "السواد" عند المتقدمين، وفي بعض المخطوطات!

 

المراد بكلمة "السواد" عند المتقدمين، وفي بعض المخطوطات!


نشر الشيخ عادل العوضي، قبل مدة، في (مجموعة المخطوطات الإسلامية)، صورة مخطوطة، مزبور عليها: "النظر في السواد، من الضلال، خذ العلم من أفواه الرجال"!

(فيض الله ٥٥٦)


فحصل تحاور، حول كلمة (السواد) مالمراد بها؟

وأدلى البعض بدلوه، ورمى بسهمه، وكان مما قلت -حينها، مع زيادات طفيفة، لا تطفف!-:


الذي أفهمه، أن: (السواد) هنا.. يقصد بها: الكتب؛ لأن الكتاب، يكون في الغالب بالسواد، فهو من باب تسمية الشيء، بما يؤول إليه.


ومثله قول الشاعر:

فدع عنك الكتابة لستَ منها *** ولو سوّدت وجهك بالمدادِ


وقول الشعبي: "ما كتبت سوداء في بيضاء، ولا سمعت من رجل حديثاً، فأردت أن يعيده علي".

رواه زهير بن حرب، في كتاب (العلم: ١٢)


وهذا كناية عن عدم اتكاله على الكتابة، واعتماده على ذاكرته.


ولو قال قائل: آلنظر في الكتب.. ضلال؟

فالجواب: النظر في الكتب ليس ضلالاً، ولا هو من الضلال، بل هو أفضل زاد، وخير رافد، ولكن إن كان المقروء، غير مأمون، فالضلال مظنون، أو جهل القارئ، بمؤدى الكلام؛ فإنه يقع في التحريف والتصحيف، فيكون وصفه بالضلال؛ ليس لذات النظر، ولكن لمؤداه.

ونحن نعلم، كم من ضلال، نشأ عن قراءة خاطئة، بل أزهقت أنفس -كما في "نقطة الإحصاء"، ولي فيها مقال-!-.


قال عبد الرحمن الأوزاعي: (كان هذا العلم كريماً، يتلاقاه الرجال بينهم، فلما دخل في الكتب، دخل فيه غير أهله).


قال الذهبي مُعلقاً: "ولا ريب.. أن الأخذ من الصحف، وبالإجازة، يقع فيه خلل، ولا سيما في ذلك العصر، حيث لم يكن بعد نقط ولا شكل، فتتصحف الكلمة بما يحيل المعنى، ولا يقع مثل ذلك في الأخذ من أفواه الرجال، وكذلك التحديث من الحفظ، يقع فيه الوهم، بخلاف الرواية من كتاب محرر".

(سير أعلام النبلاء: ٧/ ١١٤)


وقال ابن أبي زيد: "وكان يقال: لا يؤخذ العلم من كُتُبِي، ولا القرآن من مُصْحَفِي، وإن كانت الكتب في آخر الزمان، خزائن العلوم؛ فإن مفاتيح مغالقها، الصدور، وقد كان العلم في الصدر الأول: خزائنه الصدور ولم تكن كتب، وصار في آخر الزمان أكثره في الكتب وأقله في الصدور".

(النوادر والزيادات: ١/ ٨)


ثم وجدت هذه الكلمة، أشكلتْ بادي بدي، على العلامة عبد العظيم الديب، في تحقيقه، لـ (نهاية المطلب)؛ لأن الجويني، كان يكررها كثيراً، مثلاً، يقول: "ولكن الجريان على ترتيب السواد أولى" و"نحرص أن نتبع ترتيب السواد" و"ثم نرجع إلى ترتيب السواد" ونحوها.

فانظره يقول: "مرة ثانية، تُقابلنا لفظة "ترتيب السواد"، ولا ندري المقصود بها، وإن كنا نظن ظناً.. أن المراد: سواد المؤلفات والمصنفات، مجرد ظن لا قرينة تعين عليه.

بل ترجّح عندنا، إلى ما يشبه اليقين: أن (السواد) هو مختصر المزني، أما لماذا يسميه السواد؟ فلم نصل إلى تفسير له.

قلت -عبد العظيم-: هذا التعليق كتبته قبلاً على مرتين -كما يظهر من قراءته- بينهما فترة زمنية، ربما تصل إلى سنوات، فقد استغرق العمل في هذا الكتاب، أكثر من عشرين عاماً.

والذي نزيده اليوم، هو ما أخذناه عن شيخنا أبي فهر "أن لفظ (السواد) يستعمل بمعنى: الأصل والمتن، وعليه شواهد، وإن لم يكن منصوصاً فيما بين أيدينا من معاجم".

مقدمة (النهاية: ٥/ ١٧٣) 


وقال في موضع آخر: "السواد: أي: مختصر المزني، ولفظ (السواد) يأتي بمعنى: المتن والأصل، وهذا غير منصوص في المعاجم، ولكني أخذته عن شيخي شيخ العربية، الشيخ محمود محمد شاكر، -برد الله مضجعه-".

مقدمة (النهاية: ١/ ٢٦٨)


وقال في موطن آخر: "والمراد بالسواد.. (الأصل) أو (المتن) هكذا يستخدم هذا اللفظ، من قبل الأئمة والمؤلفين القدماء في كتبهم ومؤلفاتهم، وسيرد هذا الاستعمال كثيراً في كلام الإمام، وهو غير موجود في المعاجم".

مقدمة (النهاية: ١/ ٤)


قلت: فبان ووضح من هذا الإيضاح والبيان: أن المراد بالسواد.. المتن على وجه الخصوص، أو الكتاب على سبيل العموم.

والله أعلى وأعلم.


وكتب: وليد أبو نعيم

١٤٤١/٤/٦ 

يوم القر ١٤٤٢ 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق