الأحد، 27 ديسمبر 2020

نفسي أَبْسَتْ (من) و(إلى) ضبط كلمة (أَنْسَتْ)! من وسم كتاب: (التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة)!

 

نفسي أَبْسَتْ (من) و(إلى) ضبط كلمة (أَنْسَتْ)!

من وسم كتاب: (التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة)! 


كتاب: (التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة)، للعلامة جمال الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد المطري المصري، تـ٧٤١؛ من أجود ما كتب عن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبيين معالمها، وتوضيح مآثرها؛ لأنه اعتمد بنفسه على كثير من المشاهد، وزار عدداً من المعالم، بل كان يسافر لهذا الغرض، ويمكث ما شاء الله له المكوث، حتى شفا غلته، وملأ عيبته، ثم أفرغ ما في دواته على كاغده!

سطر ما عاشه من أحداث جرت فيها، وإن لم يخل من النقل عن غيره، وهذا شأن الجل، إن لم يكن الكل!


فصار بهذا؛ ذا قيمة قيّمة، حتى غدا منهلاً لمن تبعه، ومكرعاً لمن لحقه، ممن ألف في تيك المدينة العظيمة، والبلدة الفخيمة.. التي كفاها شرفاً: حلول جسد المصطفى صلى الله عليه وسلم في ترابها، وبين أهدابها.(١)


وقد طبع الكتاب أولاً: بتحقيق الشيخ محمد بن عبد المحسن الخيال، ونشره الناشر أسعد طرابزوني.


ثم طبعه الباحث عبد الله بن سليمان اللهيب، في رسالة علمية.


وبعدها طبع بتحقيق الدكتور سليمان الرحيلي، وقد اعتمد على أربع نسخ خطية، إحداها بعد وفاة المؤلف بسنتين، وتعقب محققيه قبله.


وقد اختُلف في ضبط (أنست) من عنوان الكتاب، وهاك ما وقفت عليه، مع الترجيح -بعون الله تعالى-:


الضبط الأول: (أنست) بفتح الهمزة، وسكون النون، وفتح السين، ثم سكون الأخير، من النسيان.


وضبطه بهذا الضبط:

-المؤرخ ابن فهد، في (لحظ الألحاظ: ٧٥).

-الحافظ الحرضي، في (بهجة المحافل: ١/ ٢٧). 

-العلامة الميمني، في (بحوث وتحقيقات: ١/ ١٩١). 

-العلامة محمد حميد الله، في (كتاب مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة: ٦٦٢).

-المؤرخ الزركلي، في (الأعلام: ٥/ ٣٢٥). 

-الأديب محمد كرد علي، في (مجلة المقتبس: ٨١/ ٥٤) على أنه في (٧٦/ ٦٢) ضبطها، بـ (آنست)! 


الضبط الثاني: (أسست) بفتح الهمزة، وإبدال النون (من أنست) سيناً مشددة مفتوحة، من التأسيس والبناء.


وضبطها بهذا الضبط:

-الإمام ابن ناصر الدين، في (توضيح المشتبه: ٦/ ٨١ - ٢٤٠). 

-المؤرخ التقي الفاسي، في (ذيل التقييد في رواة السنن والمسانيد: ١/ ٤٤). 

-الكتبي الباباني، في (إيضاح المكنون: ٣/ ٢٩٦) و(هدية العارفين: ٢/ ١٥٠). 

-المؤرخ رضا كحالة، في (معجم المؤلفين: ٨/ ٢٥٧).

-المحقق أنور بن أبي بكر الشيخي الداغستاني، في تحقيقه كتاب (بهجة المحافل: ١٧).(٢)


الضبط الثالث: (آنست) بمدِّ الهمزة (من كلمة أنست) وفتح النون والسين!


وضبطها، بهذا الضبط:

-الأستاذ عبد الباسط عبد الرزاق بدر، في (كتاب مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة ودوره في خدمة السيرة النبوية: ١٥) على أنه أخطأ في نسبة مؤلفها -كما سيأتي-!

-الأديب كرد علي، في (مجلة المقتبس: ٧٦/ ٦٢) في أحد الموضعين.

-الدكتور عاصم حمدان علي حمدان، في (المدينة المنورة بين الأدب والتاريخ: ١٠). 


وبهذا الضبط؛ طبع الكتاب في نشرته الأولى، بالمكتبة العلمية بالمدينة المنورة، عام ١٩٧٠م.


والأرجح من هاته التسميات.. هو الأول (أَنْسَتْ) وذلك لأسباب:

الأول: أن هذا، هو ضبط المؤلف في أول كتابه، ويقال في هذا: (قطعت جهيزة، قول كل خطيب)!


ثانياً: ذكر المؤلف ما يعلل هذه التسمية، فقال: "وقد خَلَت -أي: المدينة- ممن يعرف معالمها وأخبارها، ويعرف معاهدها وآثارها، وبعض ما ورد في فضلها وأسندته؛ رجاء ثواب الله العميم، وشفاعة نبيه الكريم، وأن يجعلنا من خیار أمته، ويحشرنا معه في زمرته، غير خزايا ولا نادمين، ولا مغيرين، ولا مبدلين آمین آمین آمین، وسميته: (التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة)".(٣)


وهذا نص صريح في ضبط كلمة (أَنْسَتْ) بل جاءت مضبوطة بالشكل، هكذا في طرة بعض المخطوطات. 


ثالثاً: أن هذا الضبط، موافق للمعنى؛ فمعنى العنوان وشرحه: تعريف من لم يَعرف، وتذكير من نسي، -مع مرور الزمن، وهجران الدمن-.. بالمعالم والرباع التي اشتملت عليها دار الهجرة، وهي المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

في قول المصنف: "وقد خلت -أي: المدينة- ممن يعرف معالمها وأخبارها، ويعرف معاهدها وآثارها ...". 


رابعاً: جاء هذا الضبط، عند بلدينا الإمام الحافظ يحيى بن أبي بكر الحرضي العامري، تـ٨٩٣، وقد ذكر، أنه: رواه عن شيخ الإمام الحافظ محب الدين محمد مصعب بن عمير، وأرويه بالسند المتصل إلى المؤلف عن عدة من الأشياخ -والحمد لله-.

ينظر: (بهجة المحافل: ١/ ٢٧). 


تنابيه:

الأول: عزا الباحث عبد الباسط عبد الرزاق بدر، في (كتاب مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة ودوره في خدمة السيرة النبوية: ١٥).. كتاب (التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة) إلى الإمام زين الدين أبي بكر بن الحسين بن عمر أبي الفخر المراغي!


وقد التبس عليه؛ لأن للمراغي كتاباً في المدينة، يشبه اسمه، اسم كتاب (التعريف) للمطري، وهو (تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة).


الثاني: تبادر إلى ذهني، بادئ ذي بدئ، أن "المطري" نسبة إلى بني مطر، من بلاد اليمن، وهي اليوم: مديرية بني مطر: أكبر مديريات محافظة صنعاء وأشهرها. 

ومنها: قرية بني مطر: إحدى قرى مديرية عتمة(٤) في محافظة ذمار.

قال ياقوت: "مطر: من أعمال اليمن يقال لها: بنو مطر". 

(معجم البلدان: ٥/ ١٤٨).


فكنت أظن أولاً: أن الجمال من مطرنا (على أنه خزرجي سعدي يمني)، ثم تبين، أنه من بلدة، اسمها: المطرية: وهي مدينة مصرية قديمة، ذكرها ياقوت وغيره، كانت على مشارف القاهرة، وقد صارت الآن؛ إحدى ضواحيها الشمالية، وينسب إليها عدد من الأعلام ومنهم: صاحبنا الجمال المطري.

فإذا وجدتَ هذه النسبة (المطري)؛ فتحرى إلى أي بلدة تعود.


الثالث: يتنبه، إلى أنه قد تكون نسبة المطري، إلى رجل، وليس بلاد؛ فقد وجدت ياقوت الحموي، في (معجم البلدان: ٤/ ٢٤٦)؛ يذكر في بلدة: (فربيا) يقول: "من قرى عسقلان، ينسب إليها: أبو الغنائم محمود ابن الفضل بن حيدر بن مطر الفربياني المطري، لقيه السلفي، وسمع الحديث عليه، وعلى غيره". 


هذا ما يسره الله سبحانه، من تحقيق ضبط هاته الكلمة من عنوان، وأرجو أن أكون وُفقت للصواب، ونئي بي عن الوهم والاضطراب.. فإن الفكر مشوّش، والقلب متعب، حتى صرت أخشى الهذي، رزقني الله الهدي، والله وحده المستعان لا رب سواه، ولا إله غيره.


وكتب -النائي عن الأهل والولد والوليد-: أبو نعيم وليد! 

١٤٤١/٤/٣٠


ح............................ 

(١) قال القاضي عياض اليحصبي في كتابه الشافي (الشفا) (ولا خلاف أن موضع قبره -صلى الله عليه وسلم- أفضل بقاع الأرض).

(الشفا: ٢/ ٢١٣)


وقال السخاوي في (التحفة اللطيفة): "مع الإجماع، على أفضلية البقعة، التي ضمته صلى الله عليه وسلم، حتى على الكعبة المفضلة، على أصل المدينة، بل على العرش، فيما صرح به ابن عقيل من الحنابلة". 

(التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة: ١/ ٢٠)


(٢) وكان هو الفتيل، الذي أضاء هذا البحث؛ إذ كنت أقرأ في هذا الكتاب (بهجة المحافل)؛ فلما أتيت على ذكر المحقق، لكتاب (التعريف) نزلته كتاباً (مبدأفاً) منورقاً، فرأيت اختلاف العنوان؛ فكان ما هو بين يديك.

(٣) (التعريف: ٤١)

(٤) وعتمة، هي: قرية العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، تـ١٣٨٦، وبالتحديد عزلة (الطفن).




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق