الثلاثاء، 25 فبراير 2020

تنبيه على بطلان قصة راويها كذاب!

تنبيه على بطلان قصة، راويها كذاب!

وقع نظري، على هاته القصة: ذكر ابن بشكوال بسنده إلى (أحمد) (محمد)(١) بن عمر بن يونس اليمامي(٢) قال: كنت بصنعاء، فرأيت رجلاً، والناس حوله مجتمعون عليه، فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذا رجل، كان يؤم بنا في شهر رمضان، وكان حسن الصوت بالقرآن.. فلما بلغ: "إن الله وملائكته يصلون على النبي" قال: إن الله وملائكته يصلون على (عَلِي) النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.. فخرِس، وجذِم، وبرِص، وعمي، وأقعد مكانه.

وعند قراءتي لها؛ قذف في روعي، وضعها واختلاقها، ليس اعتباطاً ولا كشفاً، وإنما نظراً إلى كبير الجرم، وجليل الوقح، وضعف السبك، وغمز الراوي! 
لكني، لم أجعل هذا دليلاً وحكماً، وإنما عدت إلى النبش والنكش..

أولاً: ذهبت إلى، (الصلة في تاريخ أئمة الأندلس)، للإمام أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال، تـ٥٧٨.. فلم أجد ذكراً للقصة، أو راويها (محمد بن أحمد بن عمر)!

و(الصلة)؛ أشهر تواليف ابن بشكوال، وهو مظنتها، ولا أدري، إن كانت القصة، ذكرت في غير (الصلة)؟
أقول: وإن ذكرت؛ فلا يخرجها عن وضعها؛ لما ستعلمه في هذا الرقيم.

ثانياً: ذهبت أبحث عن مصادر ذِكرها.. فوجدت كلاً من:
-الإمام السخاوي، في (الإعلان بالتوبيخ: ١٠٣)، وفي (القول البديع: ٣٦)،
-والحطاب، في (مواهب الجليل: ٦/ ٢٨٦)،(٣)
-والمجلسي الشنقيطي، في (لوامع الدرر في هتك أستار المختصر: ١٣/ ٣٨٤)،
-والزرقاني، في (شرح خليل والبناني: ٨/ ١٢٥).

والثلاثة الأُول، عزوها إلى ابن بشكوال، إلا أن الحطاب، زاد عزوها، إلى كتاب (كنز الراغبين العفاة في الرمز إلى المولد والوفاة) قال: "ولم أقف على اسم المصنف"!
وأما الزرقاني.. فقال: قال بعضهم! 

ثالثاً: ذهبت إلى راوي القصة؛ فرأيت اضطراباً فيه.. فسماه السخاوي: أحمد بن محمد بن عمر اليماني، تـ٢٦٠. (الابن) 
وسماه الحطاب، والمجلسي: محمد بن عمر بن يونس. (الأب) 

قلت بداهة: لعل الابن (أحمد) رواها عن والده (محمد) فرواها السخاوي إلى الابن، والحطاب إلى الأب! 

لكني، لم أجد ترجمة للأب "محمد بن عمر بن يونس"(٤)، ثم رأيت شيخنا المحدث مقبل الوادعي -سقى الله جدثه- يصرح أنه لم يجد ترجمة للأب (محمد)، فاسمعه يقول:
"تنبيه: في "المستدرك" أن شيخ أحمد، هو أبوه، يرويه عن جده عمر بن يونس.
وفي كتب التراجم: أن أحمد، يروي عن جده عمر بن يونس، ففي (تهذيب الكمال) ذكر أحمد من الرواة عن جده، ولم يذكر محمداً من الرواة عن أبيه عمر.
فالظاهر أن قوله في (المستدرك): عن أبيه؛ عنى به جده عمر، وأن "ثنا" بين "أبي" و "عمر" مقحمة، أو هي من أوهام الحاكم، أو هي من كذب "أحمد" الكذاب، والله أعلم.
ثم إني بحثت في بعض المراجع؛ فلم أجد ترجمة لمحمد".
(رجال الحاكم في المستدرك: ١/ ١٨٧).

رابعاً: عدت إلى ترجمة رواي القصة (أحمد).. فوجدته يتقلب بين الضعف، والترك، والكذب، وهاك التفصيل:
-قال عبد الرحمن بن أبى حاتم: سألت أبي عنه؟ فقال: قدم علينا، وكان كذاباً، وكتبت عنه، ولا أحدث عنه بشيء".
(الجرح والتعديل: ١/ ٧١).

-وقال ابن المديني -عن جده عمر بن يونس بن القاسم اليمامي-: كان ثقة ثبتاً، ووثقه أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، والبزار.
وقال ابن حبان: يتقى حديثه من رواية أحمد بن محمد بن عمر بن يونس؛ لأنه يقلب الأخبار.
ينظر: (الثقات: ٨/ ٤٤٥) لابن حبان.

وقال ابن حبان: "يروي عن عبد الرزاق، وعمر بن يونس وغيرهما؛ أشياء مقلوبة، لا يعجبنا الاحتجاج بخبره إذا انفرد".
(المجروحين: ١/ ١٤٣)

-وفي (تاريخ بغداد: ٥/ ٦٦): كان سلمة بن شبيب.. يكذبه. 

-وقال الخطيب:" وكان غير ثقة". 
(تاريخ بغداد: ٦/ ٦٥).

-وقال الخطيب: "قرأت بخط أبي الحسن الدارقطني- وحدثنيه أحمد بن أبي جعفر القطيعي عنه، قال: أحمد بن محمد بن عمر بن يونس بن القاسم اليمامي.. متروك الحديث".
(تاريخ بغداد: ٥/ ٦٦). 

-وفي (ديوان الضعفاء: ٨) للذهبي. قال ابن صاعد: كذاب.

-وفي (ميزان الاعتدال: ١/ ١٤٣) للذهبي أيضاً، قال: "كذبه أبو حاتم، وابن صاعد". 

-وعن أبي نصر بن ماكولا قال: أما الجرشي، بضم الجيم وفتح الراء وكسر السين المعجمة.. عمر بن يونس بن القاسم الجرشي اليمامي، وهو جد أحمد بن محمد بن عمر بن يونس.. أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي نا إسماعيل بن مسعدة أنا حمزة بن يوسف أنا أبو أحمد بن عدي أخبرني إسحاق بن إبراهيم قال: ذكرت اليمامي(٥) هذا لعبيد
الكشوري (نسبة إلى قرية من قرى صنعاء اليمن) فقال: هو فينا، كالواقدي فيكم! 
(الإكمال: ٢/ ٢٣٤).

-وقال ابن عدي: أحمد بن محمد بن عمر بن يونس اليمامي.. حدث بأحاديث مناكير عن الثقات، وحدث بنسخ عن الثقات بعجائب، وتكثُر عجائب اليمامي.
(الكامل في الضعفاء: ١/ ١٧٨). 

خامساً: ذهبت إلى رواية القصة، فوجدت اضطراباً فيها.. ففي بعض المصادر: أن راوي القصة (على الاضطراب في اسمه) هو الذي شاهد القصة، وروى تعليلها.
وفي بعضها: أنه هو الذي شاهد القصة، ولكنه لا علم له بالسبب والتعليل!

قال أبو نعيم: وبعد هذا التطواف.. نكون قد وصلنا إلى بطلان هذه القصة، التي تحكي أمراً كبّاراً، "تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا" وهو تحريف آية من كتاب الله العظيم، الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه".
وذلك لأمور خمسة تقدم معك تفصيلها، وهاك الإجمال، مع زيادة خلال:
-أنها أُوردت دون خطام ولا زمام، وإنما توارد في النقل دون محص وفحص.
-الاضطراب في راويها.
-الاضطراب في روايتها.
-جهل مصدرها وأسانيدها.
-أن فيها تكفيراً لرجل مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤمن أن القرآن حق لا زيادة فيه ولا نقصان -على البراءة الأصلية-، وإن لم تثبت عينه، لكن حكاية القول، دليل على قائل!
-أن فيها إلماحاً إلى اتهام فرقة أو بلدة، بالاستهانة بكتاب الله المجيد؛ إذ وجد فيهم من ينال من قدسية القرآن الكريم، ولا رادع له أو زاجر، بل قعدوا ينظرون إليه مشفقين!
-أن فيها نزع ثقة الناس، من قراء القرآن وحملته؛ إذ أنهم يزيدون ما أرادوا، وينقصون ما شاؤوا! 

-وبعد هذا وذاك؛ إن رواي القصة متهوم في ديانته، وموصوم في أمانته، فكيف يقبل قوله في دين الناس وأماناتهم؟!

هذا ما أردت رسمه، دفاعاً عن كتاب الله العزيز، وذباً عن عرض المسلمين، وإماطة أذى عن طريق المؤمنين، وبالمعين سبحانه أستعين، وهو المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.

وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.
١٤٤١/٦/١٣، ليلة الجمعة الغراء، بعد آخرة العشاء، بمدينة ح ي كلأها الحافظ.

ح...........
(١) جاء في بعض المصادر: (أحمد بن محمد بن عمر بن يونس) وفي بعضها: (محمد بن عمر بن يونس)!

(٢) لا يذهبن بك، أنه: اليامي، بدل اليمامي، فإنه يماني، ولكن قضى في اليمامة، فنسب إليها.
قلت: وقد ينسب إلى جده، فيقال: أحمد بن عمر بن يونس.
ينظر: (الكامل: ٥/ ١٥٢) لابن عدي. 

(٣) جل من عزاها من المتأخرين، فإنما يعزوها إلى (مواهب الجليل)!

(٤) هناك ثان، هو: أبو الفرج محمد بن عمر بن يونس البزاز، حدث ببغداد.
وثالث: محمد بن عمر بن يونس ابن الجصاص، تـ٤٢٧، سمع أبا علي بن الصواف، وأبا بكر بن خلاد النصيبي، قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان ديناً ثقة.
ويتأكد، فلعلهما واحدا.
ينظر: (تاريخ بغداد: ٣/ ٣٧) و (الإكمال: ٣/ ٢٥١) لابن ماكولا، و (الأنساب) و (تاريخ الإسلام: ٩/ ٤٢٨).
ورابع: أبو جعفر، محمد بن عمر بن يونس بن عمر بن دينار النميري السوسي.
(لسان الميزان: ٥/ ٣٢٦).

(٥) قلت: لعله يريد الحفيد (أحمد) لا الجد (عمر)؛ لأن الجد قد وثقه الدارقطني، وأحمد، وابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، والبزار، إلا ما يرويه عنه حفيده (أحمد)؛ فيحذر ويتقى.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق