الخميس، 27 يوليو 2023

نبـاوة النـواوي!

 نباوة النواوي!

يحيى بن شرف بن مرا = مرى (١) النووي = (النواوي)، تـ٦٧٦؛ إمام كبير، وجهبذ نحرير، شهر بالورع والزهادة، واشتهر بالعلم والإفادة، وهو لا يحتاج إلى تبيين أو تعيين، فإنه أشهر من نار على علَم.


كان أسمر اللون، كثّ اللحية، رَبْعَة، مَهيباً، قليل الضحك، عديم اللعب، يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم، وفي بحثه مع الفقهاء تعلوه السكينة.


أراد أن يتعلم المنطق، فأظلم قلبه، فتركه!


كان يقرأ كل يوم، اثني عشر درساً، على مشايخه؛ شرحاً وتصحيحا.


قال ياسين المراكشي: "رأيت النووي وهو ابن عشر سنين، والصبيان يكرهونه على اللعب معهم وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، فوقع في قلبي محبته"

(المنهل العذب الروي: ٥٢)


رزقه الله حسن التصنيف، فما أجمل تواليفه وأرصنها وأتقنها وأحكمها وأسمقها وأنسقها، وقد سارت بها الركبان، وطُوف بها البلدان.


قال العلائي: "ولا أعلم أحداً من المتأخرين ومَن قبلهم، نفع الله بتصانيفه، كما نفع بتصانيف الشيخ أبي زكريا يحيى هذا، تغمده الله برحمته، وشهرته تغني عن الإشارة إلى أوصافه"

(إثارة الفوائد: ٤٣٧)


قلت: وما ذاك -والله أعلم- إلا إخلاص يحيى، وصحة نيته، وصلاح سره، وصالح سريرته.


قال الإسنوي: "ووقوع هذا للشيخ محيي الدين النووي أكثر؛ وذلك أنه لما تأهل للنظر والتحصيل، رأى من المسارعة إلى الخيرات أن جعل ما يحصله ويقف عليه تصنيفاً، ينتفع به الناظر فيه، فجعل تصنيفه تحصيلاً، وتحصيله تصنيفاً، ولولا ذلك لم يتيسر له من التصانيف ما تيسر، فإنه -رحمه الله- دخل دمشق للاشتغال وهو ابن ثمانية عشرة سنة، ومات ولم يستكمل ستاً وأربعين"!

(المهمات في شرح الروضة: ١/ ٩٩)


فيا ويحك أبا زكريا، لقد تعبتَ في دنياك، وكابدت الدرس، وعالجت التصنيف، ونرجو لك الاستراحة والاسترواح والراحة.


قال السبكي: "وهذا الإمام الرباني الشيخ محيي الدين النووي -رحمه الله- وُزّع عمره على تصانيفه، فوُجد أنه لو كان ينسخها فقط لما كفاها ذلك العمر، فضلاً عن كونه يصنفها، فضلا عما كان يضمّه إليها من أنواع العبادات وغيرها ... فسبحان من يبارك لهم ويطوي لهم وينشر".

(طبقات الشافعية الكبرى: ٢/ ٢٤٢-٢٤٣)


قلت: وما ضر هذا العلم العالم؛ أن قذفه غلام بحجر، أو تناوله فدم بحبر؛ فنرجو أن يكون ذلك، من الحسنات الجارية، والمنازل العالية.


ما يضر البحر أمسى زاخراً *** أن رمى فيه غلام بحجر!


ومن أنت أيها المتطاول الوالغ، الشاذ عن الجمهرة والجمهور؟!

أما آن لك أن تسكت، وإن لم تقدر، فكمم فاك، حتى لا تصاب بصاب!


ويكفيك نقصاً، وقلة توفيق؛ تناولك للأعلام، ونيلك من أعراضهم، ونبزك مقاماتهم، و(لحوم العلماء؛ مسمومة) وهي بلية ابتلينا بها من النقصة، وجاءتنا من القصصة -عياذاً بالله- منهم، ومن صنيعهم:


من تزيّى بغير ما هو فيه *** فضحته شواهد الامتحان

وجرى في العلوم جري سكيت *** خلفته الجياد يوم الرهان


والخطأ، وارد على الكل، وصادر من الجميع:

من ذا الذي ترضى سجاياه كلها *** كفى المرء نبلا أن تعد معايبه


ويكفينا، رد الخطأ، وتبيين الصواب، مع حفظ جنابهم، والدعاء لهم، ووكْل سرائرهم إلى عالم الخفيات، ورب البريات.


يقول ابن أبي زيد القيرواني المالكي: "‏‏أيها الرجل المُتجاسر: ارفق في تأملك، وعوّد نفسك أن تظن بها التقصير عن فهم الراسخين من السلف المتقدمين؛ فإن ذلك يثنيك عن الإعجاب بنفسك، والتقصير بسلفك، والله المستعان".

(الذب عن مذهب مالك:٥٠٧/٢)

وفقني الله وإياكم لذكرهم بالجميل، وهو الهادي إلى سواء السبيل.


ما وهب الله لامرىء هبة *** أحسن من عقله ومن أدبهْ

هما جمال الفتى، وإن فقدا *** ففقده للحياة أجمل بهْ! 


وهو القائل -رحمه الله-: "فلو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة؛ لانسدَّ عليه أكثر أبواب الخير"

(الآداب الشرعية: ١/ ٢٦٦)


وأظن، أن القبول وضع لأبي زكريا.. فلا يكاد يخلو بيت من كتابه "الأذكار" أو "الرياض" أو "الأربعين" فضلاً، عن كتب الدرس والتقعيد.


وقد كان لأهل زبيد، فضل محبة ومزيد عناية بتواليفه..

قال مجيزنا سليمان بن محمد الأهدل:

كنَّ نساء زبيد خصوصاً الأهدليَّات يحفظن مسائل المنهاج ويراجعنها، وهن يطحنّ الذرة على الرحى"!

ينظر: (مقدمة تحقيق شرح الأربعين النووية: ١٣) لعلي بن داود العطار، تحقيق محمد العجمي.


وقد تدبج مع ابن مالك في الدرس والأخذ، فتلمذ ابن مالك للنووي في الحديث، وتلمذ النووي لابن مالك في النحو!

وقيل: إن ابن مالك، كان يعني النووي بقوله في الألفية:

          (ورجل من الكرام عندنا)


وفضائله كثيره، وفواضله كبيرة، ومن أراد العل والنهل، أو يرفع عن نفسه الخصاصة؛ فليقرأ هذه التراجم الخاصة:

-تحفة الطالبين في ترجمة الإمام النووي، لتلميذه ابن العطار.

-المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي، للسخاوي.

-المنهاج السوي في ترجمة الإمام النووي، للسيوطي.


وكتب: وليد أبو نعيم

١٤٤٤/٢/١٦


ح.....

(١) ينظر في ضبطه: "المنهج السوي في ضبط اسم "مرى"- جد الإمام النووي"!


ومعنى النباوة والنبوة: ما ارتفع من الأرض، وهو أيضاً: العلم يهتدى به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق