الخميس، 27 يوليو 2023

نبـاوة النـواوي!

 نباوة النواوي!

يحيى بن شرف بن مرا = مرى (١) النووي = (النواوي)، تـ٦٧٦؛ إمام كبير، وجهبذ نحرير، شهر بالورع والزهادة، واشتهر بالعلم والإفادة، وهو لا يحتاج إلى تبيين أو تعيين، فإنه أشهر من نار على علَم.


كان أسمر اللون، كثّ اللحية، رَبْعَة، مَهيباً، قليل الضحك، عديم اللعب، يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم، وفي بحثه مع الفقهاء تعلوه السكينة.


أراد أن يتعلم المنطق، فأظلم قلبه، فتركه!


كان يقرأ كل يوم، اثني عشر درساً، على مشايخه؛ شرحاً وتصحيحا.


قال ياسين المراكشي: "رأيت النووي وهو ابن عشر سنين، والصبيان يكرهونه على اللعب معهم وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، فوقع في قلبي محبته"

(المنهل العذب الروي: ٥٢)


رزقه الله حسن التصنيف، فما أجمل تواليفه وأرصنها وأتقنها وأحكمها وأسمقها وأنسقها، وقد سارت بها الركبان، وطُوف بها البلدان.


قال العلائي: "ولا أعلم أحداً من المتأخرين ومَن قبلهم، نفع الله بتصانيفه، كما نفع بتصانيف الشيخ أبي زكريا يحيى هذا، تغمده الله برحمته، وشهرته تغني عن الإشارة إلى أوصافه"

(إثارة الفوائد: ٤٣٧)


قلت: وما ذاك -والله أعلم- إلا إخلاص يحيى، وصحة نيته، وصلاح سره، وصالح سريرته.


قال الإسنوي: "ووقوع هذا للشيخ محيي الدين النووي أكثر؛ وذلك أنه لما تأهل للنظر والتحصيل، رأى من المسارعة إلى الخيرات أن جعل ما يحصله ويقف عليه تصنيفاً، ينتفع به الناظر فيه، فجعل تصنيفه تحصيلاً، وتحصيله تصنيفاً، ولولا ذلك لم يتيسر له من التصانيف ما تيسر، فإنه -رحمه الله- دخل دمشق للاشتغال وهو ابن ثمانية عشرة سنة، ومات ولم يستكمل ستاً وأربعين"!

(المهمات في شرح الروضة: ١/ ٩٩)


فيا ويحك أبا زكريا، لقد تعبتَ في دنياك، وكابدت الدرس، وعالجت التصنيف، ونرجو لك الاستراحة والاسترواح والراحة.


قال السبكي: "وهذا الإمام الرباني الشيخ محيي الدين النووي -رحمه الله- وُزّع عمره على تصانيفه، فوُجد أنه لو كان ينسخها فقط لما كفاها ذلك العمر، فضلاً عن كونه يصنفها، فضلا عما كان يضمّه إليها من أنواع العبادات وغيرها ... فسبحان من يبارك لهم ويطوي لهم وينشر".

(طبقات الشافعية الكبرى: ٢/ ٢٤٢-٢٤٣)


قلت: وما ضر هذا العلم العالم؛ أن قذفه غلام بحجر، أو تناوله فدم بحبر؛ فنرجو أن يكون ذلك، من الحسنات الجارية، والمنازل العالية.


ما يضر البحر أمسى زاخراً *** أن رمى فيه غلام بحجر!


ومن أنت أيها المتطاول الوالغ، الشاذ عن الجمهرة والجمهور؟!

أما آن لك أن تسكت، وإن لم تقدر، فكمم فاك، حتى لا تصاب بصاب!


ويكفيك نقصاً، وقلة توفيق؛ تناولك للأعلام، ونيلك من أعراضهم، ونبزك مقاماتهم، و(لحوم العلماء؛ مسمومة) وهي بلية ابتلينا بها من النقصة، وجاءتنا من القصصة -عياذاً بالله- منهم، ومن صنيعهم:


من تزيّى بغير ما هو فيه *** فضحته شواهد الامتحان

وجرى في العلوم جري سكيت *** خلفته الجياد يوم الرهان


والخطأ، وارد على الكل، وصادر من الجميع:

من ذا الذي ترضى سجاياه كلها *** كفى المرء نبلا أن تعد معايبه


ويكفينا، رد الخطأ، وتبيين الصواب، مع حفظ جنابهم، والدعاء لهم، ووكْل سرائرهم إلى عالم الخفيات، ورب البريات.


يقول ابن أبي زيد القيرواني المالكي: "‏‏أيها الرجل المُتجاسر: ارفق في تأملك، وعوّد نفسك أن تظن بها التقصير عن فهم الراسخين من السلف المتقدمين؛ فإن ذلك يثنيك عن الإعجاب بنفسك، والتقصير بسلفك، والله المستعان".

(الذب عن مذهب مالك:٥٠٧/٢)

وفقني الله وإياكم لذكرهم بالجميل، وهو الهادي إلى سواء السبيل.


ما وهب الله لامرىء هبة *** أحسن من عقله ومن أدبهْ

هما جمال الفتى، وإن فقدا *** ففقده للحياة أجمل بهْ! 


وهو القائل -رحمه الله-: "فلو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة؛ لانسدَّ عليه أكثر أبواب الخير"

(الآداب الشرعية: ١/ ٢٦٦)


وأظن، أن القبول وضع لأبي زكريا.. فلا يكاد يخلو بيت من كتابه "الأذكار" أو "الرياض" أو "الأربعين" فضلاً، عن كتب الدرس والتقعيد.


وقد كان لأهل زبيد، فضل محبة ومزيد عناية بتواليفه..

قال مجيزنا سليمان بن محمد الأهدل:

كنَّ نساء زبيد خصوصاً الأهدليَّات يحفظن مسائل المنهاج ويراجعنها، وهن يطحنّ الذرة على الرحى"!

ينظر: (مقدمة تحقيق شرح الأربعين النووية: ١٣) لعلي بن داود العطار، تحقيق محمد العجمي.


وقد تدبج مع ابن مالك في الدرس والأخذ، فتلمذ ابن مالك للنووي في الحديث، وتلمذ النووي لابن مالك في النحو!

وقيل: إن ابن مالك، كان يعني النووي بقوله في الألفية:

          (ورجل من الكرام عندنا)


وفضائله كثيره، وفواضله كبيرة، ومن أراد العل والنهل، أو يرفع عن نفسه الخصاصة؛ فليقرأ هذه التراجم الخاصة:

-تحفة الطالبين في ترجمة الإمام النووي، لتلميذه ابن العطار.

-المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي، للسخاوي.

-المنهاج السوي في ترجمة الإمام النووي، للسيوطي.


وكتب: وليد أبو نعيم

١٤٤٤/٢/١٦


ح.....

(١) ينظر في ضبطه: "المنهج السوي في ضبط اسم "مرى"- جد الإمام النووي"!


ومعنى النباوة والنبوة: ما ارتفع من الأرض، وهو أيضاً: العلم يهتدى به.

الثلاثاء، 25 يوليو 2023

خلق نادر في أديب الجادر!

 


خلق نادر في أديب الجادر!

لم أكن على علاقة، ولا تواصل، بله ولا تراسل، بيني وبين الأستاذ المحقق الخلوق محمد أديب الجادر، حاشا سماعي عنه كثيراً منذ أمد، وأول عمل رأيته له: "فهارس زاد المعاد" في مكتبة مسجد من مساجد بلدي الحبيب!


ثم رأيته في الفضاء الأزرق، ينشر مناشير لطيفة، أو يعلق تعاليق طفيفة، وأحدس؛ أن رأيته معلقاً على منشور كتبته، ولا أتذكره!


ثم سمعت بوفاته قبيل أيام، وقرأت تآبينه، من أحبابه وأترابه وطلابه؛ فأكبرت فعاله، وأعظمت نباله، وقلت حقاً: لا تعرف فضائل الفاضل حتى يوارى الجنادل!


أنا لا ألوم هذا الذكر الجميل وذاك الجمال، ولكن، أليس الجمع، أولى من الإهمال؟!


الناس لا ينصفون الحي بينهمُ *** حتى إذا ما توارى عنهمُ ندموا!


أقول: وإن خصلة فريدة، وخلة وحيدة، أخذت بمجامعي، واستولت على أحاسيسي، وسيطرت على كياني، وقد أجمع عليها، كل من ترجم له أو أبّنه أو ذكره أو تذكره، (وأوعبهم، الصديق أيمن ذوالغنى) وهي: سلامة الصدر، ولين الجانب، وخفض الجناح!


أحببته جداً .. حزنت عليه كثيراً .. دعوت له .. تمنيت لو صادقته ولو مصادفة؛ لأن هؤلاء نادرون، وصحبتهم مغنم، وصداقتهم مكسب، ولكن، قدر الله غالب "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"


تُرى، هل كنت فعلتُ ذلك، لو لم تكن سيرته كذلك؟!

الجواب: لا، إنما أحببته وأكبرته؛ لهاته الخصلة الأثيرة اليتيمة، في دنيا الزيف والملق، إلا من نزر قليل كأبي وائل -رحمه الله-!


وهي خلة مهم توفرها في دنيا الأصدقاء، وقد ذكر بدر الدين الغزي؛ عن الصديق؛ أن من آداب عشرته؛ "سلامة قلبه للإخوان"

وقال السقطي: "من أجلّ أخلاق الأبرار؛ سلامة الصدر للإخوان والنصيحة لهم"

(آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة: ٢٠)


ولا أحمل الحقد القديم عليهمُ *** وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا


وايم الله، إن هذه الخصلة، قد عزّت حتى أعوزت، فلا تكاد ترى متصفاً بها، ولا تظن أنك ملاق أهلها، إلا لماما شماما!


ولله در محمود، فقد ضرب بسهم وافر في هذا المهيع المليح، على حدة غضبه -كما قيل-، لكنها، غلظة لحظة، فاسمعه يقول: "ثم اعلم بعد ذلك أيضاً.. أني لا أبيت ليلة طاوياً ضلوعي على حفيظة تؤرقني، من إساءة أحد يسيء إليّ متعمداً أو غير متعمد".

(جمهرة مقالاته: ٢/ ١٠٩٥)


وهاتوا لي كأبي فهر؛ فإن سرعة الغضب مع سرعة الفيء وسلامة القلب؛ من صفات الرجال الذين لا يتصفون بحنة ولا يبيتون على حر!


على أنك واجد في حياتك، من يكتم غضبه، ويكظم غيظه، لكن، قلبه يغلي كالمرجل، وصدره يتميز من الغيظ، وود لو بطش بك، وإن سكت، فهو سكوت المتحفز المستوفز، ثم تسمع الفجار، وتشاهد الانفجار!


تتعجب، وقد كان قبل يقسم لك، أنه يحبك ويودك، نعم، ولكنه، حب اللسان، أما قلبه، فقد كان يقدك ويقطك!

اللهم وقاية وكفاية وهداية.


إذا أدْمَتْ قوارِصُكمْ فؤادي *** صبرت على أذاكمْ وانطويتُ

وجئت إليكمُ طَلْقَ المُحَيَّا *** كأني ما سمعت ولا رأيتُ


قال الطرطوشي: "إذا رأيت إنساناً حَقوداً، لا ينسى الهفوات، ويجازي بعد المدة على السقطات، فألحِقْهُ بعالم الجِمال.

والعرب تقول: فلان أحقد من جمَل.

وكما تجتنب قرب الجمل الحقود؛ فاجتنب صحبة الرجل الحقود.

(سراج الملوك: ١١٢)


ومن هنا؛ تعلم ما كان عليه سلفنا الصالح، من تآخ وتواد..

قال سفيان بن دينار: قلت لأبي بشير، -وكان من أصحاب علي-: أخبرني عن أعمال من كان قَبْلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيراً، ويُؤْجَرون كثيراً! قلت: ولم ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم!

(الزهد: ٢/ ٦٠٠) لهناد بن السري.


قال قاسم الجوعي: "أفضل طرق الجنة؛ سلامة الصدر"

(صفة الصفوة: ٢/ ٣٨٩)


وقال مثله الأكفاني.

ينظر: (تاريخ دمشق: ٤٩/ ١٢٣)


وروى أبو داود والترمذي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يُبَلِّغُنِي أحد من أصحابي عن أحد شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر)


قال ابن المَلَك: "وقيل: معناه: أنه -صلى الله عليه وسلم- يتمنى أن يخرج من الدنيا وقلبه راض عن أصحابه من غير حقد على أحد منهم".

(شرح المصابيح: ٦/ ٤٠١)


وإن أردت التحليق في مدارج السلامة، والتعريج في معارج الكرامة؛ فاسمع ما قال ابن العربي، قال: "لا يكون القلب سليماً، إذا كان حقوداً حسوداً معجباً متكبراً، و قد شرط النبي صلى الله عليه و سلم في الإيمان، أن يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه".

(أحكام القرآن: ٣/ ٤٥٩)


بل إن سلامة الصدر؛ من أرجى أعمال المؤمن..

عن محمد بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول من يدخل هذا الباب رجل من أهل الجنة) فدخل عبد الله بن سلام، فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروه بقول النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: فأخبرنا بأوثق عملك في نفسك ترجو به، قال: إني لَضعيف، وإن أوثق ما أرجو به؛ سلامة الصدر، وترك ما لا يعنيني. 



والحق؛ أن الفظاظة والغلاظة، لا تدوم معها صحبة، بل هي منهارة أو على شفا جرف هار..


ولما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة، جمع ولده، و فيهم مَسْلمة، وكان سيدهم، فقال: "ليعرف الصغير منكم حق الكبير، مع سلامة الصدر، و الأخذ بجميل الأمور".

(تاريخ دمشق: ٦٣/ ١٧١)



ويكفي عن كل ما سبق؛ قوله تعالى: "يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم"


فواهاً واها، لذوي الخلق الرفيع، وهنيئاً هنيئا لأولي الأدب البديع؛ إنهم اغتنموا حياتهم في الراحة والانشراح، ونالوا جزاهم -بإذن الله- في جنة ورواح.

ونسأل الله تعالى؛ أن يجعلنا ممن تشيا بهاته الشيات، وتزيا بهذه الصفات، والله ولي الهداية والتوفيق.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٥/١/٧



الجمعة، 7 يوليو 2023

تبيينٌ عن شططٍ مبير في حق الإمام ابن الأمير!

 تبيينٌ عن شططٍ مبير في حق الإمام ابن الأمير!

قرأت مقالاً، بعنوان (نقض طعونات الصنعاني في الصحابي الجليل النعمان بن بشير) للكاتب عبد الله بن فهد الخليفي.. فوجدته مقالاً موتوراً، لعل صاحبه كتبه تحت وطأة تأثير ما؛ إذ يبدو وكأن بينه وبين الإمام وحر وتِرَة، فلم ينصف سواده، الإمامَ الصنعاني؛ حيث وصمه، بالخاسر الموتور، صاحب الوقيعة الفاجرة!


ونفى عنه الإمامة، وخلعه وخلع عنه السلفية، وتعجب من الشيخ الراجحي؛ إذ قال عنه: "سلفي العقيدة" وتعجب من احتفاء الناس برسائله، وإسباغ ألقاب المدح العظيم عليه!

 إلى غيرها من تيك البوائق والفوارق، والبواقع والفواقع!


وتهجم تهجماً عنيداً عنيفاً، على تلاميذ ابن الأمير، وتعجب من  محقق بعض رسائل الصنعاني- خالد بن محمد بن عثمان المصري، وصفه تلاميذه، بأنهم صاورا "علماء نبلاء"! قلت: وهذا وصف الشوكاني، لهم، حيث قال في (بدره: ٢/ ١٣٩): "وله تلامذة نبلاء علماء مجتهدون".

ولعمري، إنهم أهل علم ونبل، وفهم وفضل، على رغم الجاحد الحاسد.

ومن مات في غيظه *** فإني عندي له كفنُ


ثم سحبهم إلى لازمه، أنهم: "رافضة يقعون في الصحابة، وجهمية في باب الصفات، وقدرية في باب القدر، ولهم ضلال بعيد في باب الفقه، هذا إن سلموا من الشرك في توحيد العبادة، هذا مع التعظيم لأئمتهم بالضلال"!


كل هاته الأوصاف الكبار الكبّار؛ بناء على قوله: (مع أن كثيراً منهم، إن لم يكونوا كلهم.. مترَجمون في أعلام الزيدية، والزيدية المتأخرون رافضة)!


هكذا بجرة قلم، فسّق وجرم وكفر وشرك، ولو نظر إلى تراجم بعضهم؛ لاستحى مما فاهه، واستغفر الله مما قاله، ولكنه، التجاوز والتطاول، واقتحام الأعراض، وتقحم الوعر!

اللهم صوناً.


ومن شاء أن يعرف أحوال طلابه، وبروزهم في العلم، وعلو رتبهم، وبسوق مرتبتهم.. فقد ترجم لبعضهم الإمام الشوكاني، في (بدره الطالع) فلينظره المطالع!


وأسفت حقيقة، لهذا الوصول الحائف- الذي لم يأت فيه ببينة مبينة، سوى التجييش والتهويش!


وإني لا أريد هنا.. أن أثبت إمامة الصنعاني، أو أثبّت سلفيته.. فقد شهد له أئمة عصره ومن بعدهم، أمثال: العلامة الشوكاني، والقنوجي، والألوسي، وسليمان بن سحمان وابن مانع ونحوهم من أهل العلم والإنصاف.


قال الألوسي: "محمد بن إسماعيل الأمير.. مجدد القرن، ومجتهد ذلك العصر، وكان من أكابر أهل السنة".


وقال: "وممن قيّضه الله لدرء مفاسد هذا المذهب، محمد بن إسماعيل الأمير، وكان من أكابر أهل السنة، ولم يألُ جهداً في الرد على الزيدية وهدم أركان مذهبهم أصولاً وفروعاً".

(المسك الأذفر) نقلاً عن مقدمة (التنوير)


وقال الشيخ عثمان بن بشر: "فريد عصره في قطره، عالم صنعاء وأديبها.. الشيخ المحقق محمد بن إسماعيل -رحمه الله تعالى- وكان ذا معرفة في العلوم الأصلية والفرعية، صنف عدة كتب في الرد على المشركين المعتقدين في الأشجار والأحجار والرد على أهل وحدة الوجود وغير ذلك من الكتب النافعة".

(عنوان المجد: ١/ ٥٣)


وقد وصفه العلامة سليمان بن سحمان، كما في كتابه (تبرئة الشيخين من تزوير أهل الكذب والمين: ٨٢)" بـ"علوه قدره" و"عظم فضله وإمامته، و"تمام رغبته في اتباع السنّة وذم البدع وأهلها"!

وهو على اطلاع بسيرته ومسيرته!


وقد أثنى عليه، الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع، قائلا: "والمصنف -رحمه الله- من أئمة التوحيد".

كما في مقدمة "ديوان الصنعاني".


وقال الشيخ عبد الله الغنيمان، في تقريظه، لتحقيق كتاب (التنوير شرح الجامع الصغير: ١/ ١٣): "فإن محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني.. من العلماء المشاهير في اليمن وغيره، وقد انتشرت مؤلفاته أو كثير منها، فانتفع بها خلق كثير؛ حيث إنه فيها حريص على التقيد بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واطراح الآراء المخالفة للكتاب والسنة، ونبذ تقاليد الأسلاف والآباء، وبذل النصح للمسلمين، وتحذيرهم عن الشرك، ومخالفة كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما عليه صحابته رضي الله عنهم، كما في كتابه: "تطهير الاعتقاد"، وكتابه: "إيقاظ الفكرة" و"إرشاد النقاد إلى تيسر الاجتهاد" وغيرها من كتبه الكثيرة وقصائده التي يدعو فيها إلى مجانبة البدع، والتعلق بالقبور والمعظمين من العباد، واتباع الأهواء والتقاليد التي سار عليها كثير من الناس".


قلت: وقد ظل إمامنا الصنعاني.. سلفياً أثرياً حتى لقي ربه، وما جرى له من أخطاء وأغلاط.. فليس فيها بأوحد، فالعصمة عن الجميع بمعزل، ثم هو عائد إلى البيئة والنشأة.


وهاهو يقول -رحمه الله-: "وهذه القاعدة -يعني تقديم الجرح على التعديل- لو أخذت كلية.. لم يبق لنا عدل إلا الرسل، فإنه ما سلم فاضل من طعن- لا من الخلفاء الراشدين، وأحد من أئمة الدين".

(إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد: ١١٢)


وهذا بيانه وتبيانه.. عن منهجه ومختاره، فيما يذهب إليه، ويدين به.

يقول -رحمه الله-: "اعلم أن المختار عندي، والذي أذهب إليه وأدين به في هذه الأبحاث ونحوها.. هو ما درج عليه سلف الأمة، ولزموه من اتباع السنة، والبعد عن الابتداع والخوض فيها، إلا لردها على لزوم مناهج الأنبياء، وكيف ترد الأقوى إلى الأضعف"؟!

نقلاً عن مقدمة (التنوير)



أما قول الخليفي.. أنه طعن في النعمان بن بشير رضي الله عنه؛ فلم أر طعناً مباشراً، سوى تكلمه عن مسألة طول الصحبة، وهي مسألة قال بها قوم، على أن الراجح -وهو قول الجمهور- خلاف قولهم، كما في (البحر المحيط: ٤/ ٣٠٢) و(إرشاد الفحول: ٢٦٣)


على أن للصنعاني -غفر الله له- ما لا يرضى ولا يرتضى، من كلامه، في بعض الصحابة رضي الله عنهم، وقد بيّن العلماء زلله وعواره، دون إخراجه من أهل السنة والجماعة؛ لشبهة أو تأويل.


على أنه يحتاج إلى معرفة التاريخ، في بعض كلامه، وينظر لعله مدسوس عليه، كما دس على الشوكاني وغيره.


وإن ثبت ما فاهه؛ فيرد طعنه وغلطه، مع الاعتذار له بالتأويل أو اللبس.


وكذا القول في النسبة إليه، قصيدة في سب معاوية رضي الله عنه.. ولا أعلم من ذكرها سوى البسام، فلا بد من التبين والتبيين.


أقول هذا؛ لأن الأصل: حمل الرجل على الأصل والسلامة حتى يثبت خروجه عن هذا الأصل إلى سواه، واتخاذه ديناً له، يرد عنه ويصدر، أما خطأ واثنان وعشرة.. فهذا لا يعتبر منهجاً للرجل!


قال الشيخ عبد الله الغنيمان: "وقد عرض علي -محقق التنوير، الدكتور محمد إسحاق محمد إبراهيم- ما وجده للصنعاني -رحمه الله- في كتابه هذا -التنوير شرح الجامع الصغير- مما يخالف الحق ومعتقد أهل السنة- ... وعلى كل، لا تؤثّر هذه الدعوى الباطلة على الاستفادة من الكتاب، وقلّ من العلماء من يسلم من العثرات والزلات، وإذا كان الخطأ واضحاً فالأمر أيسر وأسهل، فالكتاب فيه فائدة كبيرة، ولكن ما وقع فيه الصنعاني -رحمه الله- وغيره، يدل على آيات الله وقدرته، وأن العبد مهما أوتي من العلم والذكاء، فإنه لا يستطيع أن يهتدي إلا إذا هداه الله تعالى".

مقدمة (التنوير: ١/ ١٦)



وينظر رد الدكتور أحمد العليمي، في رده على تهم الدكتور خليل إبراهيم ملا خاطر، للعلامة الصنعاني- بالتشيع.. فقد أجاد وأفاد، فجزاه الله خيراً.


ويسجل لنا ديوان الصنعاني رسالة أرسلها إلى أحد تلامذته، وهو العلامة أحمد بن محمد قاطن، في شأن الرجل الذي دخل صنعاء، وكان من العجم، فسب الصحابة، ونال منهم، وحزن الصنعاني لذلك، وكتب رسالة إلى تلميذه المذكور، ومما جاء فيها: "فاقرة في الدين، قاصمة لظهور المتقين، ومصيبة في الإسلام، لم يطمع في وقوعها إبليس اللعين، ومكيدة في الإسلام أسست بآراء جماعة من الأفدام، وهي ظهور الرفض وسب العشرة المشهود لهم بالجنة على لسان رسوله الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى آله الطاهرين، حاشا علياً أمير المؤمنين، فإنه مصان عن ألسن الطاعنين".

إلى آخر تلك الرسالة السلفية، التي تقطر غيرة ويقظة، كما في (ديوان الصنعاني: ٤٦٨)


قلت: ومعاذ الله.. أن نرضى كلمة سب أو نقص أو نيل لأحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم بالمحل الأعلى، والمكان الأولى، وفضائلهم لا تخفى إلا على مطموس الفطرة والحس، ناهيك عن تنكبه مهيع الشرع والعقل، فاللهم سلّم.


وأما ثناؤه على المعتزلة، أو ما وافق فيه المعتزلة.. فربما وافقهم في بعض آرائهم..

كيف، وقد ردّ على المعتزلة والأشاعرة، فكيف ننسبه إلى قوم بدّعهم؟!

قال -رحمه الله-: "إنما قدّمت هذا؛ لئلا يظن الناظر.. أني أذهب إلى قول فريق من الفريقين: المعتزلة، والأشاعرة، فإن الكل قد ابتدعوا في هذا الفن الذي خاضوا فيه".

(ثمرات النظر: ٥٣ - ٥٦)


وقال الدكتور محمد إسحاق محمد إبراهيم: "نجد الصنعاني يثني كثيراً على ابن تيمية وابن القيم، كما يدافع عنهما كثيراً".

مقدمة تحقيقه لكتاب (التنوير: ١/ ٨٧)


وقال: "وبعد: فها هي نماذج من الأصول والقواعد وغيرها التي التزمها الصنعاني، ودعا إليها وسار عليها من خلال ما سطره في أكثر كتبه، فأين نضع الرجل بعد ذلك؟

لا يمكن أن يكون إلا من أهل السنة والجماعة الذين كانوا على عقيدة السلف وساروا عليها، وجاهدوا فيها، وحوربوا من أجل التمسك بها، في عصر لا يعرف إلا الجهل والخرافة".

مقدمة تحقيقه لكتاب (التنوير: ١/ ٨٧)


وقال: "خلاصة القول: وعلى العموم، فإن الصنعاني -مع هذه الزلات التي ربما كانت في فترة سابقة من حياته-؛ فإنه يترضى عن جميع الصحابة، ويقدّم أبا بكر وعمر ويترضى عنهم، إضافة إلى أنه يرى ترتيب الخلفاء الأربعة.. فقد قال تحت حديث (رقم: ٢٨٥٣) "وفيه: (ألا أخبركم بأفضل الملائكة ... وأفضل النساء مريم بنت عمران) قال التفتازاني: أفضل الأمة بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم، الخلفاء الأربعة، ورتبهم على ترتيب الخلافة".


وقال: "ولا يمكن نسبته إلى الغلو في التشيع، ولا إلى انحيازه إلى الاعتزال، لهنات قليلة صدرت عنه في مواضع قليلة نادرة، ولعل هذا ما استقر في قلبه قديماً قبل أن يتوسع أفقه، وتتسع مداركه؛ لأنه صدر عنه ما يدل على اعتداله وإنصافه، كما قال تحت حديث: (المرء مع من أحب): ثم ليعلم: أن المراد بالحب، المأذون فيه شرعاً، فمن أحب عيسى عليه السلام وجعله لله ولداً، فما أحبه، ولا هو معه، وكذلك من أحب علياً عليه السلام، حب الغلاة".


وقال الباحث نعمان بن محمد شريان، في رسالته: (ابن الأمير الصنعاني ومنهجه في الاعتقاد: ٧٢١- ٧٢٧) -التي نوقشت عام ١٤١٧، في كلية أصول الدين بجامعة الإمام، بعد أن ناقشه في بعض مسائل الصحابة-: "وعلى العموم، فإن ابن الأمير مع هذه الهفوات التي ربما كانت في فترة سابقة من حياته.. فإنه يترضى عن جميع الصحابة، وأن الغالب على أهل ذلك العصر الصدق، ويقدم أبا بكر وعمر ويترضى عنهم، ولا يمكن نسبته إلى التشيع، ولا إلى الاعتزال لكلام قليل في مواضع قليلة نادرة، نسأل الله له العفو والعافية".


قلت: وذكر بعضهم: أنه تراجع عن مدحه للإمام النجدي.. والصحيح؛ أن هذا التراجع، ملبس ومدلس، من أحد أبنائه أو أحفاده أو أعدائه.. كما أثبت ذلك العلامة سليمان بن سحمان في رسالة برأسها.


وإن ثبت، فأقول: إنه تراجع عن القصيدة، ولم يتراجع عن العقيدة؛ لأن كتابه الفذ "تطهير الاعتقاد" خير شاهد ودليل، على صفاء توحيده، ونقاء عقيدته، بل إنه تشدد في مواضع، أكثر من الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي، وليراجعها من أراد، فإنها على طرف الثمام.


وقد استغرب الخليفي.. إقبال الناس على كتب الصنعاني واهتمامهم بها.. وما علم المسكين، أن القبول من الله سبحانه وتعالى، لا يعرف التعصب البغيض، ولا القبلية الجاهلية!


وكتب الصنعاني.. قد سارت مسير الشمس في أنحاء المعمورة، ومنها: بلاد الحرمين، بل إنها تدرس في بعض جامعات العالم.

وما أنت بمغط ضوء الشمس.


وهذه كتبه.. فهلم إلى نخلها وفليها وفتشها ونكشها ونبشها، وبيّن الباطل والزيف والبهرج، أما مصادرة فضله وعلمه وعقيدته، بنقل أو نقول.. فهذا دليل سوء، وآية خذلان، وسلم حرمان.


وقد ذكرني الخليفي.. بتخريج بعض الطعنة، للعلامة مجمد جمال الدين القاسمي، من السلفية؛ بحجة ثنائه على المعتزلة والجهمية ومدحه لبعض المترفضة، ونحوها من الطعون المدخولة، التي بينت زيفها، في مقالي "تحرير في سلفية جمال الدين القاسمي"


فلنربأ بأنفسنا عن سلوك سبيل الغامطين لفضل غيرهم، والإغاظة على من سواهم، والتغاضي عن أنفسهم وعمن يحبون.


هذه نبشة من طرف الفكر، ونبسة من ذلق اللسان، أرجو أن يكون فيها رفعاً لحق، ووضعاً لباطل "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".



وينظر في ترجمة هذا الإمام، ونواحي الحياة والفكر والمعتقد والتربية، لديه، ما يلي:

-"مصلح اليمن محمد بن إسماعيل الصنعاني" للعلامة إسماعيل الأكوع.


-"مصلح اليمن محمد بن إسماعيل الأمير، دراسة حياته وآثاره" دراسة الأديب عبد الرحمن طيب بعكر.


-"تصحيحات وتعليقات على سبل السلام، للعلامة عبد الرحمن المعلمي، -ضمن "آثار المعلمي"


-"الصنعاني وكتابه توضيح الأفكار" للدكتور أحمد العليمي.


-"مسائل الاعتقاد عند الأمير الصنعاني" للدكتور عبد الله المطيري.


-"ابن الأمير الصنعاني ومنهجه في الاعتقاد" دراسة الباحث نعمان بن محمد بن مسعد شريان.


-"الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، حياته وشعره" دراسة الدكتور أحمد بن حافظ حكمي.


-"ابن الأمير الصنعاني، حياته وفقهه" دراسة علي بن عبد الجبار ياسين السروري.


-"دراسة لكتاب ابن الأمير الصنعاني "إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة"  دراسة وتحقيق الدكتور عبدالله شاكر الجنيدي.


-"دراسة لكتاب ابن الأمير الصنعاني "إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة" بحث مكمل لنيل درجة الماجستير في التربية: تحقيق قاسم بن صالح بن ناجي الريمي.


-"الوجهة السلفية عند ابن الأمير الصنعاني" دراسة الدكتور إبراهيم هلال.


-"ابن الأمير الصنعاني وجهوده في الدعوة والاحتساب" للدكتور حسن بن علي قرشي.



وغيرها من الكتب والبحوث والدراسات والدرجات، حول هذا العلم الإمام، والقرم القمقام.




وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/٨/١١



الثلاثاء، 4 يوليو 2023

وتقوّضت خيام الحج، وعاد الناس من كل فج!

 وتقوّضت خيام الحج، وعاد الناس من كل فج!


بينا نحن في خبوت وخفوت، والخيام ملأى بالمحرمين: الملبين المكبرين الذاكرين الداعين، والشمل مجتمع، والأنس حالّ؛ إذ رأيت الجمع ينقص، والصوت يغض، والإحرام يبدّل، وكل عاد إلى عادته في لباسه وأناسه!


ولما قضينا من منىً كل حاجةٍ *** ومسّح بالأركانِ من هو ماسحُ


وشُدّت على دهمِ المهارى رحالُنا *** ولم ينظر الغادي الذي هو رائحُ


أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا *** وسالت بأعناق المطيِّ الأباطحُ


ولله، ما كان أحسننا، في شرفين، شرف المكان، وشرف الزمان، وحسبك باجتماعهما:

ما كان أحسننا، والشمل مجتمعٌ *** منا المصلي، ومنا القانت القاري!


وهكذا هي الأيام؛ لا تدوم على حال، ولا يقر لها قرار.


بعد تعب ونصب، لكنه مشوب بحلاوة، ومخلوط بطلاوة؛ لأنك ترجو ما عند الله، والدار الآخرة "يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه"


تحس بالإعياء، حتى تكاد يغشى عليك، ولكن يدفعك ادخار الخطى، ويحدوك أمل الوصول، فيغلِب الأمل الألم، وتعود المحنة منحة!


لله، ما أحيلاها من أيام وليال، هدأ فيها البال، وارتاح فيها الحال، في التنقل بين المشاعر، والتنعم بتيك المناظر!


أيها الراكب المجد ابتكارا *** قد قضى من تهامة الأوطارا


إن يكن قلبك الغداة خليا *** ففؤادي بالخيف أمسى معارا


ليس ذا الدهر كان حتما علينا *** كل يومين حجة واعتمارا


وكم هو عظيم وفخيم.. حين تدرك، أنك في أمكنة، خطاها الأنبياء والصالحين، وتفيأ ظلالها الصحابة والتابعين:


بها كعبة الله التي طاف حولها *** عباد هم لله خير عباد


لأقضي فرض الله في حج بيته *** بأصدق إيمان وأطيب زاد


أطوف كما طاف النبيون حوله *** طواف قياد لا طواف عناد


هاهم الحجاج؛ يحزمون الأمتعة، ويعودون إلى الدعة، ويقوضون الخيام، ويطوون لباس الإحرام، ويودعون هذه البقاع، ويفارقون هاتيك التراع، التي تتسع لملايينهم خلال ليال وأيام، ثم تعود قاعاً صفصفاً، خاوية على عروشها، يصفر فيها الطير، ويبني عشه الغراب، وينأى عنها بنو الإنسان!

ولله في خلقه شؤون.


خليلي هل من وقفة والتفاتة *** إلى القبة السوداء من جانب الحجر؟


وهل من أرانا الحج من الخيف عائد *** إلى مثلها أم عدها حجة العمر؟


فالله ما أوفى الثلاث على منى *** لأهل الهوى لو لم تحن ليلة النفر



ثم إني رأيتهم يغادرون.. فرحين مستبشرين، وحُق لهم ذلك، فإنهم -بإذنه تعالى- قد نالوا أجر حجهم، ونفضوا عنهم غبار الذنوب، وعادوا خفيفي الحِمل، مليئي الوفاض.


وهم مع ذلك؛ سيقابلون أهليهم وأولادهم، وهي فرحة عظيمة، لا يقدرها إلا من فقدها -أعوذ به تعالى من مرارة الفقد-.


وإني لأستهدي الرياح سلامكم *** إذا ما نسيم من بلادكم هبّا


وأسألها حمل السلام إليكم *** لتعلم أني لا أزال بكم صبّا


وحالي كما قال ابن زيدون؛ متذكراً بلده ‎قرطبة، وقد وافاه ‎عيد الأضحى، وكان في ضيافة بني عباد الملوك:


خليلي لا فِطر يَسر ولا أضحى *** فما حال من أمسى مشوقاً كما أضحى؟!


وها هو يتمثل بها أبو نعيم؛ متذكراً أهله، وقد وافاه عيد الأضحى، وهو في ضيافة الملك.


وإلى لقاء قريب مع الحبيب، بإذن المجيب.


وكتب: الحاج وليد أبو نعيم. 

يوم القر الثاني ١٤٤٠.


الاثنين، 3 يوليو 2023

أرِضَـتْ أرضـنا!

 أرِضَـتْ أرضـنا!

بينا نحن في لفح ونفح، ونفخ ونضخ؛ إذ أذن الرحيم، بسُحب السماء؛ أن تسكب وشلاً قليلاً، "وما ننزله إلا بقدر معلوم" لكنه، أروى الأرض الظامئة، التي كانت "خاشعة" فـ"اهتزت وربت" وبردت بعد لهب وتعب!


وقد رتب العرب تسمية المطر على شدته واشتداده..

فأول المطر رش وطش، ثم طل ورذاذ، ثم نضح ونضخ، وهو قطر بين قطرين، ثم هطل وتَهتان، ثم وابل وجَوْد.


وأحدس الذي أصابنا.. طل ورذاذ، ولكن، فرح الناس وطربوا، وضحك الأطفال ولعبوا، واطمأنت القلوب بعد قلبها، وارتاحت الأرواح بعد تعبها، وتنفست النفوس بعد لغبها!


فلا إله إلا هو من حكيم عليم، رحيم حليم، عظيم كريم، "وما بكم من نعمة فمن الله"


وقد كانت الغيوم تأتي، ثم تذهب، بل تقطر قطرات متفرقة منتثرة دون إرواء..

وقد قال جعفر: كانت الغيوم تجيء وتذهب، ولا تمطر، فيقول مالك بن دينار رحمه الله: أنتم تستبطئون المطر، وأنا أستبطئ الحجارة؛ إن لم تمطر حجارة، فنحن بخير.

(الزهد: ٥٤٣) للإمام أحمد.


قال أبو نعيم: رحمك الله، أبا يحيى.. إذا كان هذا في زمنك الطيب، فكيف بزمننا الخيب؟!

اللهم عوناً وصوناً.


وجاءت كلمة (المطر) في القرآن الكريم، على معنيين:

١- المطر بمعنى الحجارة، كقوله تعالى: "وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً" (الشعراء: ١٧٣) يعني حجارة.

٢- المطر يعني الغيث، كقوله تعالى: "أذى مِنْ مَطَر" (النساء: ١٠٢)


إذا ما تجدد فصل الربيع *** تجدد للقلب فضل الرجاءِ


عسى الحال يصلح بعد الذنوبِ *** كما الأرض تهتز بعد الشتاءِ


"إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين"


وكتب: وليد أبو نعيم

١٤٤٤/١٢/١٤