الأربعاء، 21 سبتمبر 2022

تحرّق الأنفس من رثاء الأندلس!

 تحرّق الأنفس من رثاء الأندلس!


هذه قصيدة فذة فردة، في رثاء الأندلس "الفردوس المفقود"، للشيخ أبي البقاء الرندي الأندلسي.


وهي قصيدة مبكية مشجية، مدمية محمية، مدمعة مجدعة، تصوّر حال أهل الأندلس حين سقوطها، على يد الصليبية الحمقاء الهمجاء العوجاء الشوهاء.


وكيف أذيقوا الويلات والنكبات على يد النصارى الصليبيين الإرهابيين، الذين يتشدقون زوراً وميناً بـ (حقوق الإنسان)!

ولعمر الحق، إنه عقوق للمسلم، بل زهوق لروحه.


وقد سمعت الشيخ ابن باز، ينشج نشجاً عندما سمعها بصوت أحد الإخوة.


وكم تثور الغَيرة في نفوس الغيورين حين سماعها .. وكم يتفطر القلب حين قراءتها.. ولكنها، تجعل العقلاء، يعودون إلى ربهم، ويتبعون سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويحذروا الذنوب والمعاصي؛ فإنها مَهلكة مُهلكة.


واليوم، تذهب بلاد المسلمين وتسلب، والخطب جلل.. فأين الحماة الكماة؟!

اتركوا الفلل، واتجهوا نحو القلل!


وكيف لا يغار المسلم، وهو يسمع عرضاً انتهك، وروحاً أُزهقت، وأطفالاً يتموا، ونساء رمّلن، وبلاد سلبن؟!


أعاد الله الأندلس إلى حَضارتنا الإنسانية، وخلصها من حضيرتهم الحيوانية.


وهذه القصيدة مكتوبة مضبوطة لمن أرادها، دون عناء:


رثــــاء الأنـــدلـس


لـكل شـيءٍ إذا مـا تـم نقصانُ *** فـلا يُـغرُّ بـطيب العيش إنسانُ


هـي الأمـورُ كـما شاهدتها دُولٌ *** مَـن سَـرَّهُ زَمـنٌ ساءَتهُ أزمانُ


وهـذه الـدار لا تُـبقي على أحد *** ولا يـدوم عـلى حـالٍ لها شانُ


يُـمزّق الـدهر حـتماً كل سابغةٍ *** إذا نـبت مـشْرفيّاتٌ وخُـرصانُ


ويـنتضي كـلّ سيف للفناء ولوْ *** كـان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدانُ


أيـن الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ *** وأيـن مـنهم أكـاليلٌ وتيجانُ؟


وأيـن مـا شـاده شـدَّادُ في إرمٍ *** وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ؟


وأيـن مـا حازه قارون من ذهب *** وأيـن عـادٌ وشـدادٌ وقحطانُ؟


أتـى عـلى الـكُل أمر لا مَرد له *** حـتى قَـضَوا فكأن القوم ما كانوا


وصـار ما كان من مُلك ومن مَلِكٍ *** كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ


دارَ الـزّمانُ عـلى (دارا) وقاتِلِه *** وأما كـسـرى فـما آواه إيـوانُ


كـأنما الصَّعب لم يسْهُل له سببُ *** يـوماً ولا مَـلكَ الـدُنيا سُـليمانُ


فـجائعُ الـدهر أنـواعٌ مُـنوَّعةٌ *** ولـلـزمان مـسرّاتٌ وأحـزانُ


ولـلـحوادث سُـلـوان يـسهلها *** ومـا لـما حـلّ بالإسلام سُلوانُ


دهـى الـجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له *** هـوى لـه أُحـدٌ وانـهدّ ثَهلانُ


أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ *** حـتى خَـلت مـنه أقطارٌ وبُلدانُ


فـاسأل (بلنسيةً) ما شأنُ (مُرسيةً) *** وأيـنَ (شـاطبة) أمْ أيـن (جَيّانُ)؟!


وأيـن (قُـرطبة) دار الـعلوم فكم *** مـن عـالمٍ قـد سما فيها له شانُ


وأين (حِمص) وما تحويه من نُزهٍ ***  ونـهرهُا الـعَذبُ فـياضٌ وملآنُ


قـواعدٌ كـنَّ أركـانَ الـبلاد فما *** عـسى الـبقاءُ إذا لـم تبقَ أركانُ


تـبكي الحنيفية البيضاءُ من أسفٍ *** كـما بـكى لـفراق الإلفِ هيمانُ


عـلى ديـار مـن الإسلام خالية *** قـد أقـفرت ولـها بالكفر عُمرانُ


حيث المساجد قد صارت كنائسَ، مـ *** ـا فـيـهنّ إلا نـواقيسٌ وصُـلبانُ


حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ *** حـتى الـمنابرُ ترثي وهي عيدانُ


يـا غـافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ *** إن كـنت فـي سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ


ومـاشياً مـرحاً يـلهيه مـوطنهُ *** أبـعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ؟


تـلك الـمصيبةُ أنـستْ ما تَقدمها *** ومـا لـها معْ طولَ الدهرِ نسيانُ


يـا راكـبين عِتاق الخيلِ ضامرةً *** كـأنها فـي مـجال السبقِ عقبانُ


وحـاملين سـيُوفَ الـهندِ مرهفة *** كـأنها فـي ظـلام الـنقع نيرانُ


وراتـعين وراء الـبحر في دَعةٍ *** لـهم بـأوطانهم عـزٌّ وسـلطانُ


أعـندكم نـبأ مـن أهـل أندلسٍ *** فـقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ؟


كم يستغيث بنا المستضعفون وهم *** قـتلى وأسـرى فما يهتز إنسان؟


مـاذا الـتقاطع في الإسلام بينكمُ *** وأنـتمْ يـا عـبادَ الله إخـوانُ؟


ألا نـفـوسٌ أبيّاتٌ لـها هـممٌ *** أمـا عـلى الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ؟


يـا مـن لـذلةِ قـومٍ بعدَ عزِّهمُ *** أحـال حـالهمُ جـورٌ وطُـغيانُ


بـالأمس كـانوا ملوكاً في منازلهم *** والـيومَ هـم في بلاد الكفر عُبدانُ


فـلو تـراهم حيارى لا دليل لهمْ *** عـليهمُ مـن ثـيابِ الـذلِ ألوانُ


ولـو رأيـتَ بـكاهُم عـندَ بيعهمُ *** لَـهالكَ الأمـرُ واستهوتكَ أحزانُ


يـا رُبَّ أمّ وطـفلٍ حـيلَ بينهما *** كـمـا تـفـرقَ أرواحٌ وأبـدانُ


وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعت *** كـأنـما هي يـاقـوتٌ ومـرجـانُ


يـقودُها الـعلجُ لـلمكروه مكرهةً *** والـعينُ بـاكية والـقلبُ حيرانُ


لـمثل هـذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ *** إن كـان فـي القلبِ إسلامٌ وإيمانُ

ُ

هل للجهادِ بها من طالبٍ فلقدْ *** تزخرفتْ جنة المأوى لها شانُ


وأشرق الحور والولدان في غرفٍ *** فازت لعمري بهذا الخير شُجعانُ


ثم الصلاة على المختار من مُضرٍ *** ما هبّ ريح الصبا واهتز أغصانُ



قال أبو نعيم: ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أقيس ما مضى على ما أتى.. فلقد تخاذل المسلمون وتقاتلوا، وسلّموا بعضهم بعضاً للأعداء وتواصوا بذلك وتواصلوا.. "أتواصوا به بل هم قوم طاغون"!


وإن أقربهم مجلساً من مجلس الكفر، أحاسنهم مصانعة لهم، ومماكرة بنا!


في كل بلاد مذبح، وفي كل بيت منيح:

والناس في غفلة عما يراد بهم *** كأنهم غنم في بيت جزارِ


إي والله، كأنهم قطيع غنم، بل هم كذلك في أعين أعدائهم، بعد أن كنا أعزة، صرنا أذلة، وما ذاك، إلا بسبب: التخاذل والتقاتل والتعاضل والتصاول والتقاول وهلم جراّ وسحباً من صفات السوء، وسمات الشر.

فلا بلاغ إلا بالله العزيز الحكيم، هو الملاذ والمعاذ.



وكتب: وليد أبو نعيم،،

١٤٣٧/١٢/١٨

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق