عجوز ليست بعاجزة!
خنقتْ التسعين أو ناهزتها أو جاوزتها.. لكنها لم تكن بعجزة عن طاعة الله، ولا عاجزة عن نصح عباد الله!
كانت تتمتع بقلب مفعم بالحياة، ولسان صادق بالإرشاد، ونفس نفيسة في الصفاء!
عاشت حياتها الشاقة، المترعة بالمشاق، في تربية وتهذيب وإعاشة وتشذيب- لأولادها الثلاثة…
لم تألُ جهداً في سبيل راحتهم، ولم تدخر وسعاً في طريق سعادتهم، ولم تخبئ مدخراً في مهيع تعليمهم.. فنشّأتهم على تقوى الله تعالى، وحب العلم، ومصاحبة القرآن، حتى غدوا مغتذين بلبان المعرفة، ومؤتمين سبيل المؤمنين.
أبو الحسن.. أكبرهم سناً، الذي لا زال يصدح بالنداء إلى الصلاة، دون كلل أو ملل!
وأبو صلاح.. الذي لا يفتأ يتلو كتاب ربه صباح مساء، فلم أره قط، إلا وكتاب الله جليسه وأنيسه، مع ما حبي من فتاقة لسان، في التحدث عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأبو عمار.. شيخي وأستاذي، الذي نهلت من معينه، ردحاً من الزمن، وشربت من نميره، برهة من الدهر، فكان لي بمثابة الأب الحدِب!
ذلكم هم الثلاثة الأشقاء الذين طرّقوا الطريق، ودرّبوا الدرب، وسبّلوا السبيل، حتى آتوا أكل ما زرعوا، وأذروا ذرية مباركة، من البنين والبنات!
فهنيئاً لك يا أم علي .. ويا أم سالم .. ويا أم محمد.. هذه الذرية الدرية، والأسرة الفتية.. فإن لك أجر بذرك وزرعك التي تعاهدتيه حتى استوى على سوقه!
رحمك الله أمي الفاضلة.. فقد كنت أمارة بالمعروف، نهاءة عن المنكر، غير هيابة لأحد، ولا أباهة بأحد!
رحمك الله.. جزاء صبرك على بلواك وأذاك، فقد مسك الضر سنوات عديدة، وأنت في صبر ورضا، دون سخط أو عتب، و"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" جعلك الله منهم.
وأنا هنا، لم أرد تعديد فضائلها، فقد أوفاها ووفاها، ابنها البار شيخنا أبو عمار -عمره الله وعمّره- وإنما أردت العزاء والوفاء، لأم عرفتها بالطيّب والطيب.
رحمها الله رحمة الأبرار، وأسكنها جنات تجري تحتها الأنهار.
وأحسن الله عزاء أهلها وذويها، وربط على قلوبهم، وجبر مصابهم.
وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي
١٤٤٣/٨/١٩
بارك الله في علمك وفيك وفي المال والبنين
ردحذف