الأربعاء، 29 سبتمبر 2021

تملّك منزلاً بعد عجزه عن الاستئجار!

 


تملّك منزلاً بعد عجزه عن الاستئجار!


مكتهل معول معيل، كان يزاول أشرف مهنة، ففقد راتبها مع الفاقدين، من أبناء بلدي السليب!


هدده مالك المنزل، بدفع الإيجار أو الخروج، دون مراعاة لحال أو صحة أو إعواز!


ضاقت عليه نفسه، وضاقت عليه الأرض برحبها .. لديه بنيّات -وما أثقل البنات في الحفظ والصون والرعاية والاكتساب!- كيف يصنع؟ ماذا يفعل؟ أين يذهب؟


ذهبت زوجته إلى أختها، واقترضت منها خاتم ذهب، ذهب لبيعه، فلقيه مقدم برنامج، فسأله سؤالاً: كم رمضان، صام النبي صلى الله عليه وسلم؟

أجاب على الفور: فُرض الصيام في السنة الثانية، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم، في السنة الحادية عشرة = صام تسعة رمضانات.


أعطاه عشرين ألف ريال يمني.. مكافأة الإجابة، وهي طريقة فاضلة، إعطاء في شرف!


انبلجت أسارير وجهه، وافترّت أسنانه عن بسمة مخنوقة، ولهج بالدعاء والشكر والحمد.


ثم سأله المقدم عن قصته، وعن سبب بتر قدمه؟

فتأوه، وقال: خليها على الله. فلما أصر عليه، أخبره بأمراضه الكثيرة والكبيرة، وهو يحمد الله ويشكره.


ثم سأله المقدم سؤالاً آخر، وهو: ما هي دعوة ذي النون؟

فقال: دعوة ذي النون، هي دعوة كل مضطر -الأنبياء يعلموا الناس- والله إذا ضاقت، ما أقول إلا: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)


وأضاف: عندي أمنية في نفسي، وأنا دعوت الله عز وجل، وأسأل الله.. أنه ما يحرمنا.. أنا عارف، ربنا رزق العالم، ما يعجز بي أنا!


قال له المقدم: أيش أمنيتك؟

قال: أمنيتي ما حد يقدر لها إلا ربي.. أمنيتي، أن الله عز وجل الذي رزق العالم كلها.. أنه يؤوينا أنا وأولادي ببيت، أعيش فيها أنا وأولادي، لا حد يطردنا منها، وكل شهر يهددنا!


وأضاف: أنا أستاذ، أنا كنت أستاذ، والحمد لله رب العالمين، وهذا ابتلاء من الله.

لم تنته القصة الشريفة..


ذهب كل في حاله.. الرجل إلى بيته وأهله وأولاده، فرحاً مسروراً. والمقدم -جزاه الله خيراً- يسعى في تحقيق أمنية الأستاذ، فكدّ ودأب، حتى استطاع بإذن الله وعونه.. أن يشتري له أرضاً، ثم استطاع أن يبنيها له!

كل هذا بجده واجتهاده، ومعونة أهل الخير، وأحدس أن أكثر المتبرعين، ليسو من الأغنياء، كما هو عهدي ببني قومي.


فلما أطلعوه على البيت، وقابلوه فيها، أخبره المقدم، أن هذا البيت أصبح الآن ملكاً له، ولا يجرؤ أحد أن يخرجه أو يؤذيه!


نظر بدهشة إلى المتحدث، وبكى قائلاً: لا إله إلا الله، يا رب لك الحمد، هذه بيتي أنا؟ عمري، ما حلمت أنّي أمتلك بيت، لكن أملي في الله ما انقطع والله، أملي في الله ما انقطع!

وازداد بكاؤوه، وارتفع نشيجه، وقال: أنا ما أدري كيف أعبّر؟!

أنا رجل مصاب بثلاث جلطات، وعندي بنات أمانة وحِمل، وولد مسكين ما يعرف يشتغل، يستهزؤوا به الناس، ثم قال: المُلك لله، وأسأل الله أن يضاعف أجوركم.


ثم سجد سجدة شكر، أطالها بالدعاء والبكاء والثناء.


ثم أعطاه المقدم، مالاً، وقال له -مداعباً-: تكفي؟

قال: خير وبركة .. خير وبركة.. ثم زاده شيئاً، فردها، وقال مبتسماً: أحسّ بالاكتفاء، الحمد لله رب العالمين، كان هدفي، بيت أستأجره ستة شهور أو سنة أو أي شيء!


قال له المقدم: لكن أنت محتاج، وهذي لك؟

قال: في غيري محتاجين كثير .. في غيري محتاجين كثير، وربنا كريم، والدنيا لله، واحنا رايحين.. إيش بسوي بالفلوس ذي كلها، كلها بتنتهي، أنا كنت أعتبر نفسي فقير أولاً، لكن الآن أعتبر نفسي غني، ولا أحتاج إلى أي شيء.. أحتاج إلى من يقول لي: مبروك يا أستاذ خالد، الله يبارك لك.

فعانقه المقدم، وقال له: مبروك يا أستاذ خالد، الله يبارك لك.


ثم قال الأستاذ: ما أتصور دلحين ردة فعل زوجتي وأولادي، كيف تكون ردة فعلهم، ما أدري إيش بيقولوا.. إحنا آلفين من بيت لبيت، كيف لما نقول لهم: كذا مرة وحدة، ربي رزقنا بيت.


ثم قال له المقدم ممازحاً: باقي معانا حاجة واحدة، بعد ما وفرنا لك البيت بنزوجك، ما رأيك؟

فأجاب: البيت تمام، على عيني وراسي، الحمد لله، جزاكم الله خير، وحفظكم الله، لكن أم أحمد ما برضابهاش (ما أرضى عليها) أم أحمد تحملتنا، وصبرتْ علي، على فقري، وعلى نقلتي من بيت لثاني، وكنت أقول: أبغى بيت، فكانت تقول: يا ابن الحلال، خليها على الله، لا تفكر.

هي الذي تصبرنا في الموضوع.



هذه قصة جرت في أيامنا هذه، في بلدي المكلوم المكتوم المكظوم -شفى الله كَلمه، وكشف كتمه، وأبرأ كظمه- تَحمل في طياتها دروساً وعبراً.

أتركها لفطنة القارئ، وهو على إدراكها بصير، لا تحيج كد ذهن، أو إعمال فكر، "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/٢/٣




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق