الثلاثاء، 9 فبراير 2021

اختيار الألفاظ من دقيقي الألحاظ!

 اختيار الألفاظ من دقيقي الألحاظ!

قرأت كلمة للعلامة المحقق النافع، اللغوي الخريت البارع: عبد العزيز بن الحاج عبد الكريم بن يعقوب بن أباني الميمني الراجكوتي -رحمه الله- يصف نسخة وقف عليها من كتاب (لسان العرب) لابن منظور الإفريقي -رحمه الله- يقول فيها:

"والنسخة المتوفرة من الكتاب؛ تستحق منا، كل إشادة وتقدير، وقد كتبها خطّاط أندلسي، مع كامل المراعاة للصحة.

ومقاس أوراقها، أطول ما يكون، حيث لم أُشاهد أي كتاب آخر، يُضاهي هذا الكتاب: طولاً وعرضاً، فلا تتسع له طاولة، حيث تَستدِلُ أطرافه يميناً ويساراً، وعلى كونه في ٢٠ مجلدات (لعل صوابها: من المجلدات، أو ٢٠ مجلداً) لا تزيد أوراقه عن ١٥٠، ويُحيّرُني، كيف وصل من بداية السّطر إلى نهايته عند الكتابة"؟!

(مجلة المجمع العلمي الهندي: ١١ / ٩٢).


التعليق:

عندما رأيت لفظة (تستدِلُ) في كلام عبد العزيز -رحمه الله-، وهي -كما يوحي سياق الكلام-، بمعنى: ترتخي وتتهدل يمنة ويسرة.


قلت في نفسي: لماذا لم يختر لفظة "انسدل" الذي ربما كانت أكثر وضوحاً، وأبعد عن الاشتباه بالثقيلة؟

وجذرها: سدل، ومضارعها: يسدل وينسدل، ومصدرها: انسدالاً.


والسدل لغة: الارتخاء. واصطلاحا: اسم لِما أرخي وتهدّل، وارتخى وأسبل- من شعر أو إزار، أو لباس أو ستار ونحوه، فهو مُنسدِل.


وبعد تأملات، ثم مراسلات مع بعض أساتذة اللغة في بلدي الناهض -الذين كنت أجتمع معهم، في كوخي العتيق-!.. تبيّن، أن لفظة "تستدل" أبلغ في هذا السياق وأعمق من "تنسدل"؛ لأن "تستدل" ليست مطاوعة، فهي تستدل بنفسها؛ لكبرها وطولها، ولا تحتاج إلى من يسندها أو يساندها.


على خلاف "تنسدل" التي لا تكون مسدلة، إلا بإسدال غيرها لها؛ لأن انسدل مطاوع لسدَل، تقول: سدَلها فانسدلت فهي تنسدل.


أقول: فكأن اختيار عبد العزيز.. كان مقصوداً؛ لهاته الإشارة البلاغية، والنكتة الصرفية؛ إذ أن من طول هذه المخطوطة وكبرها، لا تحتاج إلى من يسدلها، فمجرد وضعها وفتحها، تستدل بنفسها. والله أعلم.


وكتب: وليد أبو نعيم.

١٤٤٠/٦/٣


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق