السبت، 10 أكتوبر 2020

وفي الابتسامة دعوة!

وفي الابتسامة دعوة!

بالأمس، مررت على غلام، أظنه يناهز الاحتلام، وهو يسدر في خيالات، ويفكر في مآلات!
هكذا حدست؛ وذلك من نظرته الحادة والجادة نحوي!

ابتسمت في وجهه، وشافهته بالسلام، مع التلويح إليه بيدي، ومضيت في أربي وغرضي.

قدر القادر سبحانه وتعالى، أن أعود حيث جئت، وأصلي في مسجد قريب من مكان الغلام، وقد نسيته تماماً، ولم يدر في بالي، أو يدور في خيالي!

خرجت من المسجد، وإذا بغلام يقابلني، مبتسماً منتشياً، قائلاً: جزاك الله خيراً على النصيحة!

ابتسمت له، وحدقت فيه مستعجباً مستذكراً، فإذا به يزيد الابتسام والاحترام!

استحييت أن أحرجه، بعدم معرفتي له، فأطلت النظر والانبلاج، حتى تذكرته بعد عي ولأي، فإذا هو صاحبي السادر!، زدته ابتساما، ودعوت له اهتماما.

غادرته، فرحاً مرحاً، طرباً سرباً، وقلت لنفسي وفي نفسي: إذا عجزنا عن دعوة الناس بالكلام، فلمَ لا ندعوهم بالابتسام؟!

حقاً، إن فئاماً، من الدعاة -حسباً وزعماً- يعجزون عن حسن الكلمة، بل حتى عن البسمة!

ترى بعضهم، وقد قطب جبينه، وثنى عطفه، وصعر خده، وكأن من أمامه، لا يساويه أو يوازيه!

قال الشاعر:
فيمَ التكبر.. حتى السماء على علياء رفعتها *** تلاطف الأرض عند الجدْب بالمطرِ!

يقول الحافظ الذهبي: "أشر الكبر، من يتكبر على العباد بعلمه، ويتعاظم في نفسه بفضيلته؛ فإن هذا لم ينفعه علمه!
فإن من طلب العلم للآخرة، كسرَه علمه، وخشع قلبه، واستكانت نفسه، وكان على نفسه بالمرصاد".
(الكبائر: ٧٨)

قال الله تعالى -مخاطباً نبيه محمد عليه الصلاة والسلام-: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك".

ففي الآية: إثبات كمال الخُلق، لأشرف الخَلق، صلى الله عليه وسلم، حيث زكاه ربه، فقال سبحانه: "وإنك لعلى خلق عظيم".

وفيها -أيضاً- دلالة، أن سوء الخلق، منفرة عن العلم والخير والفضل، وفي الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس، إن منكم منفرين) رواه البخاري ومسلم، عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.
وفي نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأبي موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا) رواه البخاري ومسلم، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

فيا أيها الناس، ادعوا الناس بأخلاقكم وأعمالكم، قبل علمكم وحسن هندامكم، واقربوا منهم، وتقربوا إليهم، وازرعوا في قلوبهم الفأل والأمل، مع صلاح العمل، ولا تقنطوهم أو تيئسوهم، فإنكم، عنهم ستسألون، وعن إهمالهم، ستساؤون.

اللهم اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وارزقنا حسن الخلق، والرفق بالخلق، و(سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك).


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.
١٤٤٢/٢/٢٣

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق