الأربعاء، 20 ديسمبر 2023

قراءة ونقد في كتاب: "كنت طبيبة في اليمن"!

 

قراءة ونقد في كتاب: "كنت طبيبة في اليمن"!

كتاب (كنت طبيبة في اليمن) لكلودي فايان.
كتاب تاريخ قاصر لسنة من حكم الأئمة فقط، فكل مافيه يحكي سنة واحدة من حكم الأئمة عاشتها طبيبة نصرانية ملحدة، تصدق وتكذب.
والكتاب أشبه بمذكرات شخصية، ولكن ضمنتها أحداثاٌ وقصصاً وحكايات.
فهو إذن يصور سنة من السنين الطوال التي حكموا فيها اليمن: يحكي أوضاعها، ويقص أخبارها، ويفتري عليها، ويزور تاريخها.

والكتاب رغم صغره إلا أنه انطوى على قصص كثيرة، وحكايات مثيرة، ومبالغات كبيرة.

وعندما قرأت نسختي من الكتاب علقت بتعليقات على مارأيته مخالفاً لشريعتنا، ومجانباً لآدابنا، حتى يكون قارئه بعدي على حذر وانتباه.
ولم أرد أن أكتب عليه نقداً في مقال خاص؛ لخمول الكتاب والكاتبة في نظري، والاشتغال بما سواه أولى وأهم.

ولكني رأيت انبهار البعض بالكتاب، والإعجاب بأسلوبه، وإنصاف كاتبته في بعض المواطن، فصدقوا كل مافيه!

هنا، نصحاً لله، عدت إلى نسختي وتعليقاتي، وقرأت الكتاب ثانية حتى لا أكتب شططاً، أو أخبط خبطاً، أو أقول خلطا.

فأقول:
إن الكتاب فيه صدق وحق، فيماعاناه أهل اليمن في تلك الحقبة من صعوبات ومتاعب، وتحكم بالأمور وتلاعب، واستمراء على الظلم والقمع، والاضطهاد والهمع.

ولكن فيه زور ودلس، وخبث ونجس، ولا يؤخذ منه تاريخ اليمن؛ فكتب التاريخ اليمنية ممتلئة بالأحداث عن ذلك العهد بكل شفافية وإنصاف.
فلنعد إليها.. أم أن عندنا فقراً ثقافياً حتى نستعيره من الغرب الحاقد؟!

وفي تلك الفترة كان الغرب يرسلون جواسيسهم عن طريق أطباء أو غير ذا؛ يكثرون الركض، ويجسّون النبض، وينقلون الأخبار، حتى سهل عليهم الغزو والاستخراب.
ولا يغيب عنا، كذب الغرب الكافر وتزويره.
والمنصفون منهم قليل يعدون عدّاً (وليس بعد الكفر معصية)!

وقد ذكر بعض المؤرخين: أن رحالة بريطانياً زار منطقة في غزة قبل أكثر من مائة عام ووصف أهلها بالكسل، وأنهم ينامون نهاراً، ويسهرون ليلاً.
وأنهم رجموه بالحجارة، وتبين بعد التحقيق أنه زار تلك المنطقة في رمضان والحر شديد مما جعلهم يعملون في الليل!
وأن سبب رجمهم إياه؛ أنهم رأوه مفطرا في رمضان!

وغالب الكتب التي تُدرس في الغرب ومن الغرب عن التاريخ الإسلامي أو الشريعة الإسلامية؛ مزورة وطاعنة، ومتحاملة وواهنة.

وللأسف، انطلت كثيراً من شبهاتهم على بعض المسلمين بل بعض المثقفين منهم، إما جهلاً، أو شراء لذمم بعضهم!


فلذلك؛ كان فيه طامات، وتهم وأكذوبات، وتطاول على رب الأرض والسموات!
وفيه نوع ابتذال في الألفاظ، وإغراءات في الغرام، وإيحاءات في الجنس.

وقد أنصف بعضهم الإسلام والمسلمين، كـ (حضارة العرب)
وكتاب (شمس العرب تسطع على الغرب)
وكتابات المستشرق المسلم: محمد أسد.
مع التنبه إلى بعض مافيها من لوثات عالقة.

وقد وقفت مع الكتاب أربع وقفات:

الأولى: كلامها عن الله تعالى:

-في الكتاب خطر عظيم على الفكر المسلم تجاه ربه سبحانه، فهي تثبت للناس الإيمان بالماديات وأن الله قوة لا تجدي! -أستغفر الله-.
ثم هكذا تقول: أن الطبيب عندما سافر، لجأ الناس لله، وكأنهم قبل لم يكونوا يعلمون هذا!

-ثم ذكرت أن ذاك كان يقرأ القرآن على مرضاه حين العجز عن الدواء.. وتنتهي هذه القصة الماكرة بموت فاطمة والطفل ووو وذلك لأن العناية الإلهية تخلت عنهم، ولم يعد ينفع القرآن، بل الدواء هو الأول والآخر!

-وتقول: ولد الطفل، وصحت الأم، وسعد الناس جميعاً.
وللمرة الأولى لم أعد أسمعهم يتحدثون عن الله، فالجرّاح إنسان، والذين صنعوا الطائرة رجال!

وهذا مزلق خطر في باب الإيمان بالله والثقة بالله، فمع إيماننا بوجود سبب ومسبب، لكن يبقى في الأول والأخير هو الله مسبب الأسباب المدبر أمر عبيده: "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" فلولاه لما نجحت عملية، ولا تحركت طائرة، فهي أمور تمشي وفق إرادة الله لا أن نجعل لها القدرة الكاملة!

وإلا، كيف عاش الأولون الذين لا يعرفون من هذه العقاقير سوى أمصال ورقى، وأمراضهم أقل من أمراض زماننا المستعصية؟!
اللهم لطفاً.

-وهي لا تعترف بخالقها، بل خالقها هو المسيح!
تحكي أن حب المسيح هو المخلص لها مما تجد؛ لأنه يحب كل مخلوقاته، ويوفر لهم مايحتاجونه "تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا"


-وهي تسيئ الأدب غاية إلى ربها سبحانه وتعالى، ولا تعترف به، وتصفه بالمؤثر، في كلمات صاخبة ملحدة ملمحاً لها دون ذكر!
وفي هذا تأثير على القارئ بدون شك.

-وتقول:
(وعدت إلى المنزل.. وأنا أشعر بالخجل والعار.. ألأني قد آمنت لحظة بوجود إله؟ أم لأني لم أسجد له في الحال؟ وحتى اليوم لست أستطيع جواباً)!

فما بال قومي لا يعبهون لذلك، أم هم يعمهون عما هنالك؟
أم أنهم في مأمنٍ مما يقرؤون على عقولهم من الانحراف، وعلى أفكارهم من الانجراف؟!

ولا أظن قائلا يقول هذا؛ (فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)

والإنسان أسير مايقرأ، شاء أم أبى! ومانجده من أفكار منحرفة، أو آراء جريئة لدى البعض إلا نتيجة قراءات شاذة، وهم لا يشعرون!
وهذه من أعظم العقوبات أن تبتلى، ولا تدري سبب بلائك! خصوصاً في الدين، فاللهم سلم.

الوقفة الثانية: كلامها عن الجنس:

-في الكتاب جرأة عجيبة، ووقاحة مريبة من امرأة غربية، تعافس الرجال، وتسافر دون محرم، وتخلو بالشباب، بل ويحاول البعض أن ينال منها -كما تزعم-!
بل تزعم أن عامل زبيد أراد الزواج منها، فاعتذرت إليه بأن لديها مهمة في صنعاء، ولم تذكر له أنها متزوجة، وأن الأديان السماوية، والفطر المستوية تمنع المرأة من تزوج رجلين.

وهذا ليس غريباً على كافرة، ولكن فيه تهوين لبناتنا من هذا الجرم والعهر.
فلنكن منه على علم.

-وهي تنشر الفاحشة بذكرها بعض القصص والأماكن التي تتخذ لهذه الرذائل!
وتذكر -كاذبة- بعض الأماكن لهذه الفواحش، ثم تصف إنكلترا بأنها محتشمة لا تسمح لهم بذلك، فيذهبون إلى .... ليقضوا أربهم!!

-وتحكي أن امرأة خانت زوجها، وأنها كبلت بالحديد.
واكتفى الزوج الديوث! أن يجلس بجوارها!
وهذا هراء يدركه المتفحص في تاريخ المسلمين وفي تلك الحقبة على وجه الخصوص.

-وتحكي كذباً: أن الفقراء الذين لا يملكون نفقة الزواج؛ يقضون حياتهم بطريقتهم الخاصة!
وكأنهم لا دين لهم -مثلها- أو أنهم بمعزل عن المراقبة؟!

-وأن عبده -رفيقها ومترجمها- كان ذا مغامرات عاطفية يقضيها مع بعض الفتيات!
أليس في هذا مايشجع على الرذيلة، ويقود إلى الفضيحة؟!

-وهي لا تجد ثغرة إلا وتحاول اتساعها حتى تدخل فيها من يضل بكلامها ووصفها، فقد ذكرت قاع الناصر وقالت: أنه ملتقى للسكارى، وبائعات الهوى!

-وهي كاذبة في قولها: أن هناك مواخر للفساد، واللقاءات الحميمة، وربما الجنسية! أو اتخاذ عشقاء وعشيقات!!

وأنا هنا لا أنكر وجود شيء من ذلك في أي زمان أومكان، ولكن أن يكون على مرأى ومسمع فذاك مالا يصدق خصوصاً في ذلك الزمان الذي لا تعرف هذه الأخباث.

بل قرأت أن الإمام كان يمنعهم من اتخاذ ملاعب الكرة!
أفيسمح لهم بفتح أماكن للدعارة، وبارات للخمور؟!

ثم كيف لامرأة غربية دسيسة وعلى المسلمين جسيسة -كما صرحت- أن عليها أمور النساء، والمهندس أمور الرجال- خاصة وهي قريبة من الأسرة الحاكمة؛ أن تطلع على هذه الأسرار الذي يقام فيها الحد إذا عرف وأقيمت البينات؟!

إن الأمر لا يخلو من هراء وصخب للتشويش على العفيفات اللاتي يتمتعن بعز الإسلام، وشموخ العفة، وماهنّ -بإذن الله- بمخدوعات.

فقد عرفن حياة الغرب، وكيف تعيش الغربية في مهانة وتعاسة، وعهر وانتكاسة.. وهاهي شهادات الغربيات تعترف بالحرية -الحقيقية ليست المزيفة- للمرأة المسلمة، فهي تعيش في ظل رجل يدافع عنها، ويقوم بشؤونها، ويحميها من كل مايضرها في بدنها أو مالها.

إن المسلمة لا تحسد الغربية كما ذكرت كلودي فايان، بل إنها تغمطها وتحقرها، وتنظر إليها بازدراء؛ إذ جعلت جسدها عرضة لكل لامس، إذا كانت شابة طرية، فإذا هرمت تركت وطرحت ورميت!


-وهي تصف المتصفين بالعفة: بحراس الأخلاق المتشددين!


-وتزداد وقاحتها حين أن تفُوه أن التجار يحبون أن يروا أفراد عائلتهم في وضع شفاف!
ولا أدري كيف ينطلي هذا السخف على بعض المثقفين؟!

-وهي تحاول مغرية المرأة المسلمة بوقاحتها قائلة:
(وبسرعة خلعت ملابسي كلها، على الطريقة الفرنسية وقلت لنفسي: فلأتمتع بحمامات الجزيرة العربية)!!!

كيف لقارئ هذا النص أن يحتمل هذه المواقف الفاضحة؟
وكيف للقارئة المهذبة أن تتحمل هذه الجراءة والوقاحة من هذه النصرانية الملحدة؟!


-وتتكلم عن بطولاتها وسهراتها مع المهندس الذي أذابت الشعلة المتقدة معهما كل القيود!!

-إنها تثير الغريزة بحديثها وهي في ملابس نومها، والرجال يدخلون عليها دون استحياء أو استئذان!!

-وأنها كواحدة من نسائهم -ومن حسن حظها، أن لباسها لم يكن شفافاً -كما تزعم- وقد تعرت في ذلك المتنزه عند الأمير مطهر! فماذا يكون هذا إلا تصوير وضع حيواني مزر في ذلك الوقت!

-إنها تكثر بل لا تكاد تذكر شاباً أو أميراً إلا وتصفه بالجمال والحيوية والوسامة!
وهذا يبدو طبعياً في بداية الأمر، ولكن أن يتكرر يأخذ مغزى آخر، وتصويراً ماكرا.
فتذكر أن الأمير ع يفيض حرارة!! وأنه عرف فنادق أوربا، وهاهي اليوم تقع فريسة لهذا الوسيم المظلوم!

كم هو العار والخجل أن ينتشر مثل هذا الكتاب الصاخب الذي يحمل براءة الطب، وفي داخله سموم أفاع فاغرة أفواهها نحو الشرف والفضيلة!

إن ماذكرته لو كان في هذا الوقت، وقت التكنولوجيا والتقنية وماتحمله من تغيير للفطِر، وانحراف للقيم؛ لكان غير مصدقٍ أن يعرض رجل فضلاً عن أمير نساءه عاريات لمهندس أجنبي كافر، وهن فرحات مستبشرات!!

إن الطبيبة نصرانية بل ملحدة، فهي لا تتورع أو تستحي أن تقول كل مايشوه الإسلام..

-ولتدرك معي الزيف والمكر، انظر كيف قطعت هذه القصة الجنسية، والقطعة الغرامية؛ لتدخل مباشرة دون تمهيد إلى تعليم الطفل القرآن والدراسة؛ ليشهد لها  بالصدق والبراءة!

وهكذا بعض المسلمين كثيراً ماينخدع بمثل هذه الأساليب أو يحب أن يكون مخدوعاً ليصبح مخادِعاً!

إن ماذكرَته من أهوال وأحوال وفضائع، وتصوير متعمد مكشوف مخادع، لا يصدَّق وقوعه في قصور الغرب الكافر!!

إن الأمير -على حد زعمها- إذا أراد ذلك، لا يحتاج لكل هذه المحاولات والإغراءات، وعرض التبادل، وكأن الإذن متعلق بالمهندس!
ولكن هكذا هي سموم الغرب، ولا زال البعض بهم مخدوعا!

الوقفة الثالثة: تنبيهات على قضايا عقدية:

-أشارت إلى أن ذاك النائب ذُبحت له عقيرة استرضاء.
والعقيرة التي أشارت إليه، هو مايسمى بالهجَر، وهو ما يكون فصلاً بين المتهاجرين والمتنازعين؛ وهو محرم لما فيه من ذبح لغير الله، وإن زعم أنه لله فإن فيه تعظيماً للمخلوق بصرف هذه العبادة له، أو تخصيصه بها في مكانه.


-وهي تصف الأذان بالصوت العنيد المستبد الصارخ الآمر الموقظ للناس من نومهم!
وفي هذا من القحة مالا يخفى على لبيب!

الوقفة الرابعة: تنبيهات على قضايا اجتماعية واستعمارية:

-تحاول إثبات أن الجامع الكبير مبني على أنقاض كنيسة، وفي هذا تلميح ماكر لأسيادها، بمحاولة الهدم أو إحداث بلبلة، وماهيكل سليمان عنا ببعيد!
وتعيد نفس الكلام في مسجد من مساجد ذمار!

وللفائدة: الجامع الكبير بصنعاء القديمة هو جامع بني في عهد الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، في السنة السادسة للهجرة وهو أحد أقدم المساجد الإسلامية.
أمر بتوسعته الخليفةالأموي الوليد بن عبد الملك والولاة من بعده. وقد عثر علماء الآثار عام ٢٠٠٦م
بإشراف خبيرة الآثار الفرنسية الدكتورة ماري لين على آثار سراديب وآثار لبناء قديم لا زالت تلك الآثار تحت الدراسة، وقد اكتشف كشف أثري مهم قبل ذلك بسنوات أثناء إزالة الجص من الجدران حيث تم كشف أثري مذهل حيث اكتشف اثني عشر مصحفا قديما أحدها كتب بخط الإمام علي وكذلك أربع آلاف مخطوطة عربية نادرة من صدر الإسلام ومراسلات من العهد الأموي وهذه النفائس محفوظة الآن بمكتبة الجامع.
وهناك مايدل أن هذا الجامع بني على أنقاض قصر غمدان السبئي الذي بناه سام بن نوح، أو يعرب بن قحطان.
وجدير بالذكر أن أبواب الجامع الفولاذية ترجع لقصر غمدان وعليها كتابة بخط المسند.
فأين ماتزعم الكاتبة؟!

-وهي تخطئ حين تقول: واليمنيون يحرصون على الراحة كثيراً..
فالذي نعرفه هو عكس ذلك تماماً، بل هم أشد الشعوب نشاطاً، وأحدهم حركة، فتجد الشيخ الهرم وهو يعمل الأعمال الشاقة رغم إثناء أولاده عن ذلك إلا أنه يرفض الاستراحة.

-وهي تصور الرجل المسلم وهو في جبروت وظلم؛ إذ يأكل أولاً بمفرده ثم يترك الفتات لباقي أسرته وزوجاته!

إن هذا زور وكذب، لا يصدقه اليمنيون والمسلمون أجمع، وهو وإن حصل من أفراد فلا يكونون ميزاناً للجماعة.
بل إن المسلم من أحرص الناس على إكرام أهله، وهو الذي يسمع قول رسوله عليه الصلاة والسلام: (استوصوا بالنساء خيرا) وقوله عليه الصلاة والسلام: (اجتمعوا على طعامكم يبارك لكم فيه) ولا يرتقي هذا الفعل لدرجة الإنسانية.
والذي نعلمه هو أن الغربي لا يأكل مع عائلته بل يأكل بمفرده، بل ربما منع ابنته الشابة من الأكل أو المبيت في بيته؛ لتبحث لها عن صديق وعشيق، ولا داعي للإنكار فهي اعترافاتهم.

-وفيه دعوة إلى محاربة الزواج المبكر، بحكاية مبالغات أن تلك الفتاة تلعب ثم يدعوها الأمير لأنها زوجته، وتلك الأخرى: شريفة ترفض وتهرب حين أن يعرض عليها الزواج، بل تسجن ويوضع في رجلها القيد لرفضها الزواج!

وهذه دعوة فجة يدندن حولها رعاة الأمم -زعموا- حفاظاً على البنت وعلى صحتها، وحرصاً على نضجها!
ثم نقرأ تقريراتهم، أن كثيراً ممن فعلن الرذيلة قبل سن العشرين، بل بعضهن دون الخامسة عشرة!

فسبحان الله، محاربة للحلال، ومعاونة على الحرام؟!
وتنطلي هذه الشبه على بعض المسلمين والمسلمات!

والحق، أن البنت متى ماأطاقت الزواج ورغبت؛ تزوج، دون النظر إلى سنها، فقد تطيق وهي صغيرة، وقد لا تطيق وهي كبيرة!

-وهي وإن كانت أنصفت إلى حد ما تعدد الزواج، وزواج الصغيرات وأنه ليس هناك من ضرر في ذلك، ولكن تعود لتهدم ذلك بأنه يؤثر على حياتها العقلية -كما قدّمت لك-.

-وهي تشير بدهاء ومكر أن قدمها خشنة كأي امرأة عاملة شريفة!
وأن أقدام اليمنيات ناعمات كخد الطفل؛ لأنهن غير عاملات؟!!
وبالتالي هن غير شريفات!
ولا عجب، فالداعرة تدعي الشرف، وهي عنه بمعزل!

وهي تناقض نفسها؛ إذ تذكر أن المرأة تحمل التنكة على رأسها، وتذهب إلى حصد الزروع، وتمتهن الخياطة!
فماهذا التناقض المكشوف؟!

وأقول: المرأة والرجل شريكان في معمل الحياة، فليست هي سلعة -كما تزعم الكاتبة- أو آلة تصنيع! وإذا كانت هي آلة تصنيع، فإن العامل المجهَد هو الرجل!
ولا أدري أيكون النقص للعامل أم للآلة المصنِّعة؟!

بل لولا الرجل لما كانت، والعكس لولاها لما كان الرجل "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها"

وكما أنال منها اللذة هي بالمقابل تأخذ لذتها ومتعتها، فليس الرجل هو من يتلذذ بالجماع أو الزواج، بل اللذة مشتركة، قال عليه الصلاة والسلام: (حتى تذوق عسيلتها، وتذوق عسيلتك) والتكنية عن الجماع بالعسل؛ لما فيه من لذة عظيمة، ونشوة فائقة بين الذكر والأنثى.

فلماذا التحقير للمرأة ولمزها بهذا الوسم، وهي مفطورة عليه، وكل امرأة كذلك.
سوى أننا نريدها بالحلال، ولرجل واحد من العالمين، وهم يريدونها كلأً مشاعاً بين الذئاب المفترسة!

وهانحن قد رأينا العاملات والمختلطات بالرجال... فماذا كان؟ لم يتغير شيئ..
درست البنت الطب لتكون طبيبة النساء؛ وإذا بنا نرى العكس، المرأة تطب الرجال والرجال يطبون النساء!
فكان ماذا؟

إنني لا أدعو للتجهيل، لكني لا أزعم أن الجامعة أو المدرسة هي المصدر الرئيس لتعلم الفتاة!

إن المساجد الخاصة بتعليم المرأة، قد فاقت كثيراً من الجامعات.

وماذا أبغي أكثر من أن تحفظ أمي أو زوجتي أو ابنتي أو أختي كتاب الله عز وجل -وفيه كل العلوم- زد على ذلك: دراسة الفقه والحساب والأصول وهكذا اللغة والأدب!
هذه هي العلوم التي نحتاجها، وهي التي درسها أسلافنا، وهي التي ندرسها.
فلماذا التهوين من دور النساء المنعزلة عن الرجال، والإشادة بالجامعات المختلطة؟!

وعندما تركنا هذه العلوم، واتجهنا للعلوم العصرية؛ تحكم فينا الأعداء، وصرنا طعمة في أفواههم النجسة!
وتالله، لا عز لنا -نحن المسلمين- إلا بالعودة إلى كتاب ربنا، وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام: (إلا سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه، حتى ترجعوا إلى دينكم)

-ومن خبثها محاولتها لتفضيل المرأة على الرجل، ولا غرابة في ذلك منها، لكن القارئ متلقف، فكم من بنت تقرأ فتخافت نفسها أن الإسلام قد ظلمها!
والإسلام أعطى كلاً خصائص يختص بها دون الجنس الآخر، ولكن جنس الرجال أفضل من جنس النساء، ولا مانع أن أفراداً منهن تفضلن أفراداً من الرجال، وذلك "تنزيل من حكيم حميد"

-استمع إلى دهائها، تقول: (بدأت بالفتى، فالرجل أولاً دائماً ثم أردت أن أمر بالورق على البنات.
يا لها من فضيحة.. لقد شعر الصبي بالإهانة فرمقني بنظرة قاسية وسحب الورق من يد الفتاة بازدراء، وهو يقول: إنها بنت.. لا تعرف شيئاً.
واستسلمت الصغيرة في انكسار، وتركت الورقة ولكني رتبت الأمر على الطريقة الأوربية وأعطيت الفتيات دورهن..
*وتهللت أسارير مريم واستبشرت بالانتصارات القادمة للمرأة*)

أي انتصارات للمرأة غير الإسلام الذي أعطاها حقوقها كاملة؟!

إن من الانتصار ماسمعناه وقرأناه في وسائل الإعلام في دولة عربية محافظة، من أن طبيباً ضرب الممرضة حتى سقطت على الأرض، وأخذ بشعرها يضربها ويركلها ووو!
ولا زالت القضية معلقة في المحكمة!
فاللهم سلّم.

كانت هذه أربع قضايا تناولتها في نقدي، ولم آتِ على كل الكتاب، بل ذكرت ماوقع عليه بصري، دون إمعان وإنعام؛ لأثبت للبعض أن الكتاب لا يرتقي لدرجة القراءة، بل هو هذيان وميلان، "ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً" ووقت المسلم والمسلمة أغلى من أن يقتل هذه التفاهات.

تنبيه: قال لي البعض: إن الكاتبة قد أنصفت المسلمين واليمنيين، وأثبتت لهم أخلاقهم، ووصمتهم بالطهر والعفاف؟
قلت له: نعم، -ومن هنا كان انبهارك بالكتاب-!
إن الكاتبة فرنسية نصرانية ملحدة جاسوسة على بلاد المسلمين، وهي تكتب هذا الكتاب ليتداول في العالم أجمع، فلم يكن من مصلحتها أن لا تذكر بعض المحاسن التي وزعتها على كتابها، بل كتبت ذلك؛ ليكون مقبولاً لدى أوساط المسلمين، وليشهد لها القارئ أنها منصفة، فإذا كانت كذلك، فإنه بالبديهة يتغاضى عن ماذكرته من فحش وعهر، حتى نخدع في تصديقها، كيف، وهي المنصفة! -وهذا ماكان من البعض-!

وقد نبه الباحث العراقي الأستاذ حميد مجيد هدَّو،  عندما كان مدرسا في اليمن، سنة ١٩٧٠، في بحثه الموسوم (نفائس خطية من اليمن) و(مخطوطات صنعاء - مجلة المورد العراقية (٢١٧/٣) ١٩٧٤م، قائلاً: "وهناك طبيبة فرنسية أشك فيها ، حيث أنها  تسكن صنعاء منذ سنوات طويلة ، وقد ألفت كتابًا اسمه : #كنت_طبيبة_في_اليمن ،  تحدثت فيه عن ذكرياتها في عهد الإمامة ؛ ولكن بواطن الأمور غير ظاهرها !! فقد فهمت من أكثر من شخص مسؤول : أنها تهرب الآثار للمتاحف الأوربية ، وقد كبست سلطات الجمارك في مطار صنعاء على صندوق كبير مملوء بالآثار اليمنية النادرة ، حاولت تهريبه إلى الخارج .. هذا غيض من فيض، مما بلغ مسامعي ،ومما رأته عيني".

فكأنها تقول: إذا كان هذا يثير أهل الإسلام؛ فلأطعم كتابي ببعض الإنصاف (من باب ثرّ الرماد في العيون) والحقيقة التي رأيتها فأحكيها على سجيتها، حتى لا يكون مرذولاً!
وهو مكر لم يتنبه له بعض من نقدني!

وزعم المسكين أن الكاتبة أنصفت اليمنيين أو المسلمين بشكل عام!

ولم يتنبه أنها قد طعنتهم في خاصرتهم بحكايات تظهر للعاقل زيفها وكذبها وخبثها ومكرها، من انفصال عن الخالق وتعلق بالماديات إلى التعري والرذيلة... إلى ممارسة الجنس بتصوير مثير، وتزوير مبير!

هذا وأسأل الله لي وللجميع التوفيق والسداد، والبعد عن الكساد والفساد والإفساد "إن أريد إلا الإصلاح مااستطعت وماتوفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"

كتبه: وليد بن عبده الوصابي.
١٤٣٨/٢/٢٨


الخميس، 24 أغسطس 2023

أما آن للأنعل أن تأمن؟!

 أما آن للأنعل أن تأمن؟!


لا زلت أصلى بنير سرقة أنعلي، وهو صلاء معنوي، يشعر به قلبي، أما اليوم، فاجتمع صلاءان: المعنوي القلبي، والحسي الجسدي!


فرغنا من صلاة الظهر، وتجاذبنا أطراف الأحاديث، ثم ذهبت حيث وضعت نعلي، فلم أجدها، بحثت يمنة ويسرة، فلم أعثر عليها، علمت أنها قد انتهبت، ولا فائدة من البحث إلا اللغب!


خرجت من المسجد، وكان يوماً معمعانياً شديد الحر، شمسه في كبد السماء، ترسل شررها، وتقذف حرها، ورمت بجمرات الظهيرة، حتى صوحت ولوحت، وأذوت وآذت، فصهد الحر وصخد وصحر وصهر، فانبعث الحرض، وانتفض اللهب، واشتدت الوديقة، وربما بدت الومحة على الوجوه من أثر الشمس!


ماذا أصنع .. كيف أطأ على هذا الجمر .. هل من خيار آخر؟!

إنه لا خيار إلا المرور على هذا الصفيح الجاحم، فاستعنت بالمعين، ذاكراً ذكر الخروج، ورميت بثقلي -مجازاً- على قدمي النحيلتين، في خضم القيظ، وشدة السخن، فإذا بالألم يتفاقم ويتصاعد إلى جميع الجسد، وفي الحديث (إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد) لكن، الوجع الشديد كان على الرجلين المباشرة للصيهد!


تفرّ من الهجير وتتقيه *** فهلاّ من جهنم قد فررتا

ولست تطيق أهونها عذاباً *** ولو كنت الحديد به لذُبتا

ولا تنكر فإن الأمر جد *** وليس كما حسبت ولا ظننتا


استعنت بالركض، ولكنه، لم يفد، وربما أضحك علي المارة، وما يضيرني ضحكهم، إنهم، لم يشاركوني نصبي ووصبي، ولعل بعضهم، توجع، وهذا مرير أيضاً:

ولرحمة المتوجعين مرارة *** في القلب مثل شماتة الأعداء


وكنت أتقفى ظل البيوت والشجر، أتفيؤه، فأسكن قليلاً وأتنيح، ثم أصلى وأصطلي؛ لأنه لا بد لي من الوصول!

ولم يكن حالي كحال ذاك، القائل:

وقائلة في الركب ما أنت مشتهٍ *** غداة جزعنا الرمل؟! قلت: أعودُ!


أعني: لا أريد العودة، في هذا الحال الممض، وإلا، فإن في بيوت الله هي المستراح، وفيها الراحة، وعجبي، من ذي روح، لا يؤمّها!

اللهم لا شماتة وهداية.


وتمنيت لو أن سحابة مظلة، أو غمامة مطلة، فكنت:

لكالمرتجي ظلّ الغمامة كلما *** تبوّأ منها للمقيل اضمحلّتِ

كأني وإياها سحابةُ ممحل *** رجاها فلما جاوزته استهلّتِ


ووددت، ولو حذاء كحذاء الطنبوري، -الذي أورثه المتاعب والملاغب- لكن، دون عرامات وغرامات!


وتذكرت أياماً خواليا، في صباي؛ حين كنت أمشي حافياً، في اشتداد الهاجرة، وظلت ردحاً من الزمن على ذاك الحال المضني، والله المستعان وحده.


نفى الدهر من عمري سنينا خواليا *** فلا هي تلقاني ولا القلب ناسيا


وتذكرت، قبل برهة، حين كنت خارجاً لصلاة الجمعة، فرأيت غلاماً حافياً، يتقفر الظل، ويتبع الفيء! (وقد كتبت عنه مقالاً)


وهكذا، استمر هذا العذاب النفسي والجسدي، حتى وصلت مقصدي، وحمدت الله على السلامة، ولكن، لا زلت أحس حدمة اللهب، وضرمة اللهيب، وأرجو أن لا تمجل قدمي، والحمد لله على كل حال.


وكتب: أبو نعيم الوصابي

١٤٤٥/٢/٥


الخميس، 27 يوليو 2023

نبـاوة النـواوي!

 نباوة النواوي!

يحيى بن شرف بن مرا = مرى (١) النووي = (النواوي)، تـ٦٧٦؛ إمام كبير، وجهبذ نحرير، شهر بالورع والزهادة، واشتهر بالعلم والإفادة، وهو لا يحتاج إلى تبيين أو تعيين، فإنه أشهر من نار على علَم.


كان أسمر اللون، كثّ اللحية، رَبْعَة، مَهيباً، قليل الضحك، عديم اللعب، يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم، وفي بحثه مع الفقهاء تعلوه السكينة.


أراد أن يتعلم المنطق، فأظلم قلبه، فتركه!


كان يقرأ كل يوم، اثني عشر درساً، على مشايخه؛ شرحاً وتصحيحا.


قال ياسين المراكشي: "رأيت النووي وهو ابن عشر سنين، والصبيان يكرهونه على اللعب معهم وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، فوقع في قلبي محبته"

(المنهل العذب الروي: ٥٢)


رزقه الله حسن التصنيف، فما أجمل تواليفه وأرصنها وأتقنها وأحكمها وأسمقها وأنسقها، وقد سارت بها الركبان، وطُوف بها البلدان.


قال العلائي: "ولا أعلم أحداً من المتأخرين ومَن قبلهم، نفع الله بتصانيفه، كما نفع بتصانيف الشيخ أبي زكريا يحيى هذا، تغمده الله برحمته، وشهرته تغني عن الإشارة إلى أوصافه"

(إثارة الفوائد: ٤٣٧)


قلت: وما ذاك -والله أعلم- إلا إخلاص يحيى، وصحة نيته، وصلاح سره، وصالح سريرته.


قال الإسنوي: "ووقوع هذا للشيخ محيي الدين النووي أكثر؛ وذلك أنه لما تأهل للنظر والتحصيل، رأى من المسارعة إلى الخيرات أن جعل ما يحصله ويقف عليه تصنيفاً، ينتفع به الناظر فيه، فجعل تصنيفه تحصيلاً، وتحصيله تصنيفاً، ولولا ذلك لم يتيسر له من التصانيف ما تيسر، فإنه -رحمه الله- دخل دمشق للاشتغال وهو ابن ثمانية عشرة سنة، ومات ولم يستكمل ستاً وأربعين"!

(المهمات في شرح الروضة: ١/ ٩٩)


فيا ويحك أبا زكريا، لقد تعبتَ في دنياك، وكابدت الدرس، وعالجت التصنيف، ونرجو لك الاستراحة والاسترواح والراحة.


قال السبكي: "وهذا الإمام الرباني الشيخ محيي الدين النووي -رحمه الله- وُزّع عمره على تصانيفه، فوُجد أنه لو كان ينسخها فقط لما كفاها ذلك العمر، فضلاً عن كونه يصنفها، فضلا عما كان يضمّه إليها من أنواع العبادات وغيرها ... فسبحان من يبارك لهم ويطوي لهم وينشر".

(طبقات الشافعية الكبرى: ٢/ ٢٤٢-٢٤٣)


قلت: وما ضر هذا العلم العالم؛ أن قذفه غلام بحجر، أو تناوله فدم بحبر؛ فنرجو أن يكون ذلك، من الحسنات الجارية، والمنازل العالية.


ما يضر البحر أمسى زاخراً *** أن رمى فيه غلام بحجر!


ومن أنت أيها المتطاول الوالغ، الشاذ عن الجمهرة والجمهور؟!

أما آن لك أن تسكت، وإن لم تقدر، فكمم فاك، حتى لا تصاب بصاب!


ويكفيك نقصاً، وقلة توفيق؛ تناولك للأعلام، ونيلك من أعراضهم، ونبزك مقاماتهم، و(لحوم العلماء؛ مسمومة) وهي بلية ابتلينا بها من النقصة، وجاءتنا من القصصة -عياذاً بالله- منهم، ومن صنيعهم:


من تزيّى بغير ما هو فيه *** فضحته شواهد الامتحان

وجرى في العلوم جري سكيت *** خلفته الجياد يوم الرهان


والخطأ، وارد على الكل، وصادر من الجميع:

من ذا الذي ترضى سجاياه كلها *** كفى المرء نبلا أن تعد معايبه


ويكفينا، رد الخطأ، وتبيين الصواب، مع حفظ جنابهم، والدعاء لهم، ووكْل سرائرهم إلى عالم الخفيات، ورب البريات.


يقول ابن أبي زيد القيرواني المالكي: "‏‏أيها الرجل المُتجاسر: ارفق في تأملك، وعوّد نفسك أن تظن بها التقصير عن فهم الراسخين من السلف المتقدمين؛ فإن ذلك يثنيك عن الإعجاب بنفسك، والتقصير بسلفك، والله المستعان".

(الذب عن مذهب مالك:٥٠٧/٢)

وفقني الله وإياكم لذكرهم بالجميل، وهو الهادي إلى سواء السبيل.


ما وهب الله لامرىء هبة *** أحسن من عقله ومن أدبهْ

هما جمال الفتى، وإن فقدا *** ففقده للحياة أجمل بهْ! 


وهو القائل -رحمه الله-: "فلو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة؛ لانسدَّ عليه أكثر أبواب الخير"

(الآداب الشرعية: ١/ ٢٦٦)


وأظن، أن القبول وضع لأبي زكريا.. فلا يكاد يخلو بيت من كتابه "الأذكار" أو "الرياض" أو "الأربعين" فضلاً، عن كتب الدرس والتقعيد.


وقد كان لأهل زبيد، فضل محبة ومزيد عناية بتواليفه..

قال مجيزنا سليمان بن محمد الأهدل:

كنَّ نساء زبيد خصوصاً الأهدليَّات يحفظن مسائل المنهاج ويراجعنها، وهن يطحنّ الذرة على الرحى"!

ينظر: (مقدمة تحقيق شرح الأربعين النووية: ١٣) لعلي بن داود العطار، تحقيق محمد العجمي.


وقد تدبج مع ابن مالك في الدرس والأخذ، فتلمذ ابن مالك للنووي في الحديث، وتلمذ النووي لابن مالك في النحو!

وقيل: إن ابن مالك، كان يعني النووي بقوله في الألفية:

          (ورجل من الكرام عندنا)


وفضائله كثيره، وفواضله كبيرة، ومن أراد العل والنهل، أو يرفع عن نفسه الخصاصة؛ فليقرأ هذه التراجم الخاصة:

-تحفة الطالبين في ترجمة الإمام النووي، لتلميذه ابن العطار.

-المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي، للسخاوي.

-المنهاج السوي في ترجمة الإمام النووي، للسيوطي.


وكتب: وليد أبو نعيم

١٤٤٤/٢/١٦


ح.....

(١) ينظر في ضبطه: "المنهج السوي في ضبط اسم "مرى"- جد الإمام النووي"!


ومعنى النباوة والنبوة: ما ارتفع من الأرض، وهو أيضاً: العلم يهتدى به.

الثلاثاء، 25 يوليو 2023

خلق نادر في أديب الجادر!

 


خلق نادر في أديب الجادر!

لم أكن على علاقة، ولا تواصل، بله ولا تراسل، بيني وبين الأستاذ المحقق الخلوق محمد أديب الجادر، حاشا سماعي عنه كثيراً منذ أمد، وأول عمل رأيته له: "فهارس زاد المعاد" في مكتبة مسجد من مساجد بلدي الحبيب!


ثم رأيته في الفضاء الأزرق، ينشر مناشير لطيفة، أو يعلق تعاليق طفيفة، وأحدس؛ أن رأيته معلقاً على منشور كتبته، ولا أتذكره!


ثم سمعت بوفاته قبيل أيام، وقرأت تآبينه، من أحبابه وأترابه وطلابه؛ فأكبرت فعاله، وأعظمت نباله، وقلت حقاً: لا تعرف فضائل الفاضل حتى يوارى الجنادل!


أنا لا ألوم هذا الذكر الجميل وذاك الجمال، ولكن، أليس الجمع، أولى من الإهمال؟!


الناس لا ينصفون الحي بينهمُ *** حتى إذا ما توارى عنهمُ ندموا!


أقول: وإن خصلة فريدة، وخلة وحيدة، أخذت بمجامعي، واستولت على أحاسيسي، وسيطرت على كياني، وقد أجمع عليها، كل من ترجم له أو أبّنه أو ذكره أو تذكره، (وأوعبهم، الصديق أيمن ذوالغنى) وهي: سلامة الصدر، ولين الجانب، وخفض الجناح!


أحببته جداً .. حزنت عليه كثيراً .. دعوت له .. تمنيت لو صادقته ولو مصادفة؛ لأن هؤلاء نادرون، وصحبتهم مغنم، وصداقتهم مكسب، ولكن، قدر الله غالب "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"


تُرى، هل كنت فعلتُ ذلك، لو لم تكن سيرته كذلك؟!

الجواب: لا، إنما أحببته وأكبرته؛ لهاته الخصلة الأثيرة اليتيمة، في دنيا الزيف والملق، إلا من نزر قليل كأبي وائل -رحمه الله-!


وهي خلة مهم توفرها في دنيا الأصدقاء، وقد ذكر بدر الدين الغزي؛ عن الصديق؛ أن من آداب عشرته؛ "سلامة قلبه للإخوان"

وقال السقطي: "من أجلّ أخلاق الأبرار؛ سلامة الصدر للإخوان والنصيحة لهم"

(آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة: ٢٠)


ولا أحمل الحقد القديم عليهمُ *** وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا


وايم الله، إن هذه الخصلة، قد عزّت حتى أعوزت، فلا تكاد ترى متصفاً بها، ولا تظن أنك ملاق أهلها، إلا لماما شماما!


ولله در محمود، فقد ضرب بسهم وافر في هذا المهيع المليح، على حدة غضبه -كما قيل-، لكنها، غلظة لحظة، فاسمعه يقول: "ثم اعلم بعد ذلك أيضاً.. أني لا أبيت ليلة طاوياً ضلوعي على حفيظة تؤرقني، من إساءة أحد يسيء إليّ متعمداً أو غير متعمد".

(جمهرة مقالاته: ٢/ ١٠٩٥)


وهاتوا لي كأبي فهر؛ فإن سرعة الغضب مع سرعة الفيء وسلامة القلب؛ من صفات الرجال الذين لا يتصفون بحنة ولا يبيتون على حر!


على أنك واجد في حياتك، من يكتم غضبه، ويكظم غيظه، لكن، قلبه يغلي كالمرجل، وصدره يتميز من الغيظ، وود لو بطش بك، وإن سكت، فهو سكوت المتحفز المستوفز، ثم تسمع الفجار، وتشاهد الانفجار!


تتعجب، وقد كان قبل يقسم لك، أنه يحبك ويودك، نعم، ولكنه، حب اللسان، أما قلبه، فقد كان يقدك ويقطك!

اللهم وقاية وكفاية وهداية.


إذا أدْمَتْ قوارِصُكمْ فؤادي *** صبرت على أذاكمْ وانطويتُ

وجئت إليكمُ طَلْقَ المُحَيَّا *** كأني ما سمعت ولا رأيتُ


قال الطرطوشي: "إذا رأيت إنساناً حَقوداً، لا ينسى الهفوات، ويجازي بعد المدة على السقطات، فألحِقْهُ بعالم الجِمال.

والعرب تقول: فلان أحقد من جمَل.

وكما تجتنب قرب الجمل الحقود؛ فاجتنب صحبة الرجل الحقود.

(سراج الملوك: ١١٢)


ومن هنا؛ تعلم ما كان عليه سلفنا الصالح، من تآخ وتواد..

قال سفيان بن دينار: قلت لأبي بشير، -وكان من أصحاب علي-: أخبرني عن أعمال من كان قَبْلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيراً، ويُؤْجَرون كثيراً! قلت: ولم ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم!

(الزهد: ٢/ ٦٠٠) لهناد بن السري.


قال قاسم الجوعي: "أفضل طرق الجنة؛ سلامة الصدر"

(صفة الصفوة: ٢/ ٣٨٩)


وقال مثله الأكفاني.

ينظر: (تاريخ دمشق: ٤٩/ ١٢٣)


وروى أبو داود والترمذي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يُبَلِّغُنِي أحد من أصحابي عن أحد شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر)


قال ابن المَلَك: "وقيل: معناه: أنه -صلى الله عليه وسلم- يتمنى أن يخرج من الدنيا وقلبه راض عن أصحابه من غير حقد على أحد منهم".

(شرح المصابيح: ٦/ ٤٠١)


وإن أردت التحليق في مدارج السلامة، والتعريج في معارج الكرامة؛ فاسمع ما قال ابن العربي، قال: "لا يكون القلب سليماً، إذا كان حقوداً حسوداً معجباً متكبراً، و قد شرط النبي صلى الله عليه و سلم في الإيمان، أن يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه".

(أحكام القرآن: ٣/ ٤٥٩)


بل إن سلامة الصدر؛ من أرجى أعمال المؤمن..

عن محمد بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول من يدخل هذا الباب رجل من أهل الجنة) فدخل عبد الله بن سلام، فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروه بقول النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: فأخبرنا بأوثق عملك في نفسك ترجو به، قال: إني لَضعيف، وإن أوثق ما أرجو به؛ سلامة الصدر، وترك ما لا يعنيني. 



والحق؛ أن الفظاظة والغلاظة، لا تدوم معها صحبة، بل هي منهارة أو على شفا جرف هار..


ولما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة، جمع ولده، و فيهم مَسْلمة، وكان سيدهم، فقال: "ليعرف الصغير منكم حق الكبير، مع سلامة الصدر، و الأخذ بجميل الأمور".

(تاريخ دمشق: ٦٣/ ١٧١)



ويكفي عن كل ما سبق؛ قوله تعالى: "يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم"


فواهاً واها، لذوي الخلق الرفيع، وهنيئاً هنيئا لأولي الأدب البديع؛ إنهم اغتنموا حياتهم في الراحة والانشراح، ونالوا جزاهم -بإذن الله- في جنة ورواح.

ونسأل الله تعالى؛ أن يجعلنا ممن تشيا بهاته الشيات، وتزيا بهذه الصفات، والله ولي الهداية والتوفيق.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٥/١/٧



الجمعة، 7 يوليو 2023

تبيينٌ عن شططٍ مبير في حق الإمام ابن الأمير!

 تبيينٌ عن شططٍ مبير في حق الإمام ابن الأمير!

قرأت مقالاً، بعنوان (نقض طعونات الصنعاني في الصحابي الجليل النعمان بن بشير) للكاتب عبد الله بن فهد الخليفي.. فوجدته مقالاً موتوراً، لعل صاحبه كتبه تحت وطأة تأثير ما؛ إذ يبدو وكأن بينه وبين الإمام وحر وتِرَة، فلم ينصف سواده، الإمامَ الصنعاني؛ حيث وصمه، بالخاسر الموتور، صاحب الوقيعة الفاجرة!


ونفى عنه الإمامة، وخلعه وخلع عنه السلفية، وتعجب من الشيخ الراجحي؛ إذ قال عنه: "سلفي العقيدة" وتعجب من احتفاء الناس برسائله، وإسباغ ألقاب المدح العظيم عليه!

 إلى غيرها من تيك البوائق والفوارق، والبواقع والفواقع!


وتهجم تهجماً عنيداً عنيفاً، على تلاميذ ابن الأمير، وتعجب من  محقق بعض رسائل الصنعاني- خالد بن محمد بن عثمان المصري، وصفه تلاميذه، بأنهم صاورا "علماء نبلاء"! قلت: وهذا وصف الشوكاني، لهم، حيث قال في (بدره: ٢/ ١٣٩): "وله تلامذة نبلاء علماء مجتهدون".

ولعمري، إنهم أهل علم ونبل، وفهم وفضل، على رغم الجاحد الحاسد.

ومن مات في غيظه *** فإني عندي له كفنُ


ثم سحبهم إلى لازمه، أنهم: "رافضة يقعون في الصحابة، وجهمية في باب الصفات، وقدرية في باب القدر، ولهم ضلال بعيد في باب الفقه، هذا إن سلموا من الشرك في توحيد العبادة، هذا مع التعظيم لأئمتهم بالضلال"!


كل هاته الأوصاف الكبار الكبّار؛ بناء على قوله: (مع أن كثيراً منهم، إن لم يكونوا كلهم.. مترَجمون في أعلام الزيدية، والزيدية المتأخرون رافضة)!


هكذا بجرة قلم، فسّق وجرم وكفر وشرك، ولو نظر إلى تراجم بعضهم؛ لاستحى مما فاهه، واستغفر الله مما قاله، ولكنه، التجاوز والتطاول، واقتحام الأعراض، وتقحم الوعر!

اللهم صوناً.


ومن شاء أن يعرف أحوال طلابه، وبروزهم في العلم، وعلو رتبهم، وبسوق مرتبتهم.. فقد ترجم لبعضهم الإمام الشوكاني، في (بدره الطالع) فلينظره المطالع!


وأسفت حقيقة، لهذا الوصول الحائف- الذي لم يأت فيه ببينة مبينة، سوى التجييش والتهويش!


وإني لا أريد هنا.. أن أثبت إمامة الصنعاني، أو أثبّت سلفيته.. فقد شهد له أئمة عصره ومن بعدهم، أمثال: العلامة الشوكاني، والقنوجي، والألوسي، وسليمان بن سحمان وابن مانع ونحوهم من أهل العلم والإنصاف.


قال الألوسي: "محمد بن إسماعيل الأمير.. مجدد القرن، ومجتهد ذلك العصر، وكان من أكابر أهل السنة".


وقال: "وممن قيّضه الله لدرء مفاسد هذا المذهب، محمد بن إسماعيل الأمير، وكان من أكابر أهل السنة، ولم يألُ جهداً في الرد على الزيدية وهدم أركان مذهبهم أصولاً وفروعاً".

(المسك الأذفر) نقلاً عن مقدمة (التنوير)


وقال الشيخ عثمان بن بشر: "فريد عصره في قطره، عالم صنعاء وأديبها.. الشيخ المحقق محمد بن إسماعيل -رحمه الله تعالى- وكان ذا معرفة في العلوم الأصلية والفرعية، صنف عدة كتب في الرد على المشركين المعتقدين في الأشجار والأحجار والرد على أهل وحدة الوجود وغير ذلك من الكتب النافعة".

(عنوان المجد: ١/ ٥٣)


وقد وصفه العلامة سليمان بن سحمان، كما في كتابه (تبرئة الشيخين من تزوير أهل الكذب والمين: ٨٢)" بـ"علوه قدره" و"عظم فضله وإمامته، و"تمام رغبته في اتباع السنّة وذم البدع وأهلها"!

وهو على اطلاع بسيرته ومسيرته!


وقد أثنى عليه، الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع، قائلا: "والمصنف -رحمه الله- من أئمة التوحيد".

كما في مقدمة "ديوان الصنعاني".


وقال الشيخ عبد الله الغنيمان، في تقريظه، لتحقيق كتاب (التنوير شرح الجامع الصغير: ١/ ١٣): "فإن محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني.. من العلماء المشاهير في اليمن وغيره، وقد انتشرت مؤلفاته أو كثير منها، فانتفع بها خلق كثير؛ حيث إنه فيها حريص على التقيد بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واطراح الآراء المخالفة للكتاب والسنة، ونبذ تقاليد الأسلاف والآباء، وبذل النصح للمسلمين، وتحذيرهم عن الشرك، ومخالفة كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما عليه صحابته رضي الله عنهم، كما في كتابه: "تطهير الاعتقاد"، وكتابه: "إيقاظ الفكرة" و"إرشاد النقاد إلى تيسر الاجتهاد" وغيرها من كتبه الكثيرة وقصائده التي يدعو فيها إلى مجانبة البدع، والتعلق بالقبور والمعظمين من العباد، واتباع الأهواء والتقاليد التي سار عليها كثير من الناس".


قلت: وقد ظل إمامنا الصنعاني.. سلفياً أثرياً حتى لقي ربه، وما جرى له من أخطاء وأغلاط.. فليس فيها بأوحد، فالعصمة عن الجميع بمعزل، ثم هو عائد إلى البيئة والنشأة.


وهاهو يقول -رحمه الله-: "وهذه القاعدة -يعني تقديم الجرح على التعديل- لو أخذت كلية.. لم يبق لنا عدل إلا الرسل، فإنه ما سلم فاضل من طعن- لا من الخلفاء الراشدين، وأحد من أئمة الدين".

(إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد: ١١٢)


وهذا بيانه وتبيانه.. عن منهجه ومختاره، فيما يذهب إليه، ويدين به.

يقول -رحمه الله-: "اعلم أن المختار عندي، والذي أذهب إليه وأدين به في هذه الأبحاث ونحوها.. هو ما درج عليه سلف الأمة، ولزموه من اتباع السنة، والبعد عن الابتداع والخوض فيها، إلا لردها على لزوم مناهج الأنبياء، وكيف ترد الأقوى إلى الأضعف"؟!

نقلاً عن مقدمة (التنوير)



أما قول الخليفي.. أنه طعن في النعمان بن بشير رضي الله عنه؛ فلم أر طعناً مباشراً، سوى تكلمه عن مسألة طول الصحبة، وهي مسألة قال بها قوم، على أن الراجح -وهو قول الجمهور- خلاف قولهم، كما في (البحر المحيط: ٤/ ٣٠٢) و(إرشاد الفحول: ٢٦٣)


على أن للصنعاني -غفر الله له- ما لا يرضى ولا يرتضى، من كلامه، في بعض الصحابة رضي الله عنهم، وقد بيّن العلماء زلله وعواره، دون إخراجه من أهل السنة والجماعة؛ لشبهة أو تأويل.


على أنه يحتاج إلى معرفة التاريخ، في بعض كلامه، وينظر لعله مدسوس عليه، كما دس على الشوكاني وغيره.


وإن ثبت ما فاهه؛ فيرد طعنه وغلطه، مع الاعتذار له بالتأويل أو اللبس.


وكذا القول في النسبة إليه، قصيدة في سب معاوية رضي الله عنه.. ولا أعلم من ذكرها سوى البسام، فلا بد من التبين والتبيين.


أقول هذا؛ لأن الأصل: حمل الرجل على الأصل والسلامة حتى يثبت خروجه عن هذا الأصل إلى سواه، واتخاذه ديناً له، يرد عنه ويصدر، أما خطأ واثنان وعشرة.. فهذا لا يعتبر منهجاً للرجل!


قال الشيخ عبد الله الغنيمان: "وقد عرض علي -محقق التنوير، الدكتور محمد إسحاق محمد إبراهيم- ما وجده للصنعاني -رحمه الله- في كتابه هذا -التنوير شرح الجامع الصغير- مما يخالف الحق ومعتقد أهل السنة- ... وعلى كل، لا تؤثّر هذه الدعوى الباطلة على الاستفادة من الكتاب، وقلّ من العلماء من يسلم من العثرات والزلات، وإذا كان الخطأ واضحاً فالأمر أيسر وأسهل، فالكتاب فيه فائدة كبيرة، ولكن ما وقع فيه الصنعاني -رحمه الله- وغيره، يدل على آيات الله وقدرته، وأن العبد مهما أوتي من العلم والذكاء، فإنه لا يستطيع أن يهتدي إلا إذا هداه الله تعالى".

مقدمة (التنوير: ١/ ١٦)



وينظر رد الدكتور أحمد العليمي، في رده على تهم الدكتور خليل إبراهيم ملا خاطر، للعلامة الصنعاني- بالتشيع.. فقد أجاد وأفاد، فجزاه الله خيراً.


ويسجل لنا ديوان الصنعاني رسالة أرسلها إلى أحد تلامذته، وهو العلامة أحمد بن محمد قاطن، في شأن الرجل الذي دخل صنعاء، وكان من العجم، فسب الصحابة، ونال منهم، وحزن الصنعاني لذلك، وكتب رسالة إلى تلميذه المذكور، ومما جاء فيها: "فاقرة في الدين، قاصمة لظهور المتقين، ومصيبة في الإسلام، لم يطمع في وقوعها إبليس اللعين، ومكيدة في الإسلام أسست بآراء جماعة من الأفدام، وهي ظهور الرفض وسب العشرة المشهود لهم بالجنة على لسان رسوله الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى آله الطاهرين، حاشا علياً أمير المؤمنين، فإنه مصان عن ألسن الطاعنين".

إلى آخر تلك الرسالة السلفية، التي تقطر غيرة ويقظة، كما في (ديوان الصنعاني: ٤٦٨)


قلت: ومعاذ الله.. أن نرضى كلمة سب أو نقص أو نيل لأحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم بالمحل الأعلى، والمكان الأولى، وفضائلهم لا تخفى إلا على مطموس الفطرة والحس، ناهيك عن تنكبه مهيع الشرع والعقل، فاللهم سلّم.


وأما ثناؤه على المعتزلة، أو ما وافق فيه المعتزلة.. فربما وافقهم في بعض آرائهم..

كيف، وقد ردّ على المعتزلة والأشاعرة، فكيف ننسبه إلى قوم بدّعهم؟!

قال -رحمه الله-: "إنما قدّمت هذا؛ لئلا يظن الناظر.. أني أذهب إلى قول فريق من الفريقين: المعتزلة، والأشاعرة، فإن الكل قد ابتدعوا في هذا الفن الذي خاضوا فيه".

(ثمرات النظر: ٥٣ - ٥٦)


وقال الدكتور محمد إسحاق محمد إبراهيم: "نجد الصنعاني يثني كثيراً على ابن تيمية وابن القيم، كما يدافع عنهما كثيراً".

مقدمة تحقيقه لكتاب (التنوير: ١/ ٨٧)


وقال: "وبعد: فها هي نماذج من الأصول والقواعد وغيرها التي التزمها الصنعاني، ودعا إليها وسار عليها من خلال ما سطره في أكثر كتبه، فأين نضع الرجل بعد ذلك؟

لا يمكن أن يكون إلا من أهل السنة والجماعة الذين كانوا على عقيدة السلف وساروا عليها، وجاهدوا فيها، وحوربوا من أجل التمسك بها، في عصر لا يعرف إلا الجهل والخرافة".

مقدمة تحقيقه لكتاب (التنوير: ١/ ٨٧)


وقال: "خلاصة القول: وعلى العموم، فإن الصنعاني -مع هذه الزلات التي ربما كانت في فترة سابقة من حياته-؛ فإنه يترضى عن جميع الصحابة، ويقدّم أبا بكر وعمر ويترضى عنهم، إضافة إلى أنه يرى ترتيب الخلفاء الأربعة.. فقد قال تحت حديث (رقم: ٢٨٥٣) "وفيه: (ألا أخبركم بأفضل الملائكة ... وأفضل النساء مريم بنت عمران) قال التفتازاني: أفضل الأمة بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم، الخلفاء الأربعة، ورتبهم على ترتيب الخلافة".


وقال: "ولا يمكن نسبته إلى الغلو في التشيع، ولا إلى انحيازه إلى الاعتزال، لهنات قليلة صدرت عنه في مواضع قليلة نادرة، ولعل هذا ما استقر في قلبه قديماً قبل أن يتوسع أفقه، وتتسع مداركه؛ لأنه صدر عنه ما يدل على اعتداله وإنصافه، كما قال تحت حديث: (المرء مع من أحب): ثم ليعلم: أن المراد بالحب، المأذون فيه شرعاً، فمن أحب عيسى عليه السلام وجعله لله ولداً، فما أحبه، ولا هو معه، وكذلك من أحب علياً عليه السلام، حب الغلاة".


وقال الباحث نعمان بن محمد شريان، في رسالته: (ابن الأمير الصنعاني ومنهجه في الاعتقاد: ٧٢١- ٧٢٧) -التي نوقشت عام ١٤١٧، في كلية أصول الدين بجامعة الإمام، بعد أن ناقشه في بعض مسائل الصحابة-: "وعلى العموم، فإن ابن الأمير مع هذه الهفوات التي ربما كانت في فترة سابقة من حياته.. فإنه يترضى عن جميع الصحابة، وأن الغالب على أهل ذلك العصر الصدق، ويقدم أبا بكر وعمر ويترضى عنهم، ولا يمكن نسبته إلى التشيع، ولا إلى الاعتزال لكلام قليل في مواضع قليلة نادرة، نسأل الله له العفو والعافية".


قلت: وذكر بعضهم: أنه تراجع عن مدحه للإمام النجدي.. والصحيح؛ أن هذا التراجع، ملبس ومدلس، من أحد أبنائه أو أحفاده أو أعدائه.. كما أثبت ذلك العلامة سليمان بن سحمان في رسالة برأسها.


وإن ثبت، فأقول: إنه تراجع عن القصيدة، ولم يتراجع عن العقيدة؛ لأن كتابه الفذ "تطهير الاعتقاد" خير شاهد ودليل، على صفاء توحيده، ونقاء عقيدته، بل إنه تشدد في مواضع، أكثر من الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي، وليراجعها من أراد، فإنها على طرف الثمام.


وقد استغرب الخليفي.. إقبال الناس على كتب الصنعاني واهتمامهم بها.. وما علم المسكين، أن القبول من الله سبحانه وتعالى، لا يعرف التعصب البغيض، ولا القبلية الجاهلية!


وكتب الصنعاني.. قد سارت مسير الشمس في أنحاء المعمورة، ومنها: بلاد الحرمين، بل إنها تدرس في بعض جامعات العالم.

وما أنت بمغط ضوء الشمس.


وهذه كتبه.. فهلم إلى نخلها وفليها وفتشها ونكشها ونبشها، وبيّن الباطل والزيف والبهرج، أما مصادرة فضله وعلمه وعقيدته، بنقل أو نقول.. فهذا دليل سوء، وآية خذلان، وسلم حرمان.


وقد ذكرني الخليفي.. بتخريج بعض الطعنة، للعلامة مجمد جمال الدين القاسمي، من السلفية؛ بحجة ثنائه على المعتزلة والجهمية ومدحه لبعض المترفضة، ونحوها من الطعون المدخولة، التي بينت زيفها، في مقالي "تحرير في سلفية جمال الدين القاسمي"


فلنربأ بأنفسنا عن سلوك سبيل الغامطين لفضل غيرهم، والإغاظة على من سواهم، والتغاضي عن أنفسهم وعمن يحبون.


هذه نبشة من طرف الفكر، ونبسة من ذلق اللسان، أرجو أن يكون فيها رفعاً لحق، ووضعاً لباطل "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".



وينظر في ترجمة هذا الإمام، ونواحي الحياة والفكر والمعتقد والتربية، لديه، ما يلي:

-"مصلح اليمن محمد بن إسماعيل الصنعاني" للعلامة إسماعيل الأكوع.


-"مصلح اليمن محمد بن إسماعيل الأمير، دراسة حياته وآثاره" دراسة الأديب عبد الرحمن طيب بعكر.


-"تصحيحات وتعليقات على سبل السلام، للعلامة عبد الرحمن المعلمي، -ضمن "آثار المعلمي"


-"الصنعاني وكتابه توضيح الأفكار" للدكتور أحمد العليمي.


-"مسائل الاعتقاد عند الأمير الصنعاني" للدكتور عبد الله المطيري.


-"ابن الأمير الصنعاني ومنهجه في الاعتقاد" دراسة الباحث نعمان بن محمد بن مسعد شريان.


-"الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، حياته وشعره" دراسة الدكتور أحمد بن حافظ حكمي.


-"ابن الأمير الصنعاني، حياته وفقهه" دراسة علي بن عبد الجبار ياسين السروري.


-"دراسة لكتاب ابن الأمير الصنعاني "إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة"  دراسة وتحقيق الدكتور عبدالله شاكر الجنيدي.


-"دراسة لكتاب ابن الأمير الصنعاني "إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة" بحث مكمل لنيل درجة الماجستير في التربية: تحقيق قاسم بن صالح بن ناجي الريمي.


-"الوجهة السلفية عند ابن الأمير الصنعاني" دراسة الدكتور إبراهيم هلال.


-"ابن الأمير الصنعاني وجهوده في الدعوة والاحتساب" للدكتور حسن بن علي قرشي.



وغيرها من الكتب والبحوث والدراسات والدرجات، حول هذا العلم الإمام، والقرم القمقام.




وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/٨/١١



الثلاثاء، 4 يوليو 2023

وتقوّضت خيام الحج، وعاد الناس من كل فج!

 وتقوّضت خيام الحج، وعاد الناس من كل فج!


بينا نحن في خبوت وخفوت، والخيام ملأى بالمحرمين: الملبين المكبرين الذاكرين الداعين، والشمل مجتمع، والأنس حالّ؛ إذ رأيت الجمع ينقص، والصوت يغض، والإحرام يبدّل، وكل عاد إلى عادته في لباسه وأناسه!


ولما قضينا من منىً كل حاجةٍ *** ومسّح بالأركانِ من هو ماسحُ


وشُدّت على دهمِ المهارى رحالُنا *** ولم ينظر الغادي الذي هو رائحُ


أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا *** وسالت بأعناق المطيِّ الأباطحُ


ولله، ما كان أحسننا، في شرفين، شرف المكان، وشرف الزمان، وحسبك باجتماعهما:

ما كان أحسننا، والشمل مجتمعٌ *** منا المصلي، ومنا القانت القاري!


وهكذا هي الأيام؛ لا تدوم على حال، ولا يقر لها قرار.


بعد تعب ونصب، لكنه مشوب بحلاوة، ومخلوط بطلاوة؛ لأنك ترجو ما عند الله، والدار الآخرة "يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه"


تحس بالإعياء، حتى تكاد يغشى عليك، ولكن يدفعك ادخار الخطى، ويحدوك أمل الوصول، فيغلِب الأمل الألم، وتعود المحنة منحة!


لله، ما أحيلاها من أيام وليال، هدأ فيها البال، وارتاح فيها الحال، في التنقل بين المشاعر، والتنعم بتيك المناظر!


أيها الراكب المجد ابتكارا *** قد قضى من تهامة الأوطارا


إن يكن قلبك الغداة خليا *** ففؤادي بالخيف أمسى معارا


ليس ذا الدهر كان حتما علينا *** كل يومين حجة واعتمارا


وكم هو عظيم وفخيم.. حين تدرك، أنك في أمكنة، خطاها الأنبياء والصالحين، وتفيأ ظلالها الصحابة والتابعين:


بها كعبة الله التي طاف حولها *** عباد هم لله خير عباد


لأقضي فرض الله في حج بيته *** بأصدق إيمان وأطيب زاد


أطوف كما طاف النبيون حوله *** طواف قياد لا طواف عناد


هاهم الحجاج؛ يحزمون الأمتعة، ويعودون إلى الدعة، ويقوضون الخيام، ويطوون لباس الإحرام، ويودعون هذه البقاع، ويفارقون هاتيك التراع، التي تتسع لملايينهم خلال ليال وأيام، ثم تعود قاعاً صفصفاً، خاوية على عروشها، يصفر فيها الطير، ويبني عشه الغراب، وينأى عنها بنو الإنسان!

ولله في خلقه شؤون.


خليلي هل من وقفة والتفاتة *** إلى القبة السوداء من جانب الحجر؟


وهل من أرانا الحج من الخيف عائد *** إلى مثلها أم عدها حجة العمر؟


فالله ما أوفى الثلاث على منى *** لأهل الهوى لو لم تحن ليلة النفر



ثم إني رأيتهم يغادرون.. فرحين مستبشرين، وحُق لهم ذلك، فإنهم -بإذنه تعالى- قد نالوا أجر حجهم، ونفضوا عنهم غبار الذنوب، وعادوا خفيفي الحِمل، مليئي الوفاض.


وهم مع ذلك؛ سيقابلون أهليهم وأولادهم، وهي فرحة عظيمة، لا يقدرها إلا من فقدها -أعوذ به تعالى من مرارة الفقد-.


وإني لأستهدي الرياح سلامكم *** إذا ما نسيم من بلادكم هبّا


وأسألها حمل السلام إليكم *** لتعلم أني لا أزال بكم صبّا


وحالي كما قال ابن زيدون؛ متذكراً بلده ‎قرطبة، وقد وافاه ‎عيد الأضحى، وكان في ضيافة بني عباد الملوك:


خليلي لا فِطر يَسر ولا أضحى *** فما حال من أمسى مشوقاً كما أضحى؟!


وها هو يتمثل بها أبو نعيم؛ متذكراً أهله، وقد وافاه عيد الأضحى، وهو في ضيافة الملك.


وإلى لقاء قريب مع الحبيب، بإذن المجيب.


وكتب: الحاج وليد أبو نعيم. 

يوم القر الثاني ١٤٤٠.


الاثنين، 3 يوليو 2023

أرِضَـتْ أرضـنا!

 أرِضَـتْ أرضـنا!

بينا نحن في لفح ونفح، ونفخ ونضخ؛ إذ أذن الرحيم، بسُحب السماء؛ أن تسكب وشلاً قليلاً، "وما ننزله إلا بقدر معلوم" لكنه، أروى الأرض الظامئة، التي كانت "خاشعة" فـ"اهتزت وربت" وبردت بعد لهب وتعب!


وقد رتب العرب تسمية المطر على شدته واشتداده..

فأول المطر رش وطش، ثم طل ورذاذ، ثم نضح ونضخ، وهو قطر بين قطرين، ثم هطل وتَهتان، ثم وابل وجَوْد.


وأحدس الذي أصابنا.. طل ورذاذ، ولكن، فرح الناس وطربوا، وضحك الأطفال ولعبوا، واطمأنت القلوب بعد قلبها، وارتاحت الأرواح بعد تعبها، وتنفست النفوس بعد لغبها!


فلا إله إلا هو من حكيم عليم، رحيم حليم، عظيم كريم، "وما بكم من نعمة فمن الله"


وقد كانت الغيوم تأتي، ثم تذهب، بل تقطر قطرات متفرقة منتثرة دون إرواء..

وقد قال جعفر: كانت الغيوم تجيء وتذهب، ولا تمطر، فيقول مالك بن دينار رحمه الله: أنتم تستبطئون المطر، وأنا أستبطئ الحجارة؛ إن لم تمطر حجارة، فنحن بخير.

(الزهد: ٥٤٣) للإمام أحمد.


قال أبو نعيم: رحمك الله، أبا يحيى.. إذا كان هذا في زمنك الطيب، فكيف بزمننا الخيب؟!

اللهم عوناً وصوناً.


وجاءت كلمة (المطر) في القرآن الكريم، على معنيين:

١- المطر بمعنى الحجارة، كقوله تعالى: "وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً" (الشعراء: ١٧٣) يعني حجارة.

٢- المطر يعني الغيث، كقوله تعالى: "أذى مِنْ مَطَر" (النساء: ١٠٢)


إذا ما تجدد فصل الربيع *** تجدد للقلب فضل الرجاءِ


عسى الحال يصلح بعد الذنوبِ *** كما الأرض تهتز بعد الشتاءِ


"إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين"


وكتب: وليد أبو نعيم

١٤٤٤/١٢/١٤