الأربعاء، 5 أكتوبر 2022

عجبي من رجلين: سيف الدولة وشاعر كندة!

 


عجبي من رجلين: سيف الدولة وشاعر كندة!


كان شاعر كندة "المتنبي"، يعيش في كنف الأمير الكريم، في رغادة عيش، وطراوة حياة؛ حتى دُقّ بينهما عطر المشؤومة منشم بنت عامر، -وما أكثر دقه ودقوقه من الحقدة الحسدة، لا كثروا ولا وفروا-!


وبعد وشايات شعواء، ونكايات نكداء؛ تبدد ذاك الهناء، وتقوض ذياك البناء، فصُعر خد الحبيب، ودوى الغصن الرطيب؛ فلم يحتمل شاعرنا، ذاك التغير المريب، وأوحى له إباء نفسه، وشكيمة روحه، بالقفول، فأزمع الرحيل، وصارم البلاط؛ حفظاً لماء وجهه، واحتفاظاً بأصالة معدنه، على لواعج الشوق، وكوامن الذكرى، إلى تلك المرابع، وتياك المراتع!

ولكن:

فإن إراقة ماء الحياةِ *** دون إراقة ماء المحيّا



وأما السيف.. فإنه بعد رحيل صاحبه، ومضيه إلى الأرض يدّرعها..  تحسر على فرق مفارقته، وندم على قطع منادمته؛ على أن عنده الجم الكثير من الشعراء والأدباء، ولكنه تشاكل الأرواح:


وتأنسُ النفس في نفسٍ توافقها *** بالفكر والطبع والغايات والقيمِ!


حاول استرضاءه، وعالج إرجاعه، إلا أن أنف صاحبنا قد حمي (وحسبك من أنف العربي، إذا حم)!


ولما يئس من عودة توأم فؤاده، وأيس من رجوع شقيق روحه.. وصله بوصله الجزيل، ومد إليه حبله المتين، ولم يتركه يتيه في بيداء الحاجة، ويتضور ذل الفقر، بل حفظ له الود، وعرف الجميل، فلم يزل باعثاً إليه هداياه، وحاذياً له حذاياه!

وصدق شيخ العربية، في قيله: "ومعرفة الجميل؛ خلق لا ينبغي التهاون به"!


إن السيف، على حدة سيفه، واحتداد نفسه.. لم يوسِع الفجوة، ويوسّع الخرق، بل سعى إلى فتقه ورتقه، على قدر وكده وجهده، فما أحراهما بالمديحة، وأجدرهما بالمنيحة.

وما أجمله من هجر جميل، لا أذية فيه، ولا شكاية منه!


وإني على الحالَين في العتب والرضى *** مقيمٌ على ما كان يعرف من وُدّي!



تعريج: وإني أمحضك صحيح النصح وأصرحه.. أن تعود إلى كتاب "المتنبي" للعلامة أبي فهر؛ فإنك واجد فيه ما يخلب لبّك، ويفك غلك، ويشفي غليلك، فلم يترك لغيره متركاً، وحسبك بمحمود في فتشه ونكشه، و"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء"



تعريك: قال أبو نعيم: وإني أنفث نفثة مصدور، معقباً على ما جرى بين الرجلين، فأقول: هذا ما كان بين أمير وشاعر، من: رفيع الخلق، وجليل الأدب، ومعرفة الجميل، وعرفان العشرة، دون مناكفة ومداورة، ومن دون كشف أسرار، وهتك أستار..


على خلاف بعض أهل زماننا، الذين يبهتون مخالفهم، وينتهبون أفضالهم، ولو كانوا ممن يشار عليهم، أو يرحل إليهم!


لما كان موافقاً لهم، كان، شيخ الإسلام، ومفتي الأنام، وحسنة الأيام.

فلما خالفهم أو خالفوه؛ إذ ينقلب الشيخ والمفتي والحسنة.. جهِلاً جاهلاً جهولاً مجهالاً مجهلاً مجهولاً، وهلم جراً وسحباً!


وليس هذا فحسب، بل يحاول أفدعهم وأقذعهم؛ إلصاقه كل دهية، وإلباسه كل رزية، فأين الدين والخلق والمروءة؟!


ولم يقف هؤلاء الخصمون، عند حد، بل يجيشون الجيوش والدساكر، ويجلبون بخيلهم ورجلهم، في خلع المسكين، من كل فضيله، ووصمه بكل رذيلة.


بل يسعون جهدين جاهدين، في قطع رزقه، ووقف عمله، حتى يصير مشرداً ساهماً، فيحكمون بعقوبته، ويتلذذون بضعفه وحاجته.. إنهم "لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة وأولئك هم المعتدون" قطع الله دابرهم، وهو فاعل سبحانه، فـ "لا يحيق المكر السيء إلا بأهله" و"قُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين".


وأجرؤ من رأيت بظهر غيبٍ *** على عيب الرجال أخو العيوبِ!


اللهم مسّكنا بالإسلام وأدبه.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/٢/٢٠

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق