السبت، 12 فبراير 2022

العشق بين اليوم وبين القوم!

 العشق بين اليوم وبين القوم!


‏‎‎كان الحُبُّ في القديم: عشقاً عفيفاً، وعَلقاً لطيفاً، ويعرف، بـ الحب العُذري؛ نسبة إلى قبيلة يمنية، شهرت بهذا العشق النظيف- الذي يكابد العاشق فيه الآلام والأوجاع، دون فحش أو وِقاع!


ولم يكن يُقصد إليه، أو يحرص عليه، إنما يكون -في الغالب- عرَضاً وصدفة، فيجيل النظر، ويطيل الفكر، حتى يغدو غراماً وهياماً.


قال ذو الرمة:

تلك الفتاة التي علقتها عرضاً *** إن الكريم وذا الإسلام يختلبُ


قال الباهلي: "شيء اعترضه، ولم يعلم به، إن الكريم "يختلب"، أي: يخدع عن عقله".

(شرح الباهلي: ١/ ٣٨)


وعند ذلك.. يتوله القلب ويتولع، ويتعلق الفؤاد ويتمزع.. لكن صاحبه، يعف ويكف، ويتورع عن السفاسف ويترفع، فلا يرفع غطاء، ولا يكشف مخبأ، ولا يهتك سوءة.


وليس هذا مطرداً في كل عاشق قديم، بل لعله العامّ الغالب، وإلا فقد وُجد الخارج عن هذا السمت السامي، إلى فعل الفواحش، وارتكاب المخازي.


قلت: وهؤلاء المبتلون بالعشق.. يأجرهم الله على صبرهم وكتمهم، وبُعدهم عن الحرام، وقد جاء في حديث: (مَن عشق فعفَّ فمات.. فهو شهيد)

وفي رواية: (مَن عشق وكتم وعف وصبر.. غفر الله له، وأدخله الجنة)

وهو حديث ضعيف، بل ذهب بعض أهل الحديث، إلى الحكم بوضعه.

"لكن المعنى الذي ذكره، دلّ عليه الكتاب والسنة؛ فإن الله أمر بالتقوى والصبر، فمن التقوى: أن يعفّ عن كل ما حرمه الله من نظر بعين، ومن لفظ بلسان، ومن حركة بيد ورجل. ومن الصبر: أن يصبر عن شكوى ما به إلى غير الله عز وجل، فإن هذا هو الصبر الجميل".

(مجموع الفتاوى: ١٤/ ٤٦٢)



قلت: وقد جاءت أخبار تعضد هذا المعنى الشريف، فقد روى البخاري.. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه؛ أضمن له الجنة)

والعاشق العفيف.. قد حفظ ما بين فخذيه، وهو الفرج، مع إسلامه وصلاحه وتقواه.



أما اليوم، فالعشق.. خبثاً وقذراً، ووسخاً ومسخاً، لا يتم، إلا بإهراء المستور، وإسماع المحظور، دون ابتغاء زواج أو عفاف، بل كسر زجاج، وسم زعاف!

فهو للتسلية والتزجية!


أقول: هذا في الأعم الأغلب، ولكن لا بد من الاستثناء حتى لا أهضم أو أظلم، والحكم يكون على كل فرد بمفرده، وكل أدرى بنفسه، وما توسوس به نفسه!


وعلى كل، فالعشق: مشغل للعقل، مبلبل للفكر، مزعج للقلب، مقلق للنفس، مؤذ للجسد.


ولا يتأتى العشق أصلاً، إلا مع تكرار النظر، وإعادة البصر، أما مجرد النظرة العابرة، فلا يكون معها نزوع وخضوع؛ لأنها لا تدرك المحاسن، ولا تبن المزاين، و"السلامة، لا يعدلها شيء". سلمنا الله أجمعين من الشرور والضرور والحرور.



ويحسن مراجعة ما ذكره الطبيب الروحاني، الإمام ابن القيم، في كتابه الفذ: (زاد المعاد: ٣/ ١٥٤)

بل ألّف كتاباً برأسه، عن هذا الخطر الخطير، وهو (الداء والدواء) ففيه كفاء وشفاء، لمن أراد الهداية والاهتداء.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٢/٦/٢٠


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق