الثلاثاء، 14 سبتمبر 2021

بابا، أنا جاوعة!

 بابا، أنا جاوعة!


هكذا -والله- سمعت هذه الكلمة الموجعة، من رجل في أواسط عمره، هكذا تقديراً مني، ولم أتبين وجهه؛ لأني لم أردْ أن أراه على حال لا يرضاها، (وأي حُرٍ يحب أن يرى ضعف الناس، سوى الأهجان؟!) ثم هو -كان الله له- كفاني هذا العذاب النفسي، فازورّ بوجهه إلى حيث لا يُرى؛ حياء وخجلاً! (وأي أبِيٍ يود إبصار الناس ضعفه؟!)


حينما ذكر ما قالت له ابنته، ولم يجد طلبتها.. نشج ونحب!

وحُق له -والله- ذلك.


وأي بلاء أمض وأحرض.. أن يطلب أولادك، ما يقيم أودهم، ويسدّ رمقهم، فتعجز!


والجوع، ليس بالمصطبر عليه، هذا للعتل الجافي، فكيف بالصغير الحافي؟!

وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم، من الجوع، فقال: (اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع).

رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وحسنه الألباني.


قال الطيبي: "استعاذ منه؛ لأنه يمنع استراحة البدن، ويحلل المواد المحمودة بلا بدل، ويشوش الدماغ، ويثير الأفكار الفاسدة، والخيالات الباطلة، ويضعف البدن عن القيام بوظائف الطاعات".

(الكاشف عن حقائق السنن: ٦/ ١٩١٧)


وكأني به، وقد تمنى أن لم يكن تزوج، أو لم يكن أنجب، بل وُدّ أن لا يكون وُلد، قبل سماعه هذه الشكوى المحرِضة!


لا أقول هذا اعتراضاً ولا انتقاضاً، وإنما من بابة قول أسامة بن زيد رضي الله عنهما: (حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)! متفق عليه.

 

إن البلاء طم وعم وغم وحم وصم، والبلاد دهستها الحروب، والمقتدر شح بما عنده؛ خوف النفاد!


ورأيت ديكاً مُتْخماً شَبِعاً ولمْ *** يرمِ الفُتات لجاره الجوعانِ!


والفقراء يصطلون بنار الغلاء، ويشكون قلة الحيلة!

لكنهم:


قد يأكلون لفرط الجوع أنفسهم *** لكنهم من قدور الغير ما أكلوا!


لكن، الناس (وأعني بالناس: الفقراء، أما المياسير، فقد اتكلوا على ما عندهم!) لم يعدموا الثقة بموعود الله تعالى، ولم يتخلوا عن التوكل على الوكيل، مع بذل الأسباب الشرعية، ولكن الأسباب، قد شحت جداً، وربما في بعض البلاد، عُدمت!


الجوع يسكن بيت كل معلّم *** والبؤس درساً في المدارس ساريا!


وهناك كلمة لا يزال طنينها يرن في أذني، لطالما لامستني: (لا أحد يموت من الجوع) وهكذا هم ماضون في حياتهم وحيواتهم، لا يفارقون الأمل، وإن ضاجعوا الإملاق، ولم يغادروا الفأل، وإن توسدوا الإعواز!


واليقين بالله سبحانه، والثقة بما عند الله.. أن يزول هذا البلاء، ولن يطول بإذن الله تعالى؛ فإن الأيام دول، والدهر قلّب، والأيام حبالى، يوشك أن تلد السمان، والرحمن كل يوم هو في شان!


ولو عليك اتكالي في الطعام إذاً *** لكنت أول مدفون من الجوعِ


فاصبروا يا قوم وتصبروا، وتمسكوا بإسلامكم، وتدثروا إيمانكم، وتوشحوا الإحسان، وتراحموا فيما بينكم، و"لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا" فالصبح لائح، والفرج آت، والنصر قريب "أليس الصبح بقريب"؟!


اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك، وارزقنا التحمل والتجمل، والصبر والرضا، والفأل والأمل.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/٢/٣




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق