الجمعة، 16 أبريل 2021

أحزان وندوب على فراق محمد أيوب!

 أحزان وندوب على فراق محمد أيوب!


استيقظت من نومي، وإذا بزوجتي تخبرني بفاجعة، وتصدمني بباقعة، وأتت بالخبر عن طريق السؤال -وهذا تلطف منها- أتدري من مات اليوم؟

حلقت وحملقت، ثم قلت لها: خيرا، من؟

قالت لي: مات القارئ محمد أيوب!

قلت: محمد أيوب القارئ؟

قالت: نعم، وهل تعرف قارئا غيره؟!


طأطأت رأسي: أسى وأسفا، ثم أخذت علاجا شافيا كافيا، وليس مهدئا خاويا، بل هو علاج رباني، أوصاني به ربي ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم: (إنا لله، وإنا إليه راجعون).

"الذين إذا أصابتهم مصيبة...." الآية.


 رحمك الله يا محمد، وأسكنك فسيح الجنان، وأنالك الرضوان، وأخلفك في الصالحين.


وكم تمنيت أن ألتقيك وأشافهك، وأثافنك، وأقرأ عليك القرآن الكريم الذي تترنم به، وتلهج به منذ صباك، حتى صارت قراءتك تخرج من قلبك وليس من لسانك!


تمنيت أن أقرأ عليك، وأنال منك الإجازة الإسنادية السماعية المتسلسلة إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام، إلى جبريل، إلى رب العزة والجلال، والملكوت والكمال، من تلفظ به ونطق، وأنزله على رسوله بحق "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" آخذه عنك حتى أسنجم في سلككم، وأنعقد في عقدكم، ولكن: "إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" "إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر" وماأخرني عنك إلا نأيي عن بلدك، وبعدي عن مقعدك، ولم أستطع تجاوز بلدي، والتجافي عن مرقدي -والحمد لله- فصبرت نفسي وعزيتها، وسليتها وواسيتها، ثم كتبت عنك كتابة خاطفة في (الفيس) فرأيت من الإقبال عليك لا عليها، والإعجاب بك لا بها، مئات من المترحمين عليك والمترجمين، والداعين لك والباكين -وهذا (من عاجل بشرى المؤمن)، كما جاء في الحديث-.


وكم تلهثت للصلاة عليك، -إن فاتتني الصلاة خلفك في حياتك-، حتى أنال فضل الله وكرمه، لكن بيني وبينك بعد المشرقين، فليت المعين!


لكني استبدلت شد الرحال -ولا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد- بالنظر إلى من صلى عليك من الرجال!! فرأيت ذلك الجمع الهائل، والحرم الكامل يصلون على من صلى بهم سنين عددا، ثم انقطع عن الإمامة لسنوات، فتمنى قبل موته أن يعود لذلك الشرف، فأعاده الله له وعطف، وبه لطف -وهذه من الكرامات الحسنة- وأهل السنة يؤمنون بالكرامات للصالحين، وهي من تثبيت الله للمؤمنين.

 

ورأيت الأعناق إليك مشرئبة، والرقاب إليك مرتقبة، والعيون عليك منتحبة !! فقلت: كأني بهذه الأعناق تتطاول لتنظر ذاك الراقد المحمول، وكأني بتلك الأعين تقول: اكشفوا الستر عن وجهه؛ لنقبله ونحضنه، ونودعه وداع الدنيا الآخر!


رحمك الله أيها المترنم بكلام ربك، والتالي لآياته آناء الليل وأطراف النهار "أمّن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما ..."


رحمك الله، فوجهك مضيء، يشي بالخير والصلاح "سيماهم في وجوههم من أثر السجود".


هنيئا لك، فإني سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديثا، يقول: (من ملئت أذنه من ثناء الناس، وجبت له الجنة) فنرجوا لك ذلك، وأنت خلو من معاديك، بل لم أسمع عنك إلا ثناء طيبا مباركا.


بل إني اليوم، أخبرت شابا عاميا لا يعرف عن الشيخ شيئا، سوى أنه يسمع له القرآن في إذاعة المملكة، فلما أخبرته؟

نظر إلي مدهوشا مشدوها متسائلا، وقد ترك ماكان بيده: أحقا ماتقول؟

قلت له: نعم.

فحولق واسترجع، وحزن عليه شديدا، مكررا عليه بالترحام.


وثان وثالث ورابع ... وعدّ ماشئت، ماأخبرت أحدا إلا ورأيت الحزن عليه باديا، والأسى منه شاكيا.


رحمك الله أيها المفضال، فقد سمعت عن الرسول عليه الصلاة والسلام، أنه قال: (من صلى عليه أربعون، إلا شفعوا فيه) وأنت قد صلى عليك أضعاف وآلاف، وألاف وخلاف!!


رضي الله عنك، لقد أحسنت التربية لبنيك، فحفظتهم كتاب الله الكريم، وهذا -لعمري- خير زاد وأفضل تركة، وهو من الصدقة الجارية (أو ولد صالح يدعو له) وأين يكون صلاح الولد، إلا بحسن التربية، فهنيئا لك.


وأخيرا: نصيحتي ووصيتي لأبنائك وذويك، بالصبر والاحتساب، والسير في طريقك الصالح، والاقتفاء لآثارك الطيبة، والصدقة الجارية عنك، وإخراج ترجمة وافية كافية شافية عن حياة والدهم، فإنهم يعلمون مالا يعلم الكثير.


آنسك الله في قبرك، وأعاد عليك من آثارك، وجعل القرآن أنيسك وونيسك وجليسك، وبوأك المنازل العالية، وأدخلك الجنة الغالية.


وأشهد الله على حبك، دون أن أراك، وإنما شيئ قذفه الله في قلبي، بدون تكلف مني أو ملق، بل هذا محض فضل من الله وكرم، أن يحبك من لا يعرفك.

وسلام الله عليك في الأولين والآخرين.


كتبه: وليد بن عبده الوصابي،،

١٤٣٧/٧/٨

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق