الأحد، 4 أبريل 2021

حمّال سبعيني!

 حمّال سبعيني!

الآن، العاشرة ليلاً، رأيت سبعينياً.. يجرّ عربة حمار، محمّلة بالأسمنت.. حنطي اللون، طويل القامة، شاحب الوجه، يلبس لباساً ممزقاً ممزعاً!


أردت إدخال السرور عليه، وإزاحة الكآبة عنه؛ فحادثته وساءلته، عن حاله وحالته؟!

فرأيت البِشر بادٍ عليه، والاستبشار واضح على محياه!

صحيح، أنه لم يبتسم، لكن لكْنة لسانه، وسحنة وجهه، وحركة لسانه.. تشي وتنطق بذلك.


وكان كل حديثه، حديث عقل ومروءة، وإباء وعزة، فمما قال بالعامية -مع إصلاح بعض الجمَل-:

- لا أمدّ يدي لمخلوق، إلا في مقابل عمل!

- ما دام تعمل بالحق والعرَق، فلن تقع!

- إذا جاء الليل، وأنا بدون فلوس، أمرض؛ رحمة بأحفادي!

- الأطفال أصحاب مُشترى، فما رأوه اشتروه!

- أولادي طلبوا مني ترك العمل، لكني لا أترك، ما دام عندي حيل وقوة!

- لا أستطيع ترك العمل، وأنا أرى حاجتي إلى الفلوس!


إلى غيرها من الكلمات الجميلة، والعبارات الحكيمة، وقد نسيت أكثرها؛ فإن حديثه كان كله كذلك، محتو على حكَم وتجارب وأمثال!


نظرت إليه، وقد احدودب ظهره، ورقّ عظمه، وابيض شعره، ونحل جسمه، واسود جسده، وتجعد جلده.. وهو لا زال في كفاح وعمل، وفأل وأمل!


إنه حمّل من متجر البائع على عربته، عشرين كيساً من الإسمنت- وزن الواحد ٥٠ كيلو، ثم أنزلها إلى المشتري!


يالله، أي قوة يملكها، وأي روح يعيشها، وأي نفْس ينفسها؟! أما قوته، فقد خارت، بتتابع السنين، وكلاحة الزمان، لكنه يملك روحاً لا تهدأ أو تمل، ونفساً لا تعرف الكسل! -قواه الله وأيده-.


إنّ حديثه، كان ممتلئاً بشكر الله وتحميده، والثناء عليه وتمجيده، وذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى، مفطور في النفوس تعظيمه، مؤصل في القلوب تفخيمه، لكن، لم يعرف ذلك الملحد، بلى، إنه عرف، ولكنه في مكابرة لنفسه، ومصادرة لعقله!

فاللهم ثباتاً وسداداً.


نظرتُ إليه، مشدوهاً، من جَلَده وصبره، مع حمده الله تعالى وشكره، وغيره الآن، ممن هم في سنّه، في راحة ودَعة، بل مَن هم في سن أولاده وأحفاده!


صحيح، أن هذا قضاء الله وقدره "ذلك تقدير العزيز العليم" ولكن، النفوس الشفيفة، مفطورة، على رحمة هؤلاء، والنظر إليهم بعين الشفقة.

وأيّ عربي أبيّ.. لا يرحم هؤلاء؟! اللهم، إلا، القساة الجفاة العتاة، فاللهم نأياً عنهم، ونعياً عليهم.


وتالله، إني احتقرت نفسي أمام كده وجده، ووددت، لو أقدر على مساعدته ومعاونته، لكن، الله يعلم ما تحمل كل نفس وكسبها!


فيا إخواني.. رفقاً بالآخرين، وشفقة عليهم، وحباً لهم، وإيصال الخير إليهم.. تكسبوا رضا ربكم، وثناء غيركم.

والله يتولانا بعنايته، ويرعانا برعايته.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٨/٢٣



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق