الثلاثاء، 30 مارس 2021

براءة الطفولة.. طفل يسقي رأس غنمة مذبوحة!

 


براءة الطفولة.. طفل يسقي رأس غنمة مذبوحة!


طفلاً، رأيت.. ببراءته .. بطفولته .. بصغر جسمه  .. بكبر فعله.. يتناول إناء فيه ماء، ويحاول جاهداً.. أن يسقي رأس غنمة مذبوحة!


أشجاني، وحرك ساكني، وأثار كامني، فتناولت طرسي وقلمي، لأجلس إلى هذا الطفل!

نعم، لأجلس إليه .. لأتعلم منه .. لآخذ عنه .. لأنهل من براءته!


فقد أخذتُ العلم -والحمد لله- عن كبار فطاحل، وأقرام سمادع، لكني اليوم، آخذه عن صبيٍ ناشئ، لم يحسن الخطو بعد!

فليس هذا بظائري..


وقد قال وكيع بن الجراح الرؤاسي: "لا ينبل الرجل من أصحاب الحديث، حتى يكتبه -أي: الحديث والعلم- عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو  دونه".

(المقنع في علوم الحديث: ١/ ٤١٢)


فها أنا آخذ العلم، عمن هو دوني سناً، وأبثُّ ما تعلمته إلى العالمين!


وكم هي العبرة والعظة والموعظة، عندما تكون من صغير، لا بجسمه النحيل الضئيل، وإنما بخلقه النبيل الجميل!

فدونكم دروس على الطروس:


قلت من فيض خاطري:

هذه البراءة، بأبهى حلة، وأنصع صورة.. فلا حقد ولا انتقام، بل رحمة واحترام، وألفة و(وئام)!


رأى رأس غنمته، قد فصل عن جسدها، وهو لا يدري ما الخطب؟!


إلا أنه شعر أن هناك مكروهاً، أصابها، وألماً حلّ بها!

فأسرع إلى الماء؛ لينقذها؛ لأن في الماء الحياة والنماء.

وهذا هو كل ما يملك، ويسطيع!


صائحاً بها: هيا، اشربي .. اشربي.. غنمتي، أرجوك.. مالك لا تجيبين.. أووو، اشربي.. مللت الانتظار  .. تعبت والقدح في يدي الصغيرتين!


غنمتي.. ماذا أصابك  .. مالذي حل بك.. هل أنت مريضة  .. هل أنت حزينة  .. هل أنت جوعى .. هل أنت عطشى؟!


ها هو الماء.. اشربي، ستشفين، ستقومين!


وأخذ يعدد عليها، كماً من الأسئلة البريئة.. علها، أن تجيبه، ولكن: للأسف، لم يظفر بجواب، بل كان في أحلام وسراب!


كل هذا؛ لأنه يحبها، ولأنها لم تؤذه، ولأنه كان يلاعبها وتلاعبه!


هل أدركتم لماذا نحب الأطفال، ويحبوننا؟

لأنهم، لم يؤذوننا، ولم يقفوا في طريق نجاحنا.

إنها البراءة، فلماذا لا تلازم الصغار، حتى يكون كبارا؟!


آه، يا صغيري: إنك لا تدري ما الحياة، وكيف هي مكابدتها "لقد خلقنا الإنسان في كبَد".


إنك يا حبيبي: لا تفهم هذه الأمور المُعقّدة؟!


ترى، كيف تجيبك، وقد قُطعت أوداجها، وشخبت دماؤها؟!


آه، يا عزيزي -حفظك الله، ودُمت على برائتك- مسكين أنت، لا تدري ذلك، ولا تعرف ما هنالك؟

إن هذا هو الموت، بأبشع صوره  .. إنه الفناء .. إنه البِلى.


حفظك الله -يا صغيري-.. فقد فعلت ما بوسعك؛ لتُفادي وتفتدي هلاك حيوان!

وهناك أمّة، تعمل ما بوسِعها، لفناء أمّة!


حفظك الله -يا صغيري-.. تريد أن تُلئم الجرح، وترقع الفتق، وتخيط الخرق!

وهناك أمة، تسعى لشقاء أمة، والفتك بها، والقضاء عليها!


حفظك الله -يا صغيري-.. أراك تكره القتل والدماء، وتسعى للعيش والبقاء!

وهناك أمة، تسعى، لفناء أمة، وقطعها من جذورها، وقطعها عن أوصالها!


هذه قراءات، -يا صغيري- قرأتها، من فعلك البريء، ولو أردت، لزدت وأطلت!


ولكن عسى، أن يكون فيما عليه اقتصرت؛ عبرة لمعتبر، وتنبيه لمدّكر.


وكتب: وليد بن عبده الوصابي،،

١٤٣٧٢/١٥



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق