السبت، 20 فبراير 2021

الفرع والوفيرة في حكم الفرع والعتيرة!

 الفرع والوفيرة في حكم الفرع والعتيرة!


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

وبعد:


فإن الذبح.. عبادة بدنية مالية، لا تشرع إلا بدليل؛ لأن الأصل في العبادات، التوقف.


والذبائح، أنواع كثيرة، منها: ذبيحة الفرع والعتيرة، وتطلق على شاة، كانوا يذبحونها، في العشر الأُول من رجب.


وتطلق أيضاً: على الذبيحة التي كانوا يذبحونها لأصنامهم، ثم يصبّون دمها على رأسها.


وقد اختلف الفقهاء، في حكمها، على أقوال، ملخصها، ثلاثة أقوال:


الأول: الكراهة؛ وهو قول المالكية، وقول لبعض الشافعية، والحنابلة؛ وحجتهم: أن العتيرة، منسوخة.


واستدلوا، بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لا فرع ولا عتيرة).

رواه البخاري.


وجزم الشيخ محمد ابن إبراهيم آل الشيخ، في (فتاويه: ٦/ ١٦٥) بتحريم العتيرة، وقال: "قوله صلى الله عليه وسلم: (لا فرع ولا عتيرة) فيما أفهم الآن، أنه: أقرب إلى التحريم".



الثاني: الاستحباب؛ وهو قول لبعض الشافعية، والحنابلة.


واستدلوا، بعدة أحاديث، منها:

عن مخنف بن سليم الغامدي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال بعرفات: (يا أيها الناس، على كل أهل بيت، في كل عام أضحية وعتيرة.. هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تسمونها: الرجبية).

رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والبيهقي، وحسنه الألباني في (صحيح أبي داود).


وعن نبيشة، أنهم قالوا: يا رسول الله: إنا كنا نعتر في الجاهلية، يعني في رجب؟ قال: اذبحوا لله، في أي شهر كان، وبرّوا لله، وأطعموا).

رواه النسائي.


وعن الحارث بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل عن الفرع والعتائر؟ فقال: من شاء فرع، ومن شاء لم يفرع، ومن شاء عتر، ومن شاء لم يعتر).

رواه النسائي، وضعفه الألباني، في (ضعيف النسائي)


وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل عن العتيرة؟ فقال: العتيرة حق).

رواه أحمد، والنسائي، وحسنه الألباني، في (صحيح الجامع: ٤١٢٢)



وهو قول ابن سيرين وغيره من العلماء.


قال ابن رجب: "وحكاه الإمام أحمد، عن أهل البصرة، ورجحه طائفة من أهل الحديث المتأخرين، ونقل حنبل عن أحمد نحوه".

(لطائف المعارف: ١١٧).


وقال ابن رجب أيضاً: "وهؤلاء جمعوا بين هذه الأحاديث، وبين حديث أبي هريرة (لا فَرَع ولا عتيرة) بأن المنهي عنه هو: ما كان يفعله أهل الجاهلية من الذبح لغير الله، وحمله سفيان بن عيينة على أن المراد به نفي الوجوب.

(اللطائف: ١١٨).



قال ابن حجر: "واستنبط الشافعي، منه: الجواز؛ إذا كان الذبح لله، جمعاً بينه وبين حديث (الفَرَع حق)؛ وهو حديث أخرجه أبو داود، والنسائي، والحاكم، من رواية داود بن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو.


وقال الشافعي -فيما نقله البيهقي من طريق المزني عنه-: الفَرَع شيء كان أهل الجاهلية يذبحونه، يطلبون به البركة في أموالهم، فكان أحدهم يذبح بكر ناقته أو شاته؛ رجاء البركة فيما يأتي بعده، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، عن حكمها، فأعلمهم أنه لا كراهة عليهم فيه، وأمرهم استحباباً، أن يتركوه حتى يحمل عليه في سبيل الله.


وقال النووي: نص الشافعي، على أن الفرَع والعتيرة.. مستحبان.


وقال أيضاً: الصحيح، عند أصحابنا: استحباب الفرَع والعتيرة".

ينظر: (فتح الباري: ٩/ ٥٩٦) بتصرف.



الثالث: الإباحة، وهو قول وسط، بين التحريم والاستحباب؛ جمعاً بين الأدلة.

قال ابن حجر: "وقوله (حق)؛ أي: ليس بباطل، وهو كلام خرج على جواب السائل، ولا مخالفة بينه وبين الحديث الآخر: (لا فَرَع ولا عتيرة)؛ فإن معناه لا فرَع واجب، ولا عتيرة واجبة، وقال غيره: معنى قوله: (لا فرَع ولا عتيرة)؛ أي: ليسا في تأكد الاستحباب كالأضحية؛ والأوَّل، أولى".

(فتح الباري: ٩/ ٥٩٦)


وأورد المجد ابن تيمية، في (المنتقى) عدة أحاديث، في مشروعية العتيرة، فقال الشوكاني، في (نيل الأوطار: ٥/ ١٦٦): "وقد اختلف في الجمع بين الأحاديث المذكورة، والأحاديث الآتية، القاضية بالمنع من الفرَع والعتيرة، فقيل: إنه يجمع بينها، بحمل هذه الأحاديث على الندب، وحمل الأحاديث الآتية على عدم الوجوب ذكر ذلك جماعة؛ منهم: الشافعي، والبيهقي وغيرهما، فيكون المراد بقوله: (لا فَرَع ولا عتيرة)؛ أي: لا فرع واجب، ولا عتيرة واجبة".


وقال ابن قدامة: "فإذا ثبت هذا.. فإن المراد بالخبر؛ نفي كونها سنة، لا تحريم فعلها، ولا كراهته، فلو ذبح إنسان ذبيحة في رجب، أو ذبح ولد الناقة لحاجته إلى ذلك، أو للصدقة به، أو إطعامه.. لم يكن ذلك مكروهاً".

(المغني: ٩/ ٤٦٥)


وقال النووي: "فأما تفريق اللحم، على المساكين.. فبر وصدقة، وقد نص الشافعي، أنها: إن تيسرت كل شهر، كان حسناً".

ينظر: (شرح مسلم: ١٣/ ١٣٧) و(المجموع: ٨/ ٤٤٦) و(روضة الطالبين: ٣/ ٢٣٣)



وقال الألباني: "هذا، وقد أفادت هذه الأحاديث.. مشروعية الفرَع؛ وهو الذبح أول النتاج، أن يكون لله تعالى، ومشروعية الذبح في رجب وغيره، بدون تمييز وتخصيص لرجب على ما سواه من الأشهر، فلا تعارض بينها وبين الحديث المتقدم (لا فَرع ولا عتيرة)؛ لأنه إنما أبطل صلى الله عليه وسلم، به الفرع، الذي كان أهل الجاهلية يذبحونه لأصنامهم، والعتيرة -وهى الذبيحة- التي يخصون بها رجباً، والله أعلم).

(إرواء الغليل: ٤/ ٤١٣)


وأجازها شيخنا العلامة مقبل الوادعي، بتصحيحه حديث نبيشة، قال: "هذا حديث صحيح، على شرط الشيخين".

(الجامع الصحيح: ٤/ ٢١٤).


وأجاز الشيخ العثيمين: الفرع، وكره العتيرة.

(الشرح الممتع: ٧/ ٣٢٥)


وأجابوا عن حديث: (لا فرَع ولا عتيرة).. بثلاثة أجوبة:


أحدها: أن المراد، نفي الوجوب.


الثاني: أن المراد، نفي ما كانوا يذبحونه لأصنامهم.


الثالث: أن المراد، أنهما ليسا كالأضحية، في الاستحباب، أو ثواب إراقة الدم.


وأجابوا عن دعوى النسخ.. بأنها غير مسلّمة، ولا يقال بالنسخ هنا؛ لرواية الحارث بن عمرو -والذي فيه الأمر بالعتيرة- وكان ذلك في حجة الوداع، وهي بعد إسلام أبي هريرة، كما هو معلوم.


وكذلك الأحاديث، الدالة على النهي عن العتيرة، ليس فيها بيان زمن وقوع النهي بالنسخ؛ فلا يصار إليه.


ثم إنه، يمكن الجمع بين القولين؛ بأن تحمل أحاديث النهي، على من قصد الذبح للصنم، أو الذبح لغير الله تعالى، والأحاديث الأخرى، على الأصل والجواز، ومن قرأ أقر.



والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.



وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.

١٤٣٦/٧/٨

١٤٣٨/٧/٣

١٤٤٢/٧/٧


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق