الاثنين، 21 ديسمبر 2020

الأحكام الجاهزة والنقد المغلّف!

 الأحكام الجاهزة والنقد المغلّف!


تسمع أحياناً، حُكماً على رأي أو شعر أو نثر أو شخص.. فلما تحملق إليه، وتتمعن فيه، لا تجد وجهاً للنقد، ثم تعيد الكرة أخرى، مصوباً النظر، ومقلباً البصر، فتجد أن لا وجه للنقد، وترى أن النقد كان جاهزاً مغلفاً مغفلاً مقفلاً، مسروقاً من غر أو غمر أو حاسد أو شانئ!


جاء الناقد الكبير، فتسلمه كما هو برباطه، ولم يفتحه لينظر فيه، ويبحث عن جينته، ويحرث في طينته!


لم يكن لدى صاحبنا الناقد الخبير، الوقت الكافي، لفك الوكاء، أو خرش العفاص، فاستعمله كما وجده، فإذا به مسموماً مجذوماً، فأمرض قوماً، وأمات آخرين!

فلله الأمر من قبل ومن بعد.


هذا هو حال الكثير من الناقدين، الذين لا يبالون للكلمة بالاً، وكأنهم لا يحذرون الآخرة، ولا يرجون رحمة ربهم، وكأني بهم، قد غاب عنهم، وعيد الطعن في الأعراض، واللمز في الأغراض.


قال العلامة محمد البشير الإبراهيمي: "وأخسّ المنازل للرجل.. منزلة القول بلا عمل، وأخس منها، أن يكون الرجل كالدفتر يحكي ما قال الرجال، وما فعل الرجال، دون أن يضرب معهم في الأعمال الصالحة بنصيب، أو يرمي في معترك الآراء بالسهم المصيب".

(آثار محمد البشير الإبراهيمي: ١ /٥٦)


يتتابعون على نقد بلاد أو عباد، خالفاً عن سالف، دون نظر وتبين، بل محض تقليد وتبعية.


فكم هُجر شعر وشاعر، أو صُرم نثر وناثر، بلا حجة داحضة، بل بلجة خائضة، وإذا تمعنت في هذا المنقود والمهجور، رأيته قد سما العلياء، وجاوز الجوزاء، ولكنه ابتلي بنقد ممض مقض، من عَلم شهير صيّت، فأحبطه وأهبطه!


وإن أردت أمثلة.. فدونك الكتاب الرائع (الثورة والثقافة في اليمن: ٤٦٨) وما حولها، وثنايا، كتاب (الرؤوس) للأديب مارون عبود.


قال شيخ الإسلام: "ﻓﺈﺫا ﻛﺎﻥ اﻟﻤﻌﻠّﻢ ﺃﻭ اﻷﺳﺘﺎﺫ، ﻗﺪ ﺃﻣﺮ ﺑﻬﺠﺮ ﺷﺨﺺ، ﺃﻭ ﺑﺈﻫﺪاﺭﻩ ﻭﺇﺳﻘﺎﻃﻪ ﻭﺇﺑﻌﺎﺩﻩ ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ، ﻧﻈﺮ ﻓﻴﻪ: ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻓﻌﻞ ﺫﻧﺒﺎً ﺷﺮﻋﻴﺎً، ﻋﻮﻗﺐ ﺑﻘﺪﺭ ﺫﻧﺒﻪ ﺑﻼ ﺯﻳﺎﺩﺓ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺃﺫﻧﺐ ﺫﻧﺒﺎً ﺷﺮﻋﻴﺎً، ﻟﻢ ﻳﺠﺰ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﻗﺐ ﺑﺸﻲء ﻷﺟﻞ ﻏﺮﺽ اﻟﻤﻌﻠﻢ ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻩ ... ﻭﺇﺫا ﻭﻗﻊ ﺑﻴﻦ ﻣﻌﻠﻢ ﻭﻣﻌﻠﻢ، ﺃﻭ ﺗﻠﻤﻴﺬ ﻭﺗﻠﻤﻴﺬ، ﺃﻭ ﻣﻌﻠﻢ ﻭﺗﻠﻤﻴﺬ ﺧﺼﻮﻣﺔ ﻭﻣﺸﺎﺟﺮﺓ، ﻟﻢ ﻳﺠﺰ ﻷﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﻦ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ، ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﺤﻖ، ﻓﻼ ﻳﻌﺎﻭﻧﻪ ﺑﺠﻬﻞ، ﻭﻻ ﺑﻬﻮﻯ، ﺑﻞ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ، ﻓﺈﺫا ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻪ اﻟﺤﻖ، ﺃﻋﺎﻥ اﻟﻤﺤﻖ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺒﻄﻞ، ﺳﻮاء ﻛﺎﻥ اﻟﻤﺤﻖ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ، ﺃﻭ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻏﻴﺮﻩ، ﻭﺳﻮاء ﻛﺎﻥ اﻟﻤﺒﻄﻞ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ، ﺃﻭ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻏﻴﺮﻩ، ﻓﻴﻜﻮﻥ اﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻋﺒﺎﺩﺓ اﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ، ﻭﻃﺎﻋﺔ ﺭﺳﻮﻟﻪ، ﻭاﺗﺒﺎﻉ اﻟﺤﻖ ﻭاﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎﻟﻘﺴﻂ".

(مجموع الفتاوى: ١٥/٢٨)


وقال ابن القيم -عن المقلدة-: "... فإنهم يقلدون العالم، فيما زلّ فيه، وفيما لم يزل فيه، وليس لهم تمييز بين ذلك، فيأخذون الدين بالخطأ -ولا بد- فيحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، ويشرعون ما لم يشرع، ولا بد لهم من ذلك؛ إذ كانت العصمة منتفية عمن قلدوه، والخطأ واقع منه، ولا بد".

(إعلام الموقعين: ٣٧١)


فإذا جاء شجاع سميدع، ليزيل هاته التهمة البائرة، والبهمة الخائرة، عن ذلك المظلوم المهضوم، رأيتَ له النابز والغامز والهامز، وكأنه دخل حِمى محرماً، أو تناول نصاً معصّما.

لكن، لا يعدم في كل زمن، من يرفع عقيرة الحق، ويصيح بإرجاع النصاب إلى الخلق.

والله المستعان.


قال الإمام الشوكاني، في مقدمة كتابه (نيل الأوطار: ١٤):

"وقد قمت -ولله الحمد- في هذه المقامات، مقاماً لا يعرفه إلا المتأهلون، ولا يقف على مقدار كنهه من حملة العلم إلا المبرّزون، فدونك يا من لم تذهب ببصر بصيرته، أقوال الرجال، ولا تدنّست فطرة عرفانه، بالقيل والقال، شرحاً يشرح الصدور، ويمشي على سنن الدليل وإن خالف الجمهور، وإني معترف أن الخطأ والزلل هما الغالبان، على من خلقه الله من عجل، ولكني قد نصرت ما أظنه الحق بمقدار ما بلغت إليه الملكة، ورضت النفس حتى صفت عن قذر التّعصب الذي هو بلا ريب الهلكة".


إذا المشكلات تصدينني *** كشفت حقائقها بالنظر


ولست بإمعة في الرجال *** أسائل هذا وذا ما الخبر


ولكنني مدره الأصغرين *** فتاح خير وفراج شر


ففتشوا ونبشوا -رحمكم الله-، قبل الحكم الجاهز، أو الرأي المغلف، "أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين".

والله العاصم والقاسم.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٥/٥


#مقالاتي_ومقولاتي

#أنابيش_الكنانيش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق