الجمعة، 6 نوفمبر 2020

مصطفى أمين اللغوي، ومصطفى أمين الصحفي!

 

مصطفى أمين اللغوي، ومصطفى أمين الصحفي!


مررت بكلمة للأستاذ أنور الجندي، في مذكراته (شهادة العصر والتاريخ: ٢٥٣) يقول: "بل إننا لنرى هؤلاء الصحفيين، الذين وصلوا سن السبعين وعدّوها، وهم لا يزالون يكتبون في الجنس، أمثال: زكي عبد القادر، ومصطفى أمين ...".


تعجبت، مَن مصطفى أمين هذا؟ هل هو المشارك في تأليف الكتابين الدرسيين (النحو الواضح) و(البلاغة الواضحة)؟!

رجوت، أن لا يكونه!

إن كان هو هو؛ "إنها -إذاً- لإحدى الكبر"!


عدت إلى بحث سريع.. فوجدت خلطاً وخبطاً.. منهم من يثبت أنه هو، ومنهم من ينفي، ومنهم من ينسب ما ليس لأحدهما، للآخر..، وهكذا.


لم أشتفي، فواصلت البحث، حتى تبين لي: أن هذا المراهق الكبير، ليس هو صاحبي وأستاذي، وأستاذ جيل كبير من الطلبة والشيوخ، -حتى أني وقفت: أن الشيخ ابن عثيمين، درَس (البلاغة الواضحة)-، ففرحت وجذلت، وحمدت الله وشكرته، أن لم يكن هو، ذلك الزعنف!


ولما وصلت إلى حاق الأمر وحقيقته، ورأيت الغلط والخلط بينهما.. أحببت أن أكتب عن الرجلين، بياناً مقتضباً؛ إحقاقاً للحق، وإمعاناً في الصدق، ورد القدر إلى نصابه، والأمر إلى صوابه، فأقول، وبالله أصول وأجول:


الأستاذ اللغوي مصطفى أمين بك، المفتش المساعد لكبير مفتشي اللغة العربية بوزارة المعارف، وهو صاحب الأستاذ علي الجارم في كتب: النحو الواضح، والبلاغة الواضحة، وعلم النفس.


-تخرج من دار العلوم، سنة ١٩٠٧م، وبعدها، أوفدته الوزارة إلى إنجلترا، مع زملاء له آخرين لإتمام دراستهم في جامعة اكستر، فمكث أربع سنوات، قضاها هناك في التحصيل والدرس.


-ابتدأ حياته في التعليم، سنة ١٩١١م، وتنقل في معاهده المختلفة: من المدارس الابتدائية، إلى المدارس الفنية، إلى المدارس الثانوية، ثم إلى دار العلوم، وقد توافر في هذه المعاهد على تدريس اللغة العربية، وعلوم التربية والأخلاق.


-في سنة ١٩٢٣م، عيّن مفتشاً بوزارة المعارف، وقد أنعم عليه في سنة ١٩٢٤م، بنيشان النيل الخامس.


-في سنة ١٩٣٩م، عيّن مراقباً مساعداً للتعليم، بمنطقة القاهرة.


-في سنة ١٩٤١م، عيّن مساعداً لكبير مفتشي اللغة العربية.


-في سنة ١٩٤٤م، ندبته الوزارة كبيراً لمفتشي اللغة العربية، وعند إحالته إلى المعاش، أنعم عليه برتبة البكوية من الدرجة الثانية.


مؤلفاته:

-تاريخ التربية.

-علم النفس، وضعه مع الأستاذ علي الجارم بك.

-النحو الواضح، وضعه مع الأستاذ علي الجارم بك.

-البلاغة الواضحة، وضعها مع الأستاذ علي الجارم بك.

-مؤلف في الأخلاق.

-مؤلف في الصحة المدرسية، وضعها مع أستاذ بدار العلوم، ولم يطبعها.


هذا "وقد كان هادئاً جداً، ثابتاً، متئداً في شرحه، صريحاً لا يكاد يبتسم إلا بسمة يسيرة كثيراً ما تكون تهكماً، ولم أره يقهقه قط، ولا يرفع صوته، ولا يتراجع عن موقفه"! كما يقول تلميذه أحمد سالمان.


وفي جواب من الأستاذ منصور مهران، في شبكة الألوكة (المجلس العلمي - مجالس العلوم الشرعية - مجلس اللغة العربية وعلومها) قال:

"مصطفى أمين، الذي شارك الجارم في تأليف: النحو الواضح، والبلاغة الواضحة.. كان مدرساً للغة العربية بالمدارس الأميرية بمصر، وكان الجارم مفتشاً آنذاك، فلمس من هذا المدرس جانباً علمياً توضيحياً سهلاً يقرب مادة اللغة العربية إلى أذهان الطلاب مُيَسَّرة جذابة، فتوطدت العلاقة بينهما، وعرض الجارم على صديقه مصطفى أمين -وهو الأصغر سِنّاً- فكرة تأليف كتاب في النحو، على نمط كتاب: حفني ناصف وزملائه، مع العناية بالتمارين التي تثبت القواعد في الأذهان، وتربي مَلَكَة التعبير الصحيح، فنشأ بينهما كتاب (النحو الواضح) بقسمَيْه، وكذلك كتاب (البلاغة الواضحة) مع دليل البلاغة الواضحة، الذي يختص بإجابات التمارين الواردة في كتاب البلاغة الواضحة كلها.

وبلغني، أنه توفي بعد الجارم بسنوات قلائل، في خمسينيات القرن الماضي.

هذا مقدار ما أعرفه عن الرجل، وليس هو قطعاً مصطفى أمين الصحفي المتوفى سنة ١٩٩٧م".



قال أبو نعيم: هذا، ما استطعت معرفته، عن هذا اللغوي الفاضل، والنحوي النائل، وهي نتف بحاجة إلى زيادة وإتمام، ومن عرف شيئاً عنه، فليجُد به علي -جاد الله عليه-.


ولعل ما يفسر شيئاً من غموضه، أنه كان يركن إلى الخمول، ولا يطاول بنفسه، ولا يعدها شيئاً، بل كان يذكر: أنه "رجل لم يكن في التعليم، ولا في الحياة العامة، إلا أثر ضئيل يسرف الإخوان والزملاء، حين يذكرونه بشيء من التقدير"!


رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري تحتها الأنهار، وجزاه الله خيراً، كفاء ما علم ودرس وألف وشرح وصنف، و"إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا".


ينظر في ترجمته: (تقويم دار العلوم: ١/ ٢٠٥- ٢٠٧) للأستاذ محمد عبد الجواد.



والآن نأتي إلى الرجل الآخر، الذي اشتبه اسمه، باسم أستاذنا (مصطفى أمين)، وبينهما بوناً شاسعاً، ولوناً واسعاً، في العلم والمعرفة والدين والخلق والفضل والأدب والشهرة والمكانة!


-هو الصحفي الكاتب مصطفى أمين، ولد في القاهرة، ١٩١٤م، مع شقيقه علي.


-بدأ العمل في الصحافة، مبكراً، وذلك عندما قدم مع شقيقه، مجلة "الحقوق" التي اختصت بنشر أخبار البيت، في سن الثماني سنوات، تلا ذلك إصدارهما لمجلة "التلميذ" عام ١٩٢٨م، ثم أصدرا مجلة "الأقلام".


-في عام ١٩٣٠م، انضم للعمل بمجلة "روز اليوسف"، وبعدها بعام تم تعيينه نائباً لرئيس تحريرها، وهو لا يزال طالباً في المرحلة الثانوية.

ثم انتقل للعمل بمجلة "آخر ساعة"، التي أسسها محمد التابعي.

وأصدر أيضاً: "مجلة الربيع" و"صدى الشرق".


-سافر إلى أمريكا، لإكمال دراسته، فالتحق بجامعة جورج تاون، ودرس العلوم السياسية، وحصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية مع مرتبة الشرف الأولى عام ١٩٣٨م، ثم عاد إلى مصر، وعمل مدرساً لمادة الصحافة بالجامعة الأمريكية لمدة أربع سنوات.


-صدر عليه الحكم بالسجن تسع سنوات.


-نفذ هو وشقيقه، مشروعاً، أطلقا عليه "ليلة القدر".


-كان هو وشقيقه، صاحبا بدعة "عيد الأم" و"عيد الأب" و"عيد الحب".


-أنشأ هو وشقيقه، جائزة مصطفى وعلي أمين الصحفية، وامتدت للمصورين، ورسامي الكاريكاتير، وسكرتارية التحرير الفنية، والفنانين!


-كان وثيق الصلة، بالفنانين.


من مؤلفاته:

-تحيا الديمقراطية.

-من عشرة لعشرين.

-من واحد لعشرة.

-نجمة الجماهير.

-أفكار ممنوعة.

-الـ 200 فكرة.

-سنة أولى حب.

-ست الحسن.

-قال أزمة.

-الأسماء لا تموت.

-مشاهير الفن والصحافة.

-صاحبة الجلالة في الزنزانة.

-الحب لا.


توفي عام ١٩٩٧م، بعد حياة مليئة بالزور والشرور والضرور، ومحاربة الفضيلة، وإحياء الرذيلة!

فلا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.


عبرة: ما ضر مصطفى أمين (الأول).. غمور ذكره، وخفوت اسمه، ونفوق سيرته؛ وقد أحيا روحه، وريا قلبه.. بتواليف نافعة، وإيمان صادق، فقد رأيت له بعض تواليفه، يبتدئها بالبسملة والحمدلة والتصلية، ويختمها كذلك، والعلمانيون؛ ينفرون منها، نفور الغنم من الذئب والقسورة!


وما نفع مصطفى أمين (الثاني) لموع اسمه، وبروز ذكره، ونفوق سيرته، حتى غطت على الأول، وغمطت حقه؛ وقد أمات قلبه، ووقح وجهه، بحرب العقيدة، وقذع الدين، وصحبة الفنانين والبطالين!

(اللهم يا ولي الإسلام وأهله، مسكنا بالإسلام حتى نلقاك به).


مراجع ترجمته كثيرة، وجلها، تبجله وتعظمه، وانظر في كشف بعض بلاياه وخزاياه، السيرة الذاتية، للأستاذ أنور الجندي (شهادة العصر والتاريخ: ٢٥٣) وما حولها. و(الصحافة والأقلام المسمومة: ٩٩- ١٠٦)، للأستاذ أنور الجندي -أيضا-.



تنبيه: في أثناء بحثي، وجدت غيرهما، ممن شابهت أسماؤهم، أسماؤهما:

-مصطفى أمين التازي، صاحب كتاب (محاضرات في علوم الحديث)


-مصطفى أمين حسام الدين، والذي أشرف على رسالة الأستاذ وليد غالي نصر غالي (قواعد البيانات الببليوجرافية للمخطوطات العربية في مصر: دراسة تقييمية لبنيتها وأساليب إتاحتها).


-مصطفي أمين الرفاعي، صاحب الموازنة بين المتنبي وشوقي وبيان أوجه التشابه وأوجه الاختلاف.



هذه لمحات وومضات، كتبتها، في الفُرقة بين عَلمين: أحدهما: أريض، والآخر: جريض، "ولتستبين سبيل المجرمين"، "ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون"، "وربك يخلق ما يشاء ويختار"، وسبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٣/١٩




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق