السبت، 14 نوفمبر 2020

صاحبي يبغي جوابي! المقامة السفرية الضجرية!

 

صاحبي يبغي جوابي!
المقامة السفرية الضجرية!

أتاني؛ مكفهر الوجه، زام الشفة، كسيف الخاطر، أسيف البال، مهيض الجناح.. وكأن جوارحه تنطق بحاله، وتحدث عن تبلبل باله؛ لكن للذكاء حدود لا يتجاوزه!

سألته عن بثّه وعثه وجثه؟!
فقال: أيقنت يا أبا نَعيم؛ أن الصفاء والوفاء والنقاء والإخاء.. قد رحل ومحل ونحل!

وأنشد بيتي صفي الدين الحلي:
لما رأيت بني الزمان وما بهم *** خل وفِيٌ للشدائد أصطفي
أيقنت أن المستحيل ثلاثة: *** الغول، والعنقاء، والخل الوفي!

نظرت إليه، وخففت عليه؛ -لأن هاته شكواي وبلواي، وهي شكوى وبلوى كل أبي كمي!- وكأني وجدت مواخياً وموافياً وملافيا!
وسألته: ماذا دهاك، وماذا نزل في بهواك؟!

قال: ضجرت من مكاني، ووحشت من زماني؛ فنشدت ترويحاً، وأسدت تفريحاً..

فأخبرني صديق جديد(!)، -لم أخبُره ولم أسبره-؛ عن سفره براحلته إلى أرض خضراء، لكنّ طريقها غبراء!

شددت حزمي، وسددت عزمي، وبدأنا الرحلة الزائفة الجائفة الحائفة النائفة..

بدأنا نطوي الفدافد والقفار، ونسوي الجلامد والأحجار، مع البسمات المرسومة، والضحكات الموهومة!(ألا أفٍ لضحكة خائبة، وتفٍ لبسمة كاذبة)!

قلت: هوّن عليك يا صديقي، فلا زال في الناس بقية، ولم يكن الكل ذا تقية!

قال -متنهداً، ووجهه متجعداً-: أعلم ذلك أبا نعيم؛ وقد تعلمت منك قول الرسول الكريم، عليه الصلوات والتسليم: (من قال: هلك الناس؛ فهو أهلكُهم، أو أهلهكَهم)! لكن البقية الباقية هذه؛ أوزاعاً متفرقين، وأذراعاً متضيقين!

قلت: أكمل حديثك المُمض، وقيلك المُرضّ؟

قال: دعني من تفاصيل حديثي الملغب، وقَيلي المغلب؛ فكأنما أقدّه من صخور، وأجرّه بسيور.. لكن خلاصته- (وما أكثر ما تجد الخيانات، هاته هي الخلاصات)!

قلت: مه، وما وراء ذياك المهمه؟!

قال: ألخصه لك في وسمك الوسيم: #شعر_وتعليق في جذاذة منه نادرة، علقتَ فيها على بيت سائرة:

إذا قلّ مال المرء؛ قلّ صديقه *** وضاقت عليه أرضه وسماؤهُ!

قال أبو نَعيم: نعم، تضيق عليك نفْسك، ويتردد في جوفك نفَسك! ولكن، الله عُدتي في شدتي، هو أرأف بي من كل رؤوف؛ وأينه أينه؟!- وأعرف بي من كل معروف؛ وحينه وحينه!
(قصدتك يا حنان، صمدتك يا منان)

قلت: لم تضح عن مخزونك، ولم تبدِ ما في مكنونك؟!

قال: مشكلة المشكلات، بين الأصدقاء والصديقات؛ هي: المال والمال والمال!

وقد أنشد بشار (أفٍ لبشار) بن بُرد، امرأة، فقال: 
هل تعلمين وراء الحب منزلةً *** تُدني إليكِ فإن الحب أقصاني!

فأجابته:
نعمْ، علمتُ، وخير القول أصدَقُهُ *** بذل الدراهم يُدْني كل إنسانِ

مَنْ زادنا النقد زِدنا في مودتهِ *** ما يطلب الناس إلا كل رُجْحانِ!

هل أزيدك -أبا نعيم-؛ وأنت الخرّيت الفهيم؟!

قلت: لا تثر أحزاني، ولا تفر أشجاني.. فقد تعبت وأتعبت، ولهبت وألهبت، ولغبت وألغبت، وشجبت وأشجبت، وجشبت وأجشبت، وحردت وأحردت ...!
ولكن أجد في صدري غصاصة؛ -لمعرفة ما جرى لديك، وما جرّ عليك- ولو بالخلاصة؟!

فأجاب -بتكلف لا تبلكف-، قال: بعد أن مخرنا العباب، وجُبنا الجباب؛ كنت آبى إلا أن أكون أنا المحاسب الكريم، لا المحابس اللئيم! حتى وصلنا نصف الطريق؛ نظرت مزادتي، فإذا هي خالية الوفاض، بادية الأنفاض!

فصار واهمي؛ هو المنفق -جبراً لا خيراً-؛ فسرعان ما تغيرت طباعه، وثارت ظباعه، وتحولت أخلاقه، وأفنِت أذواقه؛ فضقت ذرعاً، وجرعت جرعاً.. وطلبت الإقالة في نصف السبيل، وإن لم يكن لدي نقير ولا قطمير ولا فتيل.. إلا أن الأنف؛ خير من العلف، والإعياء؛ أولى من الإغضاء.. ففارقتهم عن قلىً، ونابذتهم عن صلى!

لا كما قال علي بن أحمد القادسي الكناني:
وتالله ما فارقتكم عن قلى لكم *** ولكنها الأقدار تجري كما تجرى

رعتكم من الرحمن عين بصيرة *** ولا كشفت أيدي النوى عنكم سترا

سكت صاحبي هنا، بعد أن أجمل إجمالاً، فلم يحر إكمالاً؛ فعذرته وشكرت له شممه، وحمدت فيه كرمه، وهوّنت عليه مصابه، وهديت أعصابه!

وقلت له: ليكن شعارك:
قل للذين تغيّروا وتنكّروا *** ما ضرني بُعدٌ ولا نُكرانُ

أنا لا أُبالي إن تبدّل وُدَّكم *** ما صابني نقصٌ ولا خسرانُ

ما دمت أحيا والكرامةُ داخلي *** ما عابني صدٌّ ولا نسيانُ

وأضفت: في كل واد بنو (سعد) سواء الآن أو بعد!

ولكن: أسأل الله أن يتولانا بعنايته، ويكلؤنا برعايته، ويكفينا بكفايته، "إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين" هو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

و ع ي
١٤٤١/٣/١٥

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق