الأربعاء، 28 أكتوبر 2020

عبارة "إلا رسول الله": صحيحة فصيحة!


عبارة "إلا رسول الله": صحيحة فصيحة!


ضجت وسائل التواصل الاجتماعي، بهذا العبارة (إلا رسول الله).. رداً على بعض المهناء النتناء الأفناء العفناء اللخناء.. الذين نالوا من رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.


أقول: ضجّ المسلمون وعجوا، وجلجلوا ودووا وصاتوا ولجبوا وهتفوا وصدحوا وصرخوا.. في الدفاع عن نبينا وقرة أعيننا محمد صلى الله عليه وسلم، بشتى العبارات والجمل، في السهول والقلل، وهي ردة فعل محمودة، من عوام المسلمين وعبادهم، وعلمائهم وزهادهم..


لكن، قامت فئة من الغيارى، تسدد الطريق، وتصحح الدرب، فأفتت، أن هذه عبارة لا تجوز: لغة وشرعا.


وتناول المسألة، كل بقدر جهده ووكده، وأحببت أن يكون لي تشارك لا تعارك، لا سيما، والأمر يتعلق بأعظم قائد، وأفخم رائد، وهو نبي البشرية ورسولها، محمد عليه الصلاة والسلام، وأنا في مشاركتي هذه، مقتات على موائد أهل العلم، غير خارج عن نهجهم وسلكهم وعقدهم.


فأقول -مستعيناً بالمعين، ومن استعان به، فلن يهين-:

إن هذه العبارة (إلا رسول الله)، صحيحة فصيحة نصيحة، ليس فيها انتقاد، حاشا الاعتضاد، وقد قيل ضرعها، بحضرة المعلم الأعلى، والمفهم الأَولى، ولم ينه عنها.


ففي المسند من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، قال: (... وفي القوم رجل من الأنصار، كان لا يسبق، جعل ينادي: هل من مسابق؟ ألا رجل يسابق إلى المدينة؟ فأعاد ذلك مراراً، وأنا وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، مُردفي، قلت له: أما تكرم كريماً، ولا تهاب شريفاً؟! قال: لا، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ...) الحديث.

قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم.


قلت: وإن كانت هذه العبارة الحاصرة القاصرة، قيلت، في حادثة معينة معلومة، وهي: السبق على الإبل.. فكذلك، قول من يقولها اليوم، هو في حادثة معينة معلومة، وهي: الانتقاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستوى الحكم.


ومعنى هذه العبارة: قد نحتمل نحن السب والشتم، في صدد هذا الخضوع والخنوع، لكن: إلا رسول الله، حذاركم، أن تقربوا جنابه، أو تطرقوا بابه، أو تجروا إهابه، فأعراضنا دون عرضه، وسهامنا دون سهمه، وأنفسنا دون نفسه- عليه الصلاة والسلام.


وعندي، أنها مثل مواقف الصحابة الكرام رضي الله عنهم، في دفاعهم عنه، وبذلهم أرواحهم دونه- عليه الصلاة والسلام، عدا فرق: أنهم حققوا ذلك حساً ومعنى، ونحن -على قدر ضعفنا- حققنا ذلك معنى.


كما قال مسلم بن الوليد:

يجود بالنفس إذ ضنّ البخيل بها *** والجود بالنفس أقصى غاية الجودِ


يقول زيد -حين أن سأله أبا سفيان قبل أن يسلم-: أنشدك بالله يا زيد، أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك نضرب عنقه، وإنك في أهلك؟ فأجابه قائلاً: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإني جالس في أهلي!

رواه ابن إسحاق مرسلاً.

ينظر: (سيرة ابن هشام: ٣/ ٢٤٥) و(الطبقات: ٢/ ٥٦) لابن سعد.


ويقول أبو طلحة الأنصاري -في غزوة أحد، عندما كان يحمي رسول الله صلى الله عليه وسلم-: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا تشرف، يصيبك سهم من سهام القوم.. نحري دون نحرك.

رواه البخاري.


ويقول الشاعر اليماني حسان بن ثابت:

فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاءُ


ولا يتأتى أبداً، هذا المعنى العجيب: سبّوا من شئتم، وافعلوا ما أردتم، إلا رسول الله؛ لأمور -عندي- خمسة:


-أن الذي سُب، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمفرده، ولم يسب معه غيره.

فمثلاً: لو سب هؤلاء الكفرة الفجرة الحقرة، رب العزة والجلال، وبقية الأنبياء والمرسلين، في زمان متحد؛ لحضرتْ هذا المعنى الآنف، ولكانت الكلمة، ذات عوج وفجج.


-لا يفهم من الحصر والقصر، إباحة أو تحريم ما سواه، بل هو بحسب السياق والسباق واللحاق.

فمثلاً: قال عليه الصلاة والسلام: (لا ربا إلا في النسيئة) لا تعني، أن ما سوى النسيئة جائز ومباح، وإنما خُص؛ لمزيد اهتمام وبيان.


قال الباجي: "ولهذا، يقال: لا كريم إلا يوسف، ولم يرد به نفي الكرم عن غيره، وإنما يريد به، إثبات مزية له في الكرم، وكذلك قولهم: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا شجاع إلا علي، وما جرى مجرى ذلك، والله أعلم".

(المنتقى شرح الموطأ: ٧/ ٢١٥)


-لا يخطر على بال القائل، أو في ذهن مسلم.. هذا المعنى الخطير، وهو: إزالة السوء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإباحته لخالقه تبارك وتعالى، أو لإخوانه من الرسل والأنبياء! -أستغفر الله-.


-ليس كل استثناء لم يذكر مستثناه، غير جائز أو ليس فصيحا.. فقد جوز ذلك النحاة بشروط، وهي متوافرة في هاته اللفظة (إلا رسول الله) -كما أوضح الدكتور سليمان العيوني-.


-على أقل تقدير، يقال: إن العبارة محتملة، ويرجح جانب الحق والخير.. أنها قيلت من مسلمين، في صدد حملة ينال فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فلا ينبغي فيها التشغيب والتنديد، إلا أن يكون الأمر لا يحتمل، فلا والله، لا مداجاة أو محاباة في دين الله تعالى، بل لا بد من البيان والتبيان، و(لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة).


 فإذن؛ (إلا رسول الله).. صحيحة شرعاً، وفصيحة قطعاً، فـ إلاك يا رسول الله.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٣/٩



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق