الأحد، 17 مايو 2020

الحزن والأنين لحال اليمن واليمنيين! (وباءات في بلدي وبلاءات)


الحزن والأنين لحال اليمن واليمنيين!
(وباءات في بلدي وبلاءات)

"إنا لله وإنا إليه راجعون" و"حسبنا الله ونعم الوكيل" "وأفوض أمري إلى الله" و(لا حول ولا قوة إلا بالله) و(إنا لله وإنا إليه راجعون). 

لا تزال بلادي الحبيبة الحسيبة، الجميلة الخميلة، الرحيمة الكريمة.. ترزح تحت نير الحرَض، وترسف في وباء المرض!

كوليرا .. كرفس .. التهابات .. ملاريا .. بلهارسيا .. صفايح .. حمى الضنك .. حمى الخنازير.. إلى غيرها من بلاءات خطار، ووباءات كبار، لا نعلمها ولا نفهمها، ولا نعلم سببها، لكننا ندرك عطبها! -نجانا الله منها، ومن كل كرب-، "قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب".

مع حصار خانق، وفقر حانق، وحرب مستعر، وقتل مستحر..

كانت بلادي، في قديم الزمان.. تتمتع بمنصب كبير، ومنقب خطير، ولا زالت كذلك، حتى والتها النكبات، وواتتها الكدمات!

فالأنصار اليمانيون، هم من آوى إخوانهم المهاجرين، الذين خرجوا من بلادهم (مكة) مطرودين مقهورين؛ لكنهم وجدوا، في المدينة، عند الأنصار.. الأمن والأمان، والملجأ على مدى الأزمان، قال تعالى: "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم
ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون".

قال قيس بن سعد بن عبادة اليماني:
وإني من الحي اليماني لَسيد *** وما الناس إلا سيد ومسودُ

وقال الصحابي حسان بن ثابت اليماني:
لنا من بني قحطان سبعون تبّع *** أقرّت لها بالخرج منه الأعاجمُ

وقد تعجب ويتعجب ويتساءل- بعض من لا يدرك الحقيقة-، قائلين: إن الديار اليمانية.. من خير أهل الأرض استمساكاً بتعاليم الإسلام، وأخيرها تمسك نسائها بالحجاب، وأفضلها في اللين والرأفة، وأمثلها في المواساة والتواؤم..

يقولون: رغم كل هذه الصفات المجيدة، والشيات الحميدة، إلا أن أهل اليمن في بلاء مستمر، وحرب مستعر.. فلا ندري وجه الحكمة في هذا؟!

أقول لهم، وأجيبهم بأجوبة، وفي ثناياها، إزاحة الغربة، وبين حناياها، نفض التربة.. عن كل ذي كربة:

أولاً: إن الله يبتلي من شاء بما شاء، ويعاقب من شاء بما شاء "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فعو على كل شيء قدير * وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير"، فـ(لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره، آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلاً من عنده) -كما قال الطحاوي، في عقيدته القعيدة-.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف).
رواه الترمذي، وقال هذا حديث حسن صحيح، وصححه الشيخ الألباني، في (صحيح الترمذي، رقم: ٢٥١٦)

وفي رواية: (تعرّف على الله في الرخاء، يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك).
رواه ابن بشران في (أماليه) عن أبي هريرة.
ينظر: (صحيح الجامع: ٢٩٦١)

فلا فزع ولا هلع ولا جشع ولا طمع، بل نفوّض الأمور لباريها، في نهارها ولياليها.

ثانياً: يجب على المؤمن.. أن يحسن الظن بربه الحكيم، سواء أدرك الحكمة والعلة، أم لم يدركها؛ لأن الله تعالى: عظيم عليم حكيم حليم رحيم كريم، ليست أفعاله سبحانه إلا وفق حكمة بالغة، وحجة دامغة "قل فلله الحجة البالغة" "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"، فلا بد من إدراك هذا المعنى الخطير، الذي زلّت فيه أفهام، ودحضت فيه أقدام.

قال تعالى: "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير".
وقال تعالى: "ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه".

قال ابن كثير: "فما من مؤمن، أصابته مصيبة، فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب، واستسلم للقضاء.. إلا هدى الله قلبه، ووفقه بالتسليم لأمره، والرضا بقضائه، وعوضه عما فاته من الدنيا، "يهد قلبه" لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، "ومن يؤمن بالله يهد قلبه"، هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيسلّم ذلك ويرضى".
(تفسير القرآن العظيم: ٨/ ١٣٧).

ثالثاً: لا بد من البلاء والابتلاء في حياة النقص والنقيصة.

قال تعالى: "ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون".
وقال تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب".
وقال تعالى: "هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدا".
وقال تعالى: "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً؛ يصب منه).
رواه البخاري.

وإن الناظر في حياة الأنبياء والمرسلين، والصحابة والمصلحين.. يرى أن البلاء عمّهم، والحزن قد غمّهم، من حرب وفقر، ومرض وقتر.

عن أبي عبد الله خباب بن الأرت رضي الله عنه، قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة، وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله، فقعد، وهو محمر وجهه، فقال: لقد كان من قبلكم، ليمشط بمشاط الحديد، ما دون عظامه- من لحم، أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه، فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليُتمَنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، ما يخاف إلا الله).
رواه البخاري.
زاد بيان: (والذئب على غنمه).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فمن آمن؛ امتحنه الرب عز وجل، وابتلاه، وألبسه الابتلاء والاختبار؛ ليبين الصادق من الكاذب- هذه سنته تعالى، فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم ألبتة، وهذا أصل عظيم، ينبغي للعاقل أن يعرفه".
(جامع المسائل: ١/ ٢٥٤)

رابعاً: علينا أن نفزع إلى الله تعالى ونلجأ إليه، ونجأر له، ونتوب إليه سبحانه، ونكثر ذكره ونستغفره، وندعوه تبارك وتقدس، ونتضرع إليه، ونلزم بابه، ونُدِم الطرق حتى يفتح لنا.
قال تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون".
وقال تعالى: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم".

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: "ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي).
رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود، رقم: ١٣٢٩)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).
رواه الترمذي والبزار، وصححه الألباني، في (صحيح الجامع: ٢٤٥)

قال المباركفوري: "قوله: (وأنتم موقنون بالإجابة) أي: والحال أنكم موقنون بها، أي: كونوا عند الدعاء على حالة، تستحقون بها الإجابة، من إتيان المعروف، واجتناب المنكر، ورعاية شروط الدعاء، كحضور القلب، وترصد الأزمنة الشريفة، والأمكنة المنيفة، واغتنام الأحوال اللطيفة، كالسجود إلى غير ذلك، حتى تكون الإجابة على قلوبكم أغلب من الرد".
(تحفة الأحوذي: ٩/ ٣١٦)

قال أبو نعيم: وايم الحق، ما أدمن عبد الدعاء، ولزم طرق باب الكريم سبحانه، ولهج بذكره، وخشع وخضع، واعترف بالنعمة، وباء بالذنب.. إلا استجاب الله دعاءه، وأعطاه سؤله، وكشف ضره وبلواه، 
وفي قصة ذي النون: "فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين". 

ولازم بابه قرعاً عساه *** سيفتح بابه لك إن قرعتا

وأكثر ذكره في الأرض دأباً *** لتُذكر في السماء إذا ذكرتا

ولنعلم، أننا في رحمة كبيرة من الله، فقد أصيب أسلافنا ببلايا عظيمة، ومصائب عميمة، كالطاعون الذي حصد مئات الآلاف من البشر، وأسكنهم القبر.

خامساً: نتذكر، قول الله تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم"، وقوله تعالى: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون".

فكم هي الجرائم المنتشرة، والكبائر المتفشية والمستترة؟
كم هو التبرج والسفور، والبغي والفجور؟
كم هي ترك الصلاة، ومبارزة الله جل في علاه؟!
كم انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، من أخلاق مزرية، وأفكار مردية، بل نِيل من الرب العزيز الحكيم، وقُدح في نبيبنا محمد عليه الصلاة والتسليم، وسُب آله الأبرار، ونُب صحابته الأطهار!

وكم وكم، مما نرى ونسمع كل يوم، من مبارزة ومجاهرة بالذنوب والمعاصي، من الداني والقاصي.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (كل أمتي معافى، إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح، وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه).
رواه البخاري ومسلم.

فلنرجع، ولنؤب لربنا وخالقنا، ونمرّغ جباهنا في السجود له، ذلاً وخشوعاً، وعبودية وخضوعاً، وسيكشف ما بنا، إن الله أرحم بنا من أنفسنا.

وسلْ من ربك التوفيق فيها *** وأخلص في السؤال إذا سألتا

ونادِ إذا سجدت له اعترافاً *** بما ناداه ذو النون ابن متى

سادساً: يجب على الإنسان، أن يدافع أقدار الله تعالى، بأقداره سبحانه، ولا يقف مكتوف الأيدي أمام قضاء الله وقدره، بل نفرّ من قدر الله إلى قدر الله.

عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنزل الله من داء، إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله، إلا السام، قيل: وما السام؟ قال: الموت).
رواه البخاري.

ولما خرج عمر رضي الله عنه، إلى الشام، أخبر أن الطاعون وقع بالشام، فقالت مشيخة قريش -من مهاجرة الفتح-: نرى أن ترجع، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، أفراراً، من قدر الله؟ قال عمر: نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله).
رواه البخاري ومسلم.

وطلب الدواء، من مستلزمات الإيمان بالقدر والقضاء، فلا بد من طلبه، والبحث عنه، بل هو واجب؛ لأن تركه، سبب إلى الموت، وقد جاء النهي الصريح، في الصحيحين، عن جرم من قتل نفسه، أو استسعى في ذلك.
هذا الدواء المادي.

ولا ننس الدواء الرباني والنبوي، من قراءة القرآن الكريم، والأذكار النبوية، والرقى والتحصينات الشرعية، والاستشفاء بماء زمزم مع قراءة الفاتحة عليه سبع مرات، بإيمان وإيقان. 

سابعاً: علينا أن نبثّ الطمأنينة والسكينة في الناس، ولا نخيفهم، أو نضخم مصابهم، ونأخذ بالأسباب الشرعية، وكم من مريض؛ برئ وعوفي.

عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة).
رواه البخاري ومسلم.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتفاءل ولا يتطير، ويعجبه الاسم الحسن).
رواه أحمد.

وعن عكرمة رضي الله عنه: أنه لما جاء سهيل بن عمرو، قال النبي صلى الله عليه وسلم (قد سهل لكم من أمركم). 
رواه البخاري.

قال الماوردي: "الفأل فيه تقوية للعزم، وباعث على الجد، ومعونة على الظفر، فقد تفاءل رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم في غزواته وحروبه".
(أدب الدنيا والدين: ٣١٩)

‏قل للذي ملأ التشاؤم قلبهُ *** ومضى يضيِّق حولنا الآفاقا

سرّ السعادة حسن ظنك بالذي *** خلق الحياة وقسَّم الأرزاقا 

فلا تقلقوا، ولا تيأسوا من روح الله، بل أبشروا وأمّلوا، وثقوا بربكم، فإن الله عند ظن عبده به، فليظن به ما شاء -كما جاء في أحاديث قدسية-.

عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء).
رواه ابن حبان، وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة دون قوله فليظن بي ما شاء.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يقول: أنا عند ظن عبدي بي.. إن خيراً، فخير، وإن شراً، فشر).
رواه الطبراني في الأوسط، وأبي نعيم في الحلية وابن عساكر، والشيرازي في الألقاب.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: أنا عندي ظن عبدي بي.. إن ظن خيراً، فله، وإن ظن شراً، فله).
رواه أحمد وابن حبان.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني.. فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي ...) الحديث، رواه البخاري ومسلم.

والتفكير السلبي التشاؤمي، لا يفيد أبداً، بل يضر ديناً ودنياً، فكراً وبدناً، لا سيما، إذا كان تفكير في شيء غيبي، لا يعلمه إلا الواحد الأحد.

دع المقادير تجري في أعنتها *** ولا تبيتنّ إلا خاليَ البالِ

ما بين غمضة عين وانتباهتها *** يغيّر الله من حال إلى حالِ

ثامناً: إن ما نراه من أمن ورخاء، في بعض البلاد العاصية القاسية القاصية.. لهو محْل واستدراج..

قال تعالى: "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين".
وقال تعالى: (أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون".
وقال تعالى: "ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال".
وقال تعالى: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت الله يعطي العبد على معاصيه، فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون").
رواه أحمد، والطبراني، وصححه الألباني في (صحيح الجامع: ٥٦١)

تاسعاً: إن الحياة، ليست مقصودة بالمال والولد والرغد، إنما الفضل والفضيلة والأفضلية؛ لأنها دار عبور وغرور ومرور، فمن تعذب هنا، وكان من المؤمنين الصابرين؛ كان جزاؤه جنات النعيم، ولا يجمع الله على عبده خوفين. 

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال: (وعزتي، لا أجمع على عبدي خوفين، ولا أجمع له أمنين، إذا أمنني في الدنيا؛ أخفته يوم القيامة، وإذا خافني في الدنيا؛ أمنته يوم القيامة).
أخرجه ابن حبان، والبزار، والبيهقي، وابن المبارك، وحسنه الألباني في (السلسلة الصحيحة، رقم: ٧٤٢)

قال ابن الجوزي: "أما بعد؛ فإني رأيت عموم الناس، ينزعجون لنزول البلاء انزعاجاً يزيد عن الحد، كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذا وُضِعت، وهل ينتظر الصحيح إلا السَقم، والكبير إلا الهرم، والموجود سوى العدم؟ كما قيل:
على ذا مضى الناس، اجتماع وفرقة *** وميت ومولود وبشر وأحزان"
(تسلية أهل المصائب: ٥٢)

عاشراً: إن نصر الله للمسلمين، وتفريج كربهم.. قريب بإذن القريب جل وعلا. 
هذا ظننا الحسن بربنا سبحانه وتعالى، ولا يجوز لنا غير هذا؛ لأن سوء الظن بالله من الكبائر، فالفرج قريب لا محالة، والنصر آت لا شك ولا ريب.

قال ابن رجب: "وإذا اشتد الكرب، وعظم الخطب، كان الفرج حينئذ قريباً في الغالب؛ قال تعالى: "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا"، ومن لطائف أسرار اقتراب الفرج باشتداد الكرب: أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى.. وُجِد الإياس من كشفه من جهة المخلوق، ووقع التعلق بالخالق وحده، ومن انقطع عن التعلق بالخلائق، وتعلق بالخالق.. استجاب الله له، وكشف عنه".
(نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلم، لابن عباس: ١٢٣)

وقال ابن حجر: "الله يجعل لأوليائه عند ابتلائهم مخارج، وإنما يتأخر ذلك عن بعضهم في بعض الأوقات.. تهذيباً، وزيادة لهم في الثواب".
(فتح الباري: ٦/ ٤٨٣).

واصبر على غِيَر الزمان، فإنما *** فرج الشدائد مثل حل عقالِ

فيا أهل اليمن.. صبراً صبراً.. إن موعدكم النصر والتمكين، والقصر والتسكين، وإن أريد بها شراً، أو يراد لها ضيراً، فالنصر آت لا ريب، وعلى الباغي، تدور الدوائر.

قال الجندي: وذكر ابن أبي الصيف في كتابه "الميمون المتضمن لبعض فضل أهل اليمن": أن القاضي أبا عبد الله الحسين بن علي الصيمري: ذكر في أخبار الإمام أبى حنيفة وفضائله، بسند إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاكم أهل اليمن؛ هم أرق قلوباً، وألين أفئدة، يريد أقوام أن يضعوهم، ويأبى الله إلا أن يرفعهم).
ينظر: (السلوك: ١/ ٦٠)

قال أبو نعيم: وفي هذا الحديث، دلالة من دلالات نبوته عليه الصلاة والسلام؛ إذ أن أن المماحكات؛ نادت، والمناكفات؛ حادت، ولكن "إنهم يكيدون كيدا * وأكيد كيدا * فمهل الكافرين أمهلهم رويدا".
(اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم).

يا أهل اليمن، (أنتم نفَس الرحمن) عز وجل، وأنتم أهل (الإيمان والحكمة والفقه)، وأنتم (أهل الرقة واللين)، وأنتم مضيفو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنتم أكثر الصحابة عدداً وعُدداً، وأنتم الشعار وغيركم الدثار، وأنتم من أسلمتم جميعاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، دون حرب أو قتال، وأنتم أول من أجاب إبراهيم حين نادى بالتلبية، وأنتم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنتم أول من جاء بالمصافحة، وأنتم أول من تشربون من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم.. إلى كثير من فضائلكم وفواضلكم..

تمسكوا بالإسلام، واستمسكوا بهدي خير الأنام، وابتعدوا عن الشهوات، وانأوا عن الشبهات، وتراحموا فيما بينكم، وتعاطفوا فيمن حولكم، يعزكم الله وينصركم.

أيها الموجوع صبراً *** إن بعد الصبرِ بشرى

أيها الباكي بليلٍ *** سوف يأتي النور فجرا

أيها المكسور، قل لي: *** هل يديمُ الله كسرا؟ 

يا عزيز القلب مهلاً *** إن بعد العسر يسرا

اللهم يا رحمن يا رحيم، ارحم اليمانيين؛ فإنهم جاهدوا مع نبيك، وآمنو برسلك، وكانوا للإسلام ناشرين، وللبقاع فاتحين، ولإخوانهم، مرحبين ومقاسمين، ولغيرهم، مشاطرين ومناصفين.. اللهم فأحسن إليهم يا محسن، إنك "لا تضيع أجر المحسنين".

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وفي خير ونصر ونعمة ورحمة، ألقاكم وألتقيكم، والسلام عليكم.

وكتب: المتفائل: أبو نعيم وليد الوصابي.
١٤٣٨/٨/٢٤ ر ح ي
١٤٤١/٥/٢١ ح ي
١٤٤١/٩/٢٢ م م

#مقالاتي_ومقولاتي
#أنابيش_الكنانيش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق