الاثنين، 20 أبريل 2020

قول: كيف الحال.. هل حقيقة، أم مجرد سؤال؟!


قول: كيف الحال.. هل حقيقة، أم مجرد سؤال؟!


طبعيٌ أن يَسأل الصغير والكبير، ويُسأل الصغير والكبير أيضاً، -ومن عرف ومن لم يعرف- عن الحال، وربما زِيد، فسئل عن الأهل والعيال؟!

حتى صارت عادة معتادة لدى البعض، -وهي لا تعني شيئاً، سوى: مجرد السؤال والمجاملة، أو العادة العادية، ودليلي: أن السائل قد ينتقل مباشرة إلى حديث آخر، لا يمت للحال بصلة، بل ربما، خاصم بعدها وقاضم، وربما لم يترك الفرصة؛ ليسمع الجواب!

ولا أدري، ماذا يطلق على هذا القول العجيب، والفعل الغريب؟!

ويكون جواب المسؤول: الحمد لله، أياً كان حاله!
وينتهي الأمر، وكأن شيئاً ما كان، ويذهب كل لسبيله!

ويذكرني هذا؛ بذاك الأعرابي الكوفي، الذي كان له صديق، يظهر له مودة ونصيحة، فاتخذه الأعرابي من عُدده للشدائد؛ إذ نزل بالأعرابي أمر، فأتاه، فوجده بعيداً مما كان يظهر له، فأنشأ يقول:

إذا كان وُدُّ المرء ليس بزائدٍ *** على "مرحباً" أو "كيف أنت" وحالكا؟!

ولم يك إلا كاشراً أو محدثاً *** فأفٍ لودٍ ليس إلا كذلكا

لسانك معسولٌ، ونفسك بَشّة *** وعند الثريا من صديقك مالَكا

وأنت إذا هَمَّت يمينك مَرَّة *** لتفعل خيراً قاتلتها شمالك


وقال آخر:
تودّ عدوي ثم تزعم أنني *** صديقك، ليس النوك عنك بعازبِ

وليس أخي من ودني رأي عينه *** ولكن أخي من ودّني في المغائبِ

ومن ماله مالي إذا كنت معدماً *** ومالي له إن عضّ دهر بغاربِ

فما أنت إلا كيف أنت؟ ومرحباً! *** وبالبيض رواغ كروغ الثعالبِ


أقول: هذا حال الكم الكثير، والجم الوفير، حاشا بعض الكرام، الذي (إذا قال؛ فعل)!
ولا أعني بـ (إذا قال؛ فعل)؛ إعطاء المال، أو إنهاك الجسد، بل أعني: الانتباه لعظم هذا السؤال، فليكن بعده، حسن الإنصات والإعمال!

ولكن، أن يطرأ على صديق تغيّر، أو يحل به تحيّر، فلا يشعر به إلا: الصديق الصدوق، والمحب الشعور، الذي يهمه شأنه، ويغمه شينه!

فيسأل سؤالاً زائداً عن السؤال الزائف عن الحال؟
كأن يقول: ما لي أراك مهموماً، ولمَ أسمعك مغموماً... هل تشعر بأنغاص، أو  تعاني من أنقاص؟
فيكون جوابك: "الحمد لله رب العالمين".

فيأبى عليه، ويصرّ إليه، إلا ما أخبره بداخلة أمره، وخبي خبره، فيقول: نعم، الحمد لله، ولكن أنت صديقي، وأنا أشعر بك يا رفيقي.
ثم يضيف: ولا خير في صحبة بدون شعور!
فيكون جواب الصديق: نعم، أمرُّ ببعض الكروب، وزارتني بعض الخطوب، -والحمد لله-، وأرجو دعاء ربك الكريم، علام الغيوب.

فيمضي داعياً، ولشكواه شاكياً، ولبكاه باكياً، ولكن بعد أن عمل معه، ما يخفف الوطأة، ويقضي النسأة، ويروي الغلة، ويسد الخلة، بما يسطيع ويستطيع.

فيشعر بنفسه، وقد ارتاحت ولانت، وشعرتْ بالونيس والأنيس، وأيقنت أن الصاحب ليس مجرد جليس، بل له واجبات، وعليه مهمات.

ولكن.. ولكن: أين هؤلاء الشعورون، الذين يؤنسون ويونسون إخوانهم وأصدقاءهم، ومن يعرفون؟!
أين هم، لا تجدهم إلا في النزر النادر، والقليل السائر، فهم: أندر من الكبريت الأحمر، وأقل من الجمل الأحمر، وأعدم من البقر الأصفر، في القلة والندرة!
فإلى الله المشكى والملجى.

وصار الأمر، كما قال الحريري:
لا تغترر ببني الزمان، ولا تقل: *** عند الشدائد لي أخ ونديمُ

جربتهم، فإذا المعاقر عاقر *** والآل آلٌ، والحميم حميمُ


بل بعضهم، لا يسأل حتى عن زوجته، إذا رأى عليها تغيراً، أو لمس منها تنكرا!
وكأنه، أمر لا يعنيه، وشأن ليس شأنه!
وكأنه، يحسب أنه في يوم القيامة، لا لوم عليه ولا ملامة: "لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه"!
والله المستعان.

لا يا أُخي، لا زلت في الدنيا، وأعيذك بالله أن تكون منهم يوم يقوم الناس لرب العالمين، فاعمل جميلاً، تلقه هناك.

وإذا نظرنا إلى هذا الخلق اللئيم.. رأينا أنه خلق وافد علينا من الغرب الكافر الغادر، الذي يؤمن بالماديات والمحسوسات، ولا يعرف معنى الإخاء، بل لا يعلم للقرابة معنى!


فيا أيها الأصدقاء: تفقدوا إخوانكم، واسألوا عن أحوالهم، وتلمسوا حاجتهم، فلا يخلو أحدهم من أمْر أَمِر.. كل على قدر أربه وغرضه.

فهذه تعاليم الإسلام، وأخلاق رسول الأنام -عليه الصلاة والسلام-، فقد كان دائماً ما يسأل عن أصحابه، بل كان يسأل عن الجميع، ويحرص على هداية الكافرين، بل كان يتلهف عليه الصلاة والسلام، ويتشوف لإخوانه المسلمين أجمعين، الذين لم يولودا بعد!
فـ لا إله إلا الله، أيّ قلب يحويه بين جنبيه، هذا الرسول العظيم، عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم.

ولم يكن سؤاله عليه الصلاة والسلام، مجرد سؤال فحسب، حاشاه بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم، بل كان يعمل بموجب السؤال..
فمن كان مريضاً؛ زاره، ومن كان محتاجاً؛ ماره، ومن يبغي مشورة؛ شاره..
وهكذا، يقضي لكل حاجته، ويسد فاقته، ويفتق خلته.

فأيّ خلق يحمله، وأيّ نفس كبيرة لديه، وأيّ صدر فسيح عنده؟!
لا ضير، فقد زكاه ربه: "وإنك لعلى خلق عظيم".

ويجدر بنا ويجمل، ويحسن ويفضل.. أن نتبع رسولنا الكريم، عليه الصلوات والتسليم، بل هذا هو الواجب علينا، قال الله تعالى: "يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول"، وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، إلا لصارف، ولا صارف.

ويا أخي: لا تقل، أنا لا أحتاج لأحد! بلى -وربي- أنت بحاجة إلى أصغر صغير، فكيف بالكبير، مصداق ذلك، قول النبي عليه الصلاة والسلام: (المؤمن للمؤمن كالبنيان)، وهل رأيتم بنياناً يقوم دون تكاتف من بعضه؟!

وصدق من قال:
ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻣﺎﺩﺍﻡ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﻬﻢ *** ﻭﺍﻟﻌﺴﺮ ﻭﺍﻟﻴﺴﺮ، ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻭﺳﺎﻋﺎﺕُ

ﻭﺃﻛﺮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺭﻯ ﺭﺟﻞ *** ﺗﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻩ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟﺎﺕُ


والدنيا، ليست دائماً مواتية لك ومؤاتية، بل هي دول، والرحمن: "كل يوم هو في شأن".

ولله ابن الوردي، حيث قال في (نصيحة الإخوان):
اترك الدنيا، فمن عاداتها *** تخفض العالي، وتعلي من سفلْ!

وقال:
كم جهول بات فيها مكثراً *** وعليم بات منها في عللْ

كم شجاع لم ينل فيها المنى *** وجبان نال غايات الأملْ

فاترك الحيلة فيها واتكل *** إنما الحيلة في ترك الحيلْ

فأحسن؛ يحسن إليك.

وأما قبل،، فهذه كلمات كتبتها؛ لأني عايشت أثرها ووجدته ولمسته، وعانيته وحسسته، وعاينته وجسسته.

ولكم أن تتخيلوا حجم القضية التي لم ننتبه لها، من آلاف الأصدقاء، لم يسأل عن الحال، إلا قلائل من الرجال!
وبمقدار ما لمتُ إخواني وألومهم؛ ألوم نفسي وأوبخها.

وعلى كل، هي ذكرى وزفرى لي ولكم، علّها تجد كريماً يقبلها بمعروف، ويجعلها من المألوف.
والله يمنّ علي وعليكم بالأخلاق النبيلة، والخصال الجميلة، فـ (إن الله جميل، يحب الجمال) فتجملوا بالجمال والجمال والجمال..

محبكم: وليد بن عبده الوصابي،،
١٤٣٧/٦/٢٦
١٤٤١/٨/٢١



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق