الخميس، 24 أغسطس 2023

أما آن للأنعل أن تأمن؟!

 أما آن للأنعل أن تأمن؟!


لا زلت أصلى بنير سرقة أنعلي، وهو صلاء معنوي، يشعر به قلبي، أما اليوم، فاجتمع صلاءان: المعنوي القلبي، والحسي الجسدي!


فرغنا من صلاة الظهر، وتجاذبنا أطراف الأحاديث، ثم ذهبت حيث وضعت نعلي، فلم أجدها، بحثت يمنة ويسرة، فلم أعثر عليها، علمت أنها قد انتهبت، ولا فائدة من البحث إلا اللغب!


خرجت من المسجد، وكان يوماً معمعانياً شديد الحر، شمسه في كبد السماء، ترسل شررها، وتقذف حرها، ورمت بجمرات الظهيرة، حتى صوحت ولوحت، وأذوت وآذت، فصهد الحر وصخد وصحر وصهر، فانبعث الحرض، وانتفض اللهب، واشتدت الوديقة، وربما بدت الومحة على الوجوه من أثر الشمس!


ماذا أصنع .. كيف أطأ على هذا الجمر .. هل من خيار آخر؟!

إنه لا خيار إلا المرور على هذا الصفيح الجاحم، فاستعنت بالمعين، ذاكراً ذكر الخروج، ورميت بثقلي -مجازاً- على قدمي النحيلتين، في خضم القيظ، وشدة السخن، فإذا بالألم يتفاقم ويتصاعد إلى جميع الجسد، وفي الحديث (إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد) لكن، الوجع الشديد كان على الرجلين المباشرة للصيهد!


تفرّ من الهجير وتتقيه *** فهلاّ من جهنم قد فررتا

ولست تطيق أهونها عذاباً *** ولو كنت الحديد به لذُبتا

ولا تنكر فإن الأمر جد *** وليس كما حسبت ولا ظننتا


استعنت بالركض، ولكنه، لم يفد، وربما أضحك علي المارة، وما يضيرني ضحكهم، إنهم، لم يشاركوني نصبي ووصبي، ولعل بعضهم، توجع، وهذا مرير أيضاً:

ولرحمة المتوجعين مرارة *** في القلب مثل شماتة الأعداء


وكنت أتقفى ظل البيوت والشجر، أتفيؤه، فأسكن قليلاً وأتنيح، ثم أصلى وأصطلي؛ لأنه لا بد لي من الوصول!

ولم يكن حالي كحال ذاك، القائل:

وقائلة في الركب ما أنت مشتهٍ *** غداة جزعنا الرمل؟! قلت: أعودُ!


أعني: لا أريد العودة، في هذا الحال الممض، وإلا، فإن في بيوت الله هي المستراح، وفيها الراحة، وعجبي، من ذي روح، لا يؤمّها!

اللهم لا شماتة وهداية.


وتمنيت لو أن سحابة مظلة، أو غمامة مطلة، فكنت:

لكالمرتجي ظلّ الغمامة كلما *** تبوّأ منها للمقيل اضمحلّتِ

كأني وإياها سحابةُ ممحل *** رجاها فلما جاوزته استهلّتِ


ووددت، ولو حذاء كحذاء الطنبوري، -الذي أورثه المتاعب والملاغب- لكن، دون عرامات وغرامات!


وتذكرت أياماً خواليا، في صباي؛ حين كنت أمشي حافياً، في اشتداد الهاجرة، وظلت ردحاً من الزمن على ذاك الحال المضني، والله المستعان وحده.


نفى الدهر من عمري سنينا خواليا *** فلا هي تلقاني ولا القلب ناسيا


وتذكرت، قبل برهة، حين كنت خارجاً لصلاة الجمعة، فرأيت غلاماً حافياً، يتقفر الظل، ويتبع الفيء! (وقد كتبت عنه مقالاً)


وهكذا، استمر هذا العذاب النفسي والجسدي، حتى وصلت مقصدي، وحمدت الله على السلامة، ولكن، لا زلت أحس حدمة اللهب، وضرمة اللهيب، وأرجو أن لا تمجل قدمي، والحمد لله على كل حال.


وكتب: أبو نعيم الوصابي

١٤٤٥/٢/٥


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق