الثلاثاء، 4 يوليو 2023

وتقوّضت خيام الحج، وعاد الناس من كل فج!

 وتقوّضت خيام الحج، وعاد الناس من كل فج!


بينا نحن في خبوت وخفوت، والخيام ملأى بالمحرمين: الملبين المكبرين الذاكرين الداعين، والشمل مجتمع، والأنس حالّ؛ إذ رأيت الجمع ينقص، والصوت يغض، والإحرام يبدّل، وكل عاد إلى عادته في لباسه وأناسه!


ولما قضينا من منىً كل حاجةٍ *** ومسّح بالأركانِ من هو ماسحُ


وشُدّت على دهمِ المهارى رحالُنا *** ولم ينظر الغادي الذي هو رائحُ


أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا *** وسالت بأعناق المطيِّ الأباطحُ


ولله، ما كان أحسننا، في شرفين، شرف المكان، وشرف الزمان، وحسبك باجتماعهما:

ما كان أحسننا، والشمل مجتمعٌ *** منا المصلي، ومنا القانت القاري!


وهكذا هي الأيام؛ لا تدوم على حال، ولا يقر لها قرار.


بعد تعب ونصب، لكنه مشوب بحلاوة، ومخلوط بطلاوة؛ لأنك ترجو ما عند الله، والدار الآخرة "يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه"


تحس بالإعياء، حتى تكاد يغشى عليك، ولكن يدفعك ادخار الخطى، ويحدوك أمل الوصول، فيغلِب الأمل الألم، وتعود المحنة منحة!


لله، ما أحيلاها من أيام وليال، هدأ فيها البال، وارتاح فيها الحال، في التنقل بين المشاعر، والتنعم بتيك المناظر!


أيها الراكب المجد ابتكارا *** قد قضى من تهامة الأوطارا


إن يكن قلبك الغداة خليا *** ففؤادي بالخيف أمسى معارا


ليس ذا الدهر كان حتما علينا *** كل يومين حجة واعتمارا


وكم هو عظيم وفخيم.. حين تدرك، أنك في أمكنة، خطاها الأنبياء والصالحين، وتفيأ ظلالها الصحابة والتابعين:


بها كعبة الله التي طاف حولها *** عباد هم لله خير عباد


لأقضي فرض الله في حج بيته *** بأصدق إيمان وأطيب زاد


أطوف كما طاف النبيون حوله *** طواف قياد لا طواف عناد


هاهم الحجاج؛ يحزمون الأمتعة، ويعودون إلى الدعة، ويقوضون الخيام، ويطوون لباس الإحرام، ويودعون هذه البقاع، ويفارقون هاتيك التراع، التي تتسع لملايينهم خلال ليال وأيام، ثم تعود قاعاً صفصفاً، خاوية على عروشها، يصفر فيها الطير، ويبني عشه الغراب، وينأى عنها بنو الإنسان!

ولله في خلقه شؤون.


خليلي هل من وقفة والتفاتة *** إلى القبة السوداء من جانب الحجر؟


وهل من أرانا الحج من الخيف عائد *** إلى مثلها أم عدها حجة العمر؟


فالله ما أوفى الثلاث على منى *** لأهل الهوى لو لم تحن ليلة النفر



ثم إني رأيتهم يغادرون.. فرحين مستبشرين، وحُق لهم ذلك، فإنهم -بإذنه تعالى- قد نالوا أجر حجهم، ونفضوا عنهم غبار الذنوب، وعادوا خفيفي الحِمل، مليئي الوفاض.


وهم مع ذلك؛ سيقابلون أهليهم وأولادهم، وهي فرحة عظيمة، لا يقدرها إلا من فقدها -أعوذ به تعالى من مرارة الفقد-.


وإني لأستهدي الرياح سلامكم *** إذا ما نسيم من بلادكم هبّا


وأسألها حمل السلام إليكم *** لتعلم أني لا أزال بكم صبّا


وحالي كما قال ابن زيدون؛ متذكراً بلده ‎قرطبة، وقد وافاه ‎عيد الأضحى، وكان في ضيافة بني عباد الملوك:


خليلي لا فِطر يَسر ولا أضحى *** فما حال من أمسى مشوقاً كما أضحى؟!


وها هو يتمثل بها أبو نعيم؛ متذكراً أهله، وقد وافاه عيد الأضحى، وهو في ضيافة الملك.


وإلى لقاء قريب مع الحبيب، بإذن المجيب.


وكتب: الحاج وليد أبو نعيم. 

يوم القر الثاني ١٤٤٠.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق