الأربعاء، 12 أكتوبر 2022

وانكسفت شمس الرواية والعلو!

 وانكسفت شمس الرواية والعلو!


بلغني الآن، نبأ وفاة شيخي الجليل، الأواه المتبتل، العالم العامل، الفقيه الحكيم، المسند المعمر الشريف: إبراهيم بن عمرو القديمي.. فأخذت في الاسترجاع: إنا لله وإنا إليه راجعون.


وقد كان الفقيد، يعني لي الكثير، فقد قرأت عليه كثيراً، ولازمته كثيراً، وجالسته كثيراً، وزرته مراراً بصحبة أولادي، وفي كل مرة أعود بطين العقل، مترع القلب، بالعلم والإيمان، طيب النفس، مطيب اليد والجسد.


ناف الفقيد المائة عام برتوات، وهو ممتع بحواسه كلها، سوى بطؤ خفيف في السمع، مع ملازمة العبادة، والاتشاح بالعبودية، والتزام الزهد والورع، والكفاف والانكفاف.


ملتزم بأوراد لا ينفك عنها ولا يفارقها، ويأبى أن يتكلم إذا شرع في قراءتها، لا سيما، بعد صلاة الفجر، وبعد العصر.


دائماً، سواكه في جيبه، يشوص فاه، لا سيما، قبيل الصلوات، متبعاً سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم متحرّيها.

ودائماً، يلازم طيبه، وتشتم منه رائحة جميلة، ثم لا ينسى، إحذائك من طيبه، فور سلامك عليه، أو عند مفارقتك إياه.


كنت أقرأ عليه في "صحيح البخاري" وهو كأحسن سامع وصاغ، لا يخرم شيئاً، بل يسابقني في القراءة .. يفكك الألفاظ، ويشرح بجوارحه، دون تبرم أو تورم، أو غضب وتعصب، بل تراه يتهلل وجهه، وتبرق أساريره.


وهو عال الإسناد جداً، وقد اُكتشف علو إسناده، أواخر عمره، -في مصادفة طريفة ظريفة- فهرع نحوه الطلاب، يقرؤون عليه، صباحاً ومساء، يفترشون الممر الصغير، بجوار بيته، وهو صابر محتسب لا يرد أحداً.


وعلى كبر سنّه، إلا أنه لا يكاد ينسى طالبه، مع طول عهده به، فبعد التحديق في نظره، والمسك بيده، ينطق اسمه بقوة وثبات، وربما معه، اسم الأب والقبيلة أو العائلة.


ومحاسنه جمة، وحسناته عمة، وسيرته حافلة، تحتاج إلى أوراق وأوراق، في ذكر شيوخه ورحلته وطلبه وقراءته وإقرائه وحياته وعبادته وعبوديته، وهذه نفثات ونبثات، أبديتها الساعة، فور سماعي الفاجعة.


وآخر زيارة له، كانت قبل سنة، وكنت أمنّي النفس بالتروي مرات وكرات من نمير علمه وخلقه وسمته ودله، لكني، سافرت ولم أتمكن من الرجوع، فواحزناه!


رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري تحتها الأنهار، وأحسن الله عزاءنا وعزاء أهله وذويه، وعزاء الإسناد والرواية.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٤/٣/١٦


#وفاة_علم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق