السبت، 7 أغسطس 2021

الإمعان الفكري في حكم التهنئة بالعام الهجري!

 الإمعان الفكري في حكم التهنئة بالعام الهجري!


أو


قبسٌ من الذِّكْرِ  في حكم التهنئة بالعام الهِجْرِي!



بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.


 


وبعد:


فها نحن نودِّع عامًا مضى وانقضى، بما فيه: من محاسنَ ومساوئ!


ونحن نسأل الله أن يكون ختَم لنا بخيره، وتجاوز لنا عن سقطِه وشرِّه.


 


وها نحن أولاء نستقبل عامًا جديدًا من أعوامنا وأعمارنا، ونحن نسأل الله أن يجعله عام عزٍّ ونصر وتمكين لجميع المسلمين، ويوفقنا فيه للعلم النافع، والعمل الصالح.


 ويشرع لمن دخل عليه العام الهجري الجديد، أن يقول هذا الذكر:

قال البغوي في (معجم الصحابة: ٣/ ٥٤٣): حدثني إبراهيم بن هانئ بن أصبغ قال: أخبرني ابن وهب، عن حيوة، عن أبي عقيل، عن جده عبد الله بن هشام قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلمون هذا الدعاء كما يتعلمون القرآن، إذا دخل الشهر أو السنة: (اللهم أدخله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وجوارٍ من الشيطان، ورضوانٍ من الرحمن).

ورواه الطبراني، وقال ابن حجر -رحمه الله- في كتابه "الإصابة" في ترجمة عبد الله بن هشام رضي الله عنه (٢/ ٣٧٨): وأخرج له أبو القاسم البغوي من طريق أصبغ عن ابن وهب بسند الحديث الذي أخرجه له البخاري في الشركة.


وفي منسلَخ كلِّ عام ومفتتَحِه يكثر الحديث عن حكم التهنئة بذلك، وإن الناظر إلى أصل التهنئة لا يخفى عليه الحكم، ولا يشتط في الحكم بالبدعة.


 


فالتَّهنئة كما قرَّر غيرُ واحد من العلماء أنَّها (من العادات، وليس مِن العبادات)، والتهنئة ما قرَّر العلماء- يُنظر فيها إلى المعاني والمقاصد.


 


وللتهنئة أصلٌ في الشريعة؛ فقد هنَّأ بعضُ الصَّحب كعبَ بن مالك بحضرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأيضًا: شرع سجود الشُّكر عند تجدُّد نعمة، أو دفع نقمة.


 


ولا شك أن انتهاء العام -كما أشار العثيمينُ- فيه تجددُ نعمة العبادة، والانتهاء من عبادة عام كامل.


 


وهنا نقلٌ مفيد في رسالة السيوطي: (وصول الأماني)، نقَل فيها عن القمولي في "الجواهر" أنه قال: "لم أرَ لأصحابنا كلامًا في التهنئة بالعيدين والأعوام والأشهُر كما يفعله الناس، ورأيتُ - فيما نقل من فوائد الشيخ زكي الدين عبد العظيم المنذري- أنَّ الحافظ أبا الحسن المقدسيَّ: سُئل عن التهنئة في أوائل الشهور والسنين: أهو بدعة أم لا؟


فأجاب بأن الناس لم يزالوا مُختلفين في ذلك، قال: والذي أراه أنه مباح؛ ليس بسُنة، ولا بدعة، انتهى".


 

وهنا نقل مفيد للشيخ ابن سعدي، قال -رحمه الله-:

"هذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع، وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز، فلا يحرّم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع، أو تضمن مفسدة شرعية، وهذا الأصل الكبير قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

فهذه الصور المسؤول عنها وما أشبهها من هذا القبيل، فإن الناس لم يقصدوا التعبد بها، وإنما هي عوائد وخطابات وجوابات جرت بينهم في مناسبات لا محذور فيها، بل فيها مصلحة دعاء المؤمنين بعضهم لبعض بدعاء مناسب، وتآلف القلوب كما هو مشاهد.

أما الإجابة في هذه الأمور لمن ابتدأ بشيء من ذلك، فالذي نرى أنه يجب عليه أن يجيبه بالجواب المناسب مثل الأجوبة بينهم؛ لأنها من العدل، ولأن ترك الإجابة يوغر الصدور، ويشوش الخواطر.

ثم اعلم أن هاهنا قاعدة حسنة، وهي: أن العادات والمباحات قد يقترن بها من المصالح والمنافع ما يُلحقها بالأمور المحبوبة لله، بحسب ما ينتج عنها وما تثمره، كما أنه قد يقترن ببعض العادات من المفاسد والمضارّ ما يُلحقها بالأمور الممنوعة، وأمثلة هذه القاعدة كثيرة جداً"..انتهى كلامه رحمه الله، من (المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي- الفتاوى ص(٣٤٨).


وقد طبق كلامه هذا فعلياً، فقد كتب الشيخ ابن سعدي لتلميذه ابن عقيل كتاباً في ٣/ محرم ١٣٦٧ه‍ وكان في ديباجة رسالته: "... ونهئنكم بالعام الجديد، جدّد الله علينا وعليكم النعم، ودفع عنا وعنكم النقم".


وسُئل شيخنا القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني -رحمه الله- عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد؟

فأجاب: 

لا مانع من التهنئة، بالعام الهجري الجديد.


وبعض المعاصرين -أمثال: الباز، والعثيمين، والبرَّاك، والخضير- يرون أن من ابتدأك بالتهنئة، ترد عليه.


وعليه؛ فلا يتناولها حكمٌ من الأحكام الخمسة، حاشا الأخير، وهو (المباح).


والمباح هو: ما لم يُؤمر به، ولم يُنهَ عنه؛ هذا تعريفه.


وحكمه: ما لا يُثاب فاعله، ولا يُعاقب تاركه.


وعليه؛ فمن هنَّأ فلا حرج، ومن لم يهنئ فلا عوج.


ومن المعلوم أن المباح إذا احتفَّت به معانٍ ومقاصد، رفعَته إلى الأجر، أو أدخلته في الوزر.


 فمن قصد بالتهنئة تقليدَ النصارى في أعيادهم -وهذا فيه بُعد؛ إذ العكسُ أولى- أو اعتقد أنَّها عبادة، أو والى وعادى مِن أجلها؛ كان عليه وزرٌ وإثم؛ لِمَا ترتَّب على المباح من المقاصد السيئة.


 


ومَن قصد إدخال السرور على المسلمين، والتنبيهَ إلى التزوُّد من العمل الصالح، والتحذيرَ من طول الأمل، فهي مقاصدُ حسنة جليلة، نرجو له الأجر والمثوبة.


 


والله أعلى وأعلم.


وكتب: وليد بن عبده الوصابي.

١٤٣٧/١٢/٢٧

١٤٣٨/١٢/٢٦

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق