الأحد، 18 يوليو 2021

وصايا الآباء للأبناء عند البناء!

 وصايا الآباء للأبناء عند البناء!

فتاة صغيرة في الـ ١٦ -من قريباتي؛ لكنها عاقلة طائقة، تحفظ كتاب الله عز وجل، وتدري كمّاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، تربّت على الأخلاق والآداب، حتى فاقت لِداتها والأتراب، فلا تعرف عتبات الأسواق إلا لحاجاتها، ومع أمها الخلوقة الفاضلة.


هذه الفتاة؛ أوشكت على دخول عتبة الزواج؛ (والآن، قد دخلت، والحمد لله).

طلبتُ مهاتفتها؛ لأقول لها كلمات؛ علها تنتفع بها، وتكون لها نبراساً ومقباساً ومئناسا.


هاتفتها، وقلت لها فيما قلت: بعد التهنئة والتبركة..

يا (...) أنت الآن ستقدمين على حياة جديدة، أرجو أن تكون أفضل من السابقة.

حياة جميلة خميلة ظليلة مليحة أنيسة ونيسة..

كوني تقية لربك، مطيعة لزوجك، واعلمي أن لزوجك عليك القوامة بالمعروف، وفي حدود المألوف.

ولتكن حياتكم مبنية على: النصح والاحترام، والمحبة والوئام.

وتجاوزوا أي خلاف -لا قدّر الله، ولا بد منه- بينكما، وأحسنوا الظن ببعضكما، وأرفقوا بنفسيكما، وتشاوروا في أمركما.


ثم هاتفت زوجها الشاب، الذي هو في الـ ١٩ تقريبا، ولكنه طالب علم، يحفظ القرآن، وطائفة مباركة من أحاديث سيد ولد عدنان، مع حسن خلق، وجميل أدب..


هاتفته، وقلت له: نحواً مما قلت لزوجه؛ ففرح جداً، وقال لي: أبشر، بإذن الله تعالى.



التعليق:

ليت كل أب أو أُم أو قريب؛ يوصي ابنته أو ابنه أو قريبه إذا أراد الزواج؛ بالتآلف والتحالف، لا التعارف والتجارف، ونحو هذا من وصايا نبيلة، ونصائح فضيلة، وكلمات جميلة؛ يكون لها أبلغ الأثر في حياتهما.


وللأسف؛ نجد أن بعض الآباء أو الأمهات أو الأقرباء؛ يوصون أبناءهم وبناتهم؛ بوصايا مشؤومة، ونصايح مذؤومة.. يحضون الشاب: أن يكون رجلاً، لا يسمع لإملاءات زوجته، ولا بد أن يكسرها، وأن يريها الشدة والحزم من أول ليلة، وأن لا يطلعها على ماله وعمله.. إلى غيرها من كلمات الفتنة والمحنة!


وكأنه داخل معركة مع ندّ له، يلعب حديد أو كمال أجسام!

لا أنه يدخل على حمل وديع، وذات ضلع أعوج؛ تؤثر فيها الكلمة اللطيفة، والقبلة الصادقة، واللمسة الحانية، والجسة الحقة..

ومن هنا؛ تكرث الكارثة!


وبالمقابل: الفتاة، يوصونها؛ بأن تكون امرأة حازمة، لا تضعف أمامه، ولا تسلّم له نفسها بسهولة، بل تطالبه بحقوقها، من: دُخلة وخنة وإنة وحنة وسنة وشنة!

وأن تكون صارمة في رأيها، ولا تتنازل عن حقوقها، ولا تسمع له أمراً أو نهياً!

ومن هنا؛ تجثم الجاثمة!


فيا أيها الأب، ويأيتها الأم، ويا أيها القريب: كونوا سعاة صلاح، ومريدي فلاح، ومحبي نجاح.


وأكتفي هنا، بكلامي عن نقل نصائح القدماء ووصاياهم؛ فكتب الأدب والتاريخ والتراجم والسير؛ طافحة بنصائح آباء لأبنائهم، وأمهات لبناتهم؛ فيها: العقل والحكمة، والمحبة والرحمة؛ فأنشات جيلاً موائماً، ونشْأً ملائماً.

وأكتفي بثلاثة أمثلة؛ لئلا يخلو مقالي من مليح قولهم، ومنيح فعلهم:


الأول: ‏يقول شريح: تزوجت امرأة من بني تميم، يقال لها: زينب؛ فصحبتني، ثم هلكت قبلي؛ فوددت أني قاسمتها عمري، أو مت أنا وهي في يوم واحد!

ثم قال:

رأيت رجالاً يضربون نساءهم *** فشُلّت يميني يوم أضرب زينبا!


قال أبو نَعيم: لم تصل زينب هذا المبلغ من الحب عند زوجها القاضي الكبير؛ إلا بوصية فذّة، من أبوين نصوحين ناصحين.


والثاني: أن الفرافصة الكلبي؛ قال لابنته حين جهّزها إلى عثمان رضي اللّه عنه:

يا بنية؛ إنك تقدمين على نساء قريش، وهنّ أقدر على الطِّيب منك، فلا تغلبي على خصلتين: الكحل والماء، تطهري حتى يكون ريحك ريح شنّ أصابه المطر!


والثالث: أن امرأة، أوصت ابنتها عند زفافها، فقالت: يا بنية، لو تركت الوصية لأحد.. لِحسن أدب، أو لكرم حسب؛ لتركتها لك، ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل.

يا بنية؛ إنك قد خلّفت العُش الذي منه درجت، والموضع الذي منه خرجت، إلى وكْر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه..

كوني له أمة؛ يكن لك عبداً، واحفظي عني خصالاً عشراً؛ تكن لك دركاً وذكراً:

أما الأولى والثانية: فحسن الصحابة بالقناعة، وجميل المعاشرة بالسمع والطاعة.

ففي حسن المصاحبة: راحة القلب، وفي جميل المعاشرة: رضا الرب. 

والثالثة والرابعة: التفقد لموضع عينه، والتعاهد لموضع أنفه؛ فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم أنفه منك خبيث ريح.

واعلمي؛ أن الكحل أحسن الحُسن المودود، وأن الماء أطيب الموجود.

والخامسة والسادسة: فالحفظ لماله، والرعاية لحشمه وعياله.

واعلمي؛ أن الاحتفاظ بالمال؛ حسن التقدير، والإرعاء على الحشم؛ حسن التدبير.

والسابعة والثامنة: التعاهد لوقت طعامه، والهداء عند منامه، فحرارة الجوع؛ ملهبة، وتنغيص النوم؛ مغضبة.

والتاسعة والعاشرة: لا تفشين له سراً، ولا تعصين له أمراً؛ فإنك إن أفشيت سره؛ لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره؛ أوغرت صدره.


هذا ما أردت قيله، وأوردت نيله؛ فهل أنتم قائلون أيها الآباء والأمهات والأقرباء، وهل أنتم فاعلون أيها الأبناء والبنات؟!

أرجو ذلك؛ حتى يحل عليكم الأمن والأمان، والسلامة والسلام، والحب والوئام، والمودة والاحترام.

وسلام الله عليكم.


وكتب: وليد بن عبده الوصابي.

١٤٤٠/١١/١٧

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق