الأربعاء، 17 فبراير 2021

شناعة أقوال وبشاعة أفعال!



شناعة أقوال وبشاعة أفعال!

قرأت حكاية عن ابن أبي الزناد.
وهي كما وجدتها:
قال ابن أبي الزناد، لعمه: ماذا أصنع عند الجماع؟
قال: يا بني: إذا خلوت، فاصنع ما أحببت.
قال: يا عم، أنت ماذا تصنع؟ قال: يا بني، لو رأيت عمك يجامع، لظننت أنه لا يؤمن بالله العظيم!

قلت: عندما قرأتها، استغربتها واستعجبتها، واستشنعتها واستبشعتها، فلما رجعت إلى مرجعها، لم أجد -حسب بحثي-، من ذكرها، غير الجاحظ، في كتابه (تفاخر السودان والبيضان) وفيه من الفحش ما ينأى عنه السمع، وينبو الطبع.
على أنه قال -بعد الحكاية-: (وهذان من ألفاظ المجان)!

قلت: وابن أبي الزناد، هو الإمام عبد الرحمن بن أبي الزناد، من سلسلة إسناد البخاري، فيبعد أن يسأل ذلك، أو يتظرف بما هنالك.

وإن كان، فلا يكون ذيوع هذا على العام والعامة.
وإذا كان من عقل الرجل أن يخفي بعض الحديث في الدين والعلم، فكيف بإفشاء مثل هذا التمجن والتجنن!

وفي صحيح البخاري، عن علي موقوفاً: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله؟!

ونحوه في مقدمة صحيح مسلم، عن ابن مسعود قال: ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة.

وكان ابن عباس.. يخفي أشياء من حديثه، ويفشيها إلى أهل العلم.

وعن علي: خالق الفاجر مخالقة، وخالص المؤمن مخالصة، ودينك لا تسلمه لأحد.

وعلى كل: من أتانا بالسند الصحيح المتصل إليه، وإلا فلا يحل رواية مثل هذا.

وإذا وجدنا السند الصحيح المتصل.. فما لنا ولمثل هذه الروايات، وهاته الأقوال، وتلك الأفعال.. مالك ولها، دعها وشانها، وخلها وحالها، قالها رجل لا نبي، وماذا تفيدنا، وما الذي ترفدنا؟!

إن الإنسان، ليس بمعصوم، وهو من الغغلة والسهو بمكان.. أفنتبعه في كل سقطة، ونتتبعه على كل ساقطة؟!

أما وجدنا في حكاية ألفاظ العفاف والعفائف.. كفاية، حتى نتمجن ونتماجن؟!

أفليس التحرز عن هذه الأقوال، أهدى طريقا، وأقوم سبيلا، مع جلال قدر قائليها؟!

ودائماً دائماً.. تجد -إذا أمعنت وأنعمت-؛ أن هذه الأقوال، مدخولة أو منحولة؛ لأمور:
-إما أنهم تحدثوا بها عن حال معينة، وفي زمن معين.
-أو أنهم تحدثوا بها سراً لبعضهم، على وجه الهزل والتندر.
-أو أنها لا تصح إليهم؛ لضعف السند، أو نكارة المتن.

والعجيب، أنا نجد في كتب المصطلح: (نكارة المتن وإن صح السند) ولكن، كأن بعضهم، يعني بذلك، نكارة متن الحديث المرفوع فقط، لا الموقوف والمقطوع!
فاعجب.

‏ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية؛ حين نبه على هذا، بقوله: "والمنقول عن السلف والعلماء، يحتاج إلى معرفة بثبوت لفظه، ومعرفة دلالته، كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله".
(مجموع الفتاوى: ١/ ٢٤٦)

وعلى كل، فمثل هذه الأقوال، أو الأفعال؛ لا يصلح حكايتها أمام الأحداث أو العوام؛ لأنها لا تخلو من حالين: إما وضع اللائمة على العلماء والأئمة، ونزع الثقة منهم. وإما النيل من الدين، والخوض مع المبطلين، وربما يكون هذا طريقاً إلى الزيغ والضلال.
نسأل الله السلامة والعافية.

ثم إن كثيراً، مما يورده الجم من أهل الأدب والتاريخ، كـ (الأغاني) و(المستطرف)، و(العقد)، و(محاضرات الأدباء)، و(رسائل الجاحظ)، و(الدارات) ونحوها.
فيها كل فظيع مستفظع، وكل قبيح مستبشع.
وليس هي كتب رواية واستقصاء، إنما كتب أدب ومسامرة، فلا يؤخذ منها التاريخ الصحيح، أو الرواية الوثيقة -كما فعل بعض الحنق-!
فلننأ عن ذاك، وفقني الله وإياك.

وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.
١٤٤٠/٥/٩


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق