الثلاثاء، 12 يناير 2021

العابثون بالأعراض.. الغارّون بمظاهرهم العِراض!

 العابثون بالأعراض.. الغارّون بمظاهرهم العِراض!

 

قال الله تعالى: "والعاقبة للتقوى"، وقال تعالى: "والعاقبة للمتقين"، وقال تعالى: "إن العاقبة للمتقين"، وقال تعالى: "يأيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور". 


وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). رواه مسلم. 


وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: (أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن لي ضَرّة، فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثوبَي زور).

رواه البخاري.


وجهاً أغراً، ولساناً لبقاً، ولحية جميلة، وابتسامة براقة، وثوباً قصيراً، وخماراً سادلاً، وجلباباً ساتراً، وجوارب سميكة، ومواقف عتيكة!


تُرى هاته الصفات جميعها أو بعضها في رجل أو امرأة.. فيشرئب العنق، ويبتهج الفؤاد، وتطرب النفس، وتودّ الاقتراب، وتريد الاقتضاب، وتتلمّس الاقتباس ممن كانت هذه صفاته من الناس!


فإذا قربت -وليتك لم تقترب- ممن كان زيفاً وبهرجاً، وخرجاً وخدجاً- ما هو إلا أن تتبدى لك صفحة وجهه، ويكشف لك قناع مكره، ويظهر لك مخبآت ستره، وترى وتسمع وتعلم بأحوال وأهوال.. لا تليق بالمسلمين، فضلاً عن طلبة علوم الدين! 


إنها المظهرية الجوفاء، والظوهرية العوفاء .. إنه التناقض بين الظاهر والباطن .. إنه التضاد بين السر والعلن .. إنه التصادم بين الجسد والقلب .. إنه التخالف بين البيت والسوق .. إنه دخول النافقاء، وخروج القاصعاء .. إنه النفاق بأمّه وعينه وشينه! 


قال عمرو بن معديكرب الزبيدي:

ليس الجمال بمئزرٍ***   فاعلم، وإن ردّيت بردا

إنّ الجمال معادن *** ومناقب أورثنَ حمدا


وقال آخر:

ليس الجمال بأثواب تزيننا *** إن الجمال جمال العلم والأدبِ


وهذه امرأة.. خدعتها المظاهر الزائفة، والظواهر الحائفة.. أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليحذر أمته من الاغترار مما به خدعت، وله خلعت! 

قال صلى الله عليه وسلم: (كانت امرأة ترضع ابناً لها من بني إسرائيل، فمرّ بها رجل راكب، ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها، وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه!

قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يمصّ إصبعه!

ثم مرّ بأَمَة، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها، فقال: اللهم اجعلني مثلها!

فقالت: لم ذاك؟ فقال: الراكب؛ جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون: سرقتِ .. زنيتِ! ولم تفعل).

رواه البخاري ومسلم.


وحاقّ الأمر: ليس كل من توشح الوشاح، أو قصر الثياب، أو أطلق اللحية، أو شاص فمه بالمسواك.. هو ناسك ماسك، ديّن صيّن، عابد زاهد، ورع مرع!


نعم، هي من شارات أهل الإسلام، ومن سنن رسول الأنام عليه الصلاة والسلام.


ولكن القاعدة: ليس كل من تزيّا بزي الملتزمين؛ ملتزم! وليس كل من لبس لباس المنتكسين؛ منتكس!

وإن كان فيها دلالة وإلماح.. ولكن لا يؤخذ منه حكماً عاماً إلا بعد السبر والخبر، والفحص والمحص.


قال الشاعر اللبناني فؤاد بليبل:

‏دع المظاهر لا تُؤخَذ برونقِها *** فلا يقاس بحسن الثوب صاحبهُ


فقد يكون عدواً مَن وثِقت به *** وقد يكون صديقاً من تجانبهُ!


قال الأديب الغيور علي الطنطاوي -في مقاله: عشرة أيام في الشام-: "وكنت أحسب كل متظاهر بالتقى.. تقياً، وكل لاهج بذكر التصوف.. صوفياً، وكل مزهد في الدنيا.. زاهداً، وكل داع للعبادة.. عابداً!

وأحبهم جميعاً، وأراهم أهل الدين، وأرباب الاخلاص، ولا يبلغ وهمي، أن يكون في الألف منهم، مراء واحد، أو خداع، فلما جربتهم، وجدت...

لا أحب أن أقول: ماذا وجدت منهم؟! ...

أما تكوير العِمّة، وتطويل اللحية، وحسن الكلام، وسائر هاتيك المظاهر.. فهو لَآخر ما يستدل به على الصلاح، وهو أهون شيء عند الله، الذي لا ينظر إلى الصور، وإنما إلى السرائر".

(مجلة الرسالة، العدد: ٧٣٥) 


قال كثير عزة -ينعى على من تغرهم مظاهر الأجساد والثياب، ولم يعلموا ما تنطوي عليه قلوبهم الصلاب-:

ترى الرجل النحيف فتزدريه *** وفي أثوابه أسد هصورُ


ويعجبك الطريرُ إذا تراهُ *** ويخلف ظنك الرجل الطريرُ


بغاث الطير أكثرها فراخاً *** وأمّ الصقر مقلاة نزورُ


ضعاف الطير أطولها رقاباً *** ولم تطل البزاة ولا الصقورُ


فما عظم الرجال لهم بفخرٍ *** ولكن فخرهم كرم وخيرُ


فإن أكُ في شراركم قليلاً *** فإني في خياركم كثيرُ


فخذ الحيطة، وتوق من الجميع، ثم من أبدى الخير، وواظب عليه، وعرف به.. تعوومل معه، واؤتمن.

ومن ظهر خبثه، وأظهر غشه، وكشف شره؛ فاحذره، حتى لا تفتتن!


قال الحسن البصري: (ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني , ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال.

من قال حسناً، وعمل غير صالح.. رده الله على قوله، ومن قال حسناً، وعمل صالحاً.. رفعه العمل، ذلك بأن الله عز وجل يقول: "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه"".

(الإبانة الكبرى: ٢/ ٨٠٥) لابن بطة.


قال ابن نباتة السعدي:

وهل ينفع الفتيانَ حسنُ وجوههم *** إذا كانت الأعراض غيرَ حسانِ


فلا تجعلِ الحسنَ الدليلَ على الفتى *** فما كل مصقول الحديد يماني!


وقال دعبل الخزاعي:

وما حسن الجسوم لهم بزَينٍ *** إذا كانت خلائقهمْ قِباحا!


وفي المثل: ما كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة، ولا كل حمراء جمرة!


والتحقيق في الأمر: ليس للخلْق إلا الأخذ بالظواهر، وترك أمر السرائر.. إلى رب البريات، وعالم الخفيات، الذي "لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض".


ولكن، لا بد من السؤال عن الحال، حتى لا يُغتر في المآل، ولا يكفي الحكم على الشكل والمظهر، بل لا بد من البحث عن الكنه والمخبر.. وذلك إذا أريد معاملته أو تزويجه أو نحو هذا، وأما إذا لم يرد منه شيئاً، ولم يتعامل معه؛ فلا كلام إليه، ولا يفتش عن مكنونه، ولا يكشف عن مخزونه، ولا يضر صلاحه أو طلاحه، فخذوا ما ظهر، ودعوا ما كدر.

ويتوجب هنا: حسن الظن، وعدم البحث والفتش عن العيوب.


قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن أناساً كانوا يؤخَذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذُكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً؛ أمِنَّاه وقرَّبناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً؛ لم نأمنْه، ولم نُصدِّقْه، وإن قال: إن سريرتَه حسنة).

رواه البخاري.


وفي لفظ لغير البخاري: (إنما كنا نعرِفكم -أيها الناس- ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فينا، والوحي ينزل، ويُنبئنا الله من أخباركم، فمن أظهر لنا خيراً؛ أحببناه عليه، وأنزلناه به، ومن أظهر لنا شرّاً؛ أبغضناه عليه، وأنزلناه به، سرائركم فيما بينكم وبين ربكم)!


قلت: ولا شك، أننا نحكم على الناس بما ظهر لنا من ظواهرهم، ولا نكشف عن سرائرهم.

ولكن لاشتباه الحق بالباطل، واختلاط الحابل بالنابل.. وجب التثبت والتأكد؛ لأنه وجد من قلّد أهل الدين، وتوشح لباس المتقين؛ للتشويه والتمويه!


وكان الإمام مالك.. شديداً في نقد الرجال، حريصاً أن لا يروي إلا عن الأمثال!

حتى قال سفيان بن عيينة: "ما كان أشد انتقاد مالك للرجال، وأعلمه بشأنهم"!

(تهذيب الكمال: ٢٧/ ١١١)


قلت: ومع هذه الشدة، وهذا الاحتياط.. إلا أن عبد الكريم بن أبي المخارق -الذي ضعفه العلماء، وتركوه-.. غرّ مالكاً، بإظهار النسك والعبادة، والبكاء والزهادة؛ فروى عنه، ولما بان له أمره، قال: غرّني بكثرة جلوسه في المسجد!

ينظر: (التمهيد: ١/ ٦٠).


وقال السخاوي: "يشترط تفسير التعديل دون الجرح؛ لأن أسباب العدالة يكثر التصنع فيها، فيتسارع الناس إلى الثناء على الظاهر"!

ثم ذكر قصة الإمام مالك مع ابن أبي المخارق!

ينظر: (فتح المغيث: ٥/ ١٨٢)


قال المعلمي: "وكان ابن معين، إذا لقي في رحلته شيخاً، فسمع منه مجلساً، أو ورد بغداد شيخ، فسمع منه مجلساً، فرأى تلك الأحاديث مستقيمة، ثم سئل عن الشيخ.. وثَّقه!

وقد يتفق أن يكون الشيخ دجّالاً، استقبل ابن معين بأحاديث صحيحة، ويكون قد خلط قبل ذلك أو يخلط بعد ذلك.

ذكر ابن الجنيد: أنه سأل ابن معين، عن محمد بن كثير القرشي الكوفي؟ فقال: "ما كان به بأس"، فحكى له أحاديث تُستنكر، فقال ابن معين: "فإن كان هذا الشيخ روى هذا.. فهو كذاب، وإلا فإني رأيت حديث الشيخ مستقيماً"!

(التنكيل: ١/ ٦٧).


قال ابن عبد البر: وكان -يعني: ابن أبي المخارق- حسن السمت، غرَّ مالكاً منه سمته، ولم يكن من أهل بلده.. فيعرفه.


قلت: وكم هم هؤلاء الغارّون، لغيرهم من الناس، بله الفضلاء منهم.. بإظهار التخشع والبكاء، والتخضع والمكاء.. يخدعون أهل البلاد الغريبة البعيدة النئية، الذين لا يعرفون حالهم ولا حاقّهم، فيغترّون بما ظهر لهم؛ فيقعون في فخهم المخرم، وشرَكهم المبرم!


وبعض البلاد الأعجمية؛ يعظّمون أهل البلاد العربية، ويحسنون بهم الظن، فيقربونهم ويزوجونهم.. وإذا بهؤلاء الفجار، يعودون إلى ثوبهم الحقيق، ويظهرون خلقهم الصفيق! فيسقط أولئك في أيديهم، ولات ساعة مندم!


وبعض البلاد، تحب بلاداً معينة، فإذا جاءهم منها أحد؛ أظهروا محبته، وخطبوا مودته، وأعطوه فلذتهم، فإذا به يقطعها أفلاذاً، أعني: الطلاق العابث الناكث، النازي الخازي! -قطعه الله-.


وبعضهم: يعظم المال، ويحب الرياش.. فيبيع كريمته على هذا النخاس النجاس، قاطع الزمام، وصارم الأيام؛ فيكسب هذا الولي، ذل الدنيا، ووعيد الآخرة؛ لتضييعه من يعول!


يا الله، أي جرم يفعله هؤلاء، وأي جناية يجنيها أولاء، وأي تبعات يجرونها على أهل الدين، وأهله المستمسكين، ودعاته المصلحين؟!

اللهم أنت حسيبهم وطليبهم.


ولا بد من بروز المخبوء، وظهور المكنون، وإن طال، قال تعالى: "تعرفهم بسيماهم" وقال سبحانه: "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول".


قال زهير بن أبي سلمى:

ومهما تكن عند امرء من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس.. تعلمِ


وقال آخر:

كل امرء راجع يوماً لشيمته *** وإن تخلّق أخلاقاً إلى حينِ


فلا بد من فضح لابس ثوب الزور، والمتقمص زي الغرور.. في الدنيا قبل الأخرى -فضحهم الله، وقطع دابرهم-. "فإن أحداً لا يستر منكراً، إلا ظهر في فلتات لسانه، وصفحات وجهه، وطوالع نظره"!

(مواسم الأدب: ٢/ ١٢٠)


وهؤلاء، يتسترون بأعمالهم الخسيسة، ويخفون أفعالهم الدسيسة، إلا عن خلانهم ومن على شاكلتهم، ولكن يأبى الله تعالى، إلا فضحهم ونضحهم، وتبقى خيوط تدل على جرمهم، وتفضل ذيول تخبر عن عهرهم!


وكم تعلم عن رجل، يملأ السمع، فإذا رأيته؛ ملأ بصرك، فإذا جالسته، أو كاشفته؛ ملأك غيظاً وحنقاً.. ترى عجباً من رقة الدين، وقلة المروءة، وذهاب الحياء، وفقدان الضمير!


لا أقول: إغراقاً في مباحات، بل تركاً لواجبات، وفعلاً للمحرمات.. من غيبة ونميمة وكذب وزور وبهتان وغش ونفاق ومكر وخديعة وفجور ونكول وخلف ونقض!


والدهية: اللعب بالأعراض باسم الزواج الحلال، متنقلاً من بلاد إلى أخرى؛ ليختار الصغيرة واليتيمة والجميلة والفقيرة والطويلة والرشيقة.. وهكذا في صفات، مِن العبث ذكرُها!


يتمتع العلج بالمسكينة، ما شاء له مكثه، وما زينت له نفسه، وما أملى عليه شيطانه، وما قدرت عليه شهوته.. في تعامل نذل، وامتهان قذر، وأوضاع مزرية، وأقماع مقذية، وربما تصوير فاضح، وتسجيل جارح.. وبعد هذه السفالات والنذالات= يكون الطلاق والفراق والوماق والشقاق!


وربما -كما جرى من أحد هؤلاء الشارة-!= أن يتركها في بلاد نئية عن أهلها، وحيدة فريدة، معرضة لخطر الذئاب من أمثاله! -قصمه الله-.


وربما، ألصق بها تهماً سافرة، نحو: لم أجدها بكراً ... رأيت مـ.ء حول فـ..ـا ... لم تناسبني ... عاداتي تختلف عن عاداتها ... غير نظيفة ... إلى غير هذه من الألاعيب والأعاجيب، التي لا يعمى ويبكم ويصم إن سمعها من زوج أخته! -أصيب-. 


ثم يأتي النازي.. ليصف ما جرى بينه وبين المسكينة، المغرورة بالمال، أو المجبرة بالزواج من صاحب الجاه والشرف، لا، ثم يجتمع بخلانه السفلة؛ ليخبرهم ما جرى من أمور الفراش المتعدد، وما رآه في ضحاياه، وما قاله لهن، وما قلن له، وما فعل بهن، وكيف جرى، وماذا سرى؟!

ألا لعنة ربي تعداد رمل.. على من فعل هذه الأفعال اللعناء الرعناء اللخناء!(١)


والغريب، أن هذا البائر الحائر الجائر الخائر، ربما لم يقم بحقوق زوجته الشاكية الباكية الناكية، وربما كان ضعيف النشر، سريع الحشر، عديم الخشر!

وهذا معروف في علم النفس.. أن الضعيف، يحاول الظهور بمظهر القوي، حتى يرفع خسيسته، وما هو برافع!


وهذه الأفعال المشينة الهجينة، تكون -في الغالب- بسبب وفور المال، وقلة التقوى، وضعف المراقبة، وطول الأمل، وحب الحياة، وفقد الخوف، وغلبة الرجاء، والفراغ اللاهي، والظهور بمظهر المعدد أو المزواج، والتباهي والتفاخر!


إي والله، إن بعض الذكور يكثر من الزواج؛ ليقال عنه: مزواج!

ولا تسل من كان هذا حاله.. عن الظلم والهضم، والتعذيب والتسييب، وسوء الخلق، وضيق الأفق.


كل هذه المرجلات.. على حساب حياة وحياء امرأة مسلمة عفيفة ضعيفة، صينة دينة، تأفكها بغل ربما بمُعين من أقربائها أو من ذوي الجاه والشرف!

ثم يتركها مهينة في نفسها، دفينة في رمسها.. من التساؤلات حول طلاقها، وتبادل التهم، وتناقل الظلم! 


ثم يبحث العابث اللاهث الناكث عن أخرى وهكذا لا يقف أمام طغيانه واقف، إلا الفقر أو المرض أو الموت -جمعهم الله وعجل بهم-.


أقول: وهذه الحقارات.. أحد أسباب انحراف بعض الفتيات العفيفات؛ تكون هي نقطة بدايتها، وخيط انحرافها! "وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون". 


وهذا المادر السادر الفاجر، لا يبالي بكسر نفس، ولا هضم حق، ولا سبب حرف، ولا دنس طرف، ولا تشويه سمعة، ولا نزول دمعة.. كل هذه تنمحي في بحر شهواته، وتنتهي في نحر سهواته -بُحر ونُحر-.


ويظن اللاعب اللاغب اللاهب الخائب العائب السائب الناهب الساهب.. أن هذه الأفعال تذهب سدى وسراب، دون عقاب أو حساب؟!

كلا ورب الكعبة، إنه ليجد العقوبات تلو العقوبات في نفسه وأهله وماله وعياله، ولكنه: أعمى الفؤاد، أصم القلب، مسلوب اللب!


وكل امرئ يدري مواقع رشدهة *** ولكنه أعمى أسير هواهُ

يشير عليه الناصحون بجهدهم *** فيأبى قبول النصح وهو يراهُ


يجد التغير في نفسه من: ضعف الدين، وفقد اليقين، والتساهل في شأن الصلاة، وترك الرواتب والسنن، والتأخر عن أعمال الخير، وقسوة قلبه، ووحشة نفسه، وسرعة غضبه، وسوء ظنه، وضمور نفسه، وتشعب همه، وطول حزنه، وذهاب غيرته، وكساد سوقه، وسواد وجهه، وبغض الناس له، وتأنيب ضميره، وتحدثه مع نفسه عن علم الناس بخزاياه.


إذا ساء فعل المرء؛ ساءت ظنونه *** وصدّق ما يخشاه من توهّمِ!


ويلمس التغير في أهله وأولاده، من تسلط الزوجة، وعصيان أمره، واختلاق المشاكل، ومقارنته بغيره، وذكرها للرجال، وتكلمها معهم، وإدمانها للهاتف، ونشوزها عليه، وخروجها دون إذنه، وطلبها الطلاق منه، هذا إن علم، وما لا يعلم، فهو أطم وأغم! -طُم وغم-.


ويرى عقوق أولاده، ومخالفة أوامره، وخروجهم عن سلطته، والتصرف المرتجل، والتعالي عليه، وإبداء الريبة إليه، وصحبتهم السيئة، ووقوعهم على بعض أسراره، والترفع عليه، وربما مصارحته ببعض شناعاته وبشاعاته.. حتى يقف ذليلاً حسيراً أمام أحدهم وهو يستجديه؛ ألاّ يفشي سره، ولا يشيع خبره!


يقول يحيى بن معاذ الرازي: "هيبة الناس من المؤمن، على قدر هيبته من الله، وحياؤهم منه، على قدر حيائه من الله، وحبهم له، على قدر حبه له". 

(شعب الإيمان: ١٠/ ١٨٥) للبيهقي.


ثم يبتلى برؤية المنكرات في بيته، ولا يقدر على تغييرها، بل قد يخرج مع أهله وهم في حال مزرية، ووضع مريب.. وهو لا يسطيع فعل شيء، فيكتفي بالسكوت، ويصير كأنه أجير لدى زوجه وولده، من الهموت والخفوت!


ووالله، لربما كان الأجير أكثر تصرفاً منه، لا سيما إذا عرف عن أهله خبثاً وعبثاً!


وربما كان خلطة أهله وبناته بالسائق أو الخادم أو العامل.. أكثر من التيس التعس البئس، العجز الرجز.. المتنقل بأفخاخه المنصوبة -أصيب بفخ- وشباكه المصبوبة -أصيب بشبك-.


وقد يبتلى في بناته بصنو ما فعله ببنات المسلمين "جزاء وفاقاً" و(الجزاء من جنس العمل)، و(كما تدين تدان)، وذلك؛ "ليذوق وبال أمره" فيتمعر وجهه، ويتمعط قلبه، ويتحزن ويتشجن ويتجنن ويتغنن ويتعنن، وربما مات قهراً وصَهرا!(٢)


فهذه كلها عقوبات.. قد تغيب أسبابها عن كثير، وهذا من عظم العقوبة، أن تعاقب، ولا تعلم سبب عقوبتك، أو لا ترى أنك عوقبت!


يا ذكير.. زمّ نفسك، واخطم زمامها، وشدد لجامها، واكبح جماحها، واكسر رماحها..

واعلم أن اللذة موقتة، والمال عارية، والعمر محدود، والسيئة باقية، والعقوبة نازلة.. فحاسب نفسك، ورد المظالم، وتب لمولاك، واحذر وحذّر وحاذر.


قلت كل هذا.. مما سمعت بعضاً عن هؤلاء، وما رأيت لوناً من مجالس جمعتني -شؤماً- بأولاء، وما أخبرت بآخر -على كره-!


ووجدت، أن من النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم؛ أن أكتب هذا المقال، لعل نفراً من النبهاء "يذكر أو يخشى" فينتبهوا ويتنبهوا، ويرعووا ويعووا ويعودوا..

والله العاصم والقاسم والقاصم والحاكم والعالم.


وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.

ح ي ١٤٤١/٥/١٥


ح........................... 

(١) وللأمانة؛ حضرت مجلساً لبعض هؤلاء المتقمصين ثوب الالتزام، والمتلبسين رداء الانفصام! -ولم أعلم بهم قبلاً- وسمعت -والله العظيم- بعض ما سطرت، وأكثره أضمرت!

لكن، للأسف -واستغفرتُ الله، ولا زلت أستغفر الله- أقول: للأسف، لم أقوَ على التغيير، ولم أسطع الخروج من البروج؛ لأسباب منعتني، ومنها: أني كنت غريباً، ولا أخبر طريقاً ولا درباً.. فاكتفيت بإنكار القلب، وزمّ الشفة، وعدم المشاركة، واستغفار العظيم جل وعلا،

وكنت، أتحسس نفسي، وأمسك برأسي.. هل هؤلاء الأشياخ.. هم من أعرف؟! هل هذا فلان، وذاك علان؟! أقول: أأنا في خيال أو منام أو أحلام!

ثم أقول: حتى في الحلم، لم أر مثل ما فاهوه! -فاهوا وتاهوا- ولم أعد لمثلها، والحمد لله).


(٢) وأما قوله تعالى: "ولا تزر وزر أخرى" وشبيهاتها.. فهي في يوم القيامة.. أما في الدنيا: فإن السيئة تعم، والحسنة تخص، والأدلة على ذلك جلية، كحديث (يغزو جيش الكعبة، وفيه: وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم) وحديث (أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث) وغيرها من النصوص الناصة على ذلك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق