الأحد، 13 ديسمبر 2020

قراءة في مذكرات "رحلتي إلى النور"!

 قراءة في مذكرات "رحلتي إلى النور"!


لم أسمع عن هاته الرحلة -"رحلتي إلى النور"- إلا قبل أيام معدودة، أرسلها أحد المشايخ، على وثابي، عن طريق الكتاب المنورق (المبدأف)!

ولعل تأخري في عدم معرفتي بها، وسماعي عنها.. هو نأيي: اختياراً أو اضطراراً، عن وسائل التواصل الاجتماعي!

عصمنا الله من موبقاتها ومضلاتها.


دفعني الفضول، لفتحه، كما هو شأني مع الكتب، فإنْ رأيته صالحاً مفيداً، وإلا طويته، وجاوزته صفحة عنقي، ولم أعره اهتماما!


أقول: فتحت هذه الرحلة وتصفحتها، وقرأت مقدمتها، فإذا بها مشوقة؛ لأنها تحكي خبايا وزوايا في حياة عَلم عالم فذ فرد!


بدأت قراءتها، رغم دقة خطها، وطول صفحها، وضعف نسقها، لكني لم أستطع تركها حتى النهاية، وما بين البداية والنهاية، أبكي تارة وأضحك أخرى، أعجب حيناً وآسى أحيانا..


أحببت أن أسجل بعض قراءاتي لهذه السيرة المعجبة المغربة، المحزنة المشجنة، فمن ذلك:


-كان صاحب الرحلة.. رجلاً غمراً غير مجرب للأمور، يتخذ القرار لا يلوي على شيء.

فانظر إليه، وهو يهرب من أهله ووالديه؛ للقسوة والشدة، دون أن يحدد وجهته، هذا وهو لدن العود، لكن العجلة والتسرع، لم تفارقه في شبابه، وإن كانت أقل؛ فانظره، وهو يهرب مرة أخرى إلى الجنوب، ولكنه، لما نادى العقل المنضبط، عاد أدراجه، وكان خيرا.


وهنا، أقول: يجب على الأب، أن يراعي وضع أولاده التي هو أدرى بها وأعلم، وليترك بينه وبينهم مسافة للحوار والنقاش، وإبداء الرأي، وطلب المشورة، ولا يبتّ دونهم أمراً يخصهم دون مراعاة أو مشاورة، ويرفق بهم، ويحسن إليهم، مع التربية والحماية، والدعاء لهم، لا عليهم، ويواصلهم بالنصح والتشجيع، واستعمال الرفق والشدة تارة وتارة، و"ينبغي للإنسان.. أن يستعمل الرحمة في معاملة الصغار ونحوهم، وينبغي له أيضاً، أن يقبّل أبناءه وأبناء بناته وأبناء أبنائه؛ رحمة بهم، واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم".

(شرح رياض الصالحين: ٢/ ٥٥١) لابن عثيمين.


أقول: ويجب على الابن.. أن يحسن الأدب والمعاملة مع والديه، ويسمع نصحهم، ويستمع إليهم، ولا يجادل أو يعاند ويخاصم، وليقبّل في دخوله وخروجه، رؤوسهم، ولا بأس بأيديهم وركبهم وأرجلهم.

وإذا ابتلي بأحد أبويه أو كليهما.. فليصبر، ويداري ولا يماري، ويدعو لهما، ويحسن إليهما، حتى يجعل الله له فرجاً ومخرجا.



-كان صاحب الرحلة.. كريماً ذا حب للآخرين، فانظره، وهو يقرّب ابن عمته، وذاك الحربي إلى مجالس شيخه الأثير، دون أثرة أو أنانية!

وهذا خلق خليق أن يتصف به طلبة العلم فيما بينهم.



-كان صاحب الرحلة.. رجلاً منصفاً لا ينقص الناس حقهم.. فتراه يذكر كل من كان معه في شرف وفضل دون غمط أو هضم!

وهو أدب مليح، ينبغي أن يتميلح به، من ظن أنه ملاق ربه.



كان صاحب الذكريات.. شديد الابتلاءات، كثير البلاءات، فقد عانى من الهرب والتغرب، وكثرة الأسفار والانتقالات، والتباغض والتشاحن، والتآحن والتماحن، والأمراض الشديدة، والفجاءات الحديدة، من: موت شقيقه ووالده، ونحوها من البلاءات والابتلاءات، رحمه الله وعوضه الجنة.


-كان صاحب الذكريات.. جريئاً، فانظر إليه، وهو يتجرأ على الشيخ ابن عثيمين مراراً، سواء في طلبه مرافقته، أو في طلب أشياء أخرى، وهذا يعود في نظري، إلى أشياء، منها: القسوة من والده -رحمه الله-، والعيش في مكان ناء عن الأهل والأصدقاء، مع غرارته وطراوته ولدونته ونحوها.


ولعل هذه الجراءة، كانت هي السبب، في بعض متاعبه ومصاعبه، من معاملته تيك المعاملة القاسية من ذلك الطالب الشيخ، التي وصلت لحد الإهانة والضرب والشتم!

وهذا ملموس محسوس، في حلقات الأشياخ؛ فإنك تلمس تغايراً، أشد وأحدّ من تغاير التيوس!


وهنا أنبه على شيئين:

الأول: زعارة أخلاق بعض المقربين من المشايخ، بل قل: قلة أدب، ونقص أخلاق من بعضهم، من سوء معاملة لمن هم دونهم من الطلاب، أو قسوة للمستفتين من العوام أو الغرباء، أو في طريقة الرد على المتصلين على هاتف الشيخ، وقد جرى لي بعض المواقف من بعض هؤلاء الذين أسميهم: تنابلة المشايخ!

تجد الشيخ على خلق عال، وسعة صدر، لكنه يبتلى بقوم لا خلاق لهم، يصدون "عن ذكر الله وعن الصلاة".


الثاني: جراءة بعض الأغمار على الأشياخ، من محاولة التقرب منهم واللصوق بهم، لحد الشك والريبة، أو الإيذاء بكثرة الأسئلة والاستفتاءات، أو تكاثر الطلبات والحاجات.


وهذان خلقان منفران، ومسببان للشحناء والبغضاء، والقطيعة والكراهية.



-كان صاحب الرحلة.. يقول الكلام على عواهنه، ويرسله على سجيته دون تزويق أو تحسين، وربما كان جارحاً لمن يتحدث عنهم، فاسمعه وهو يصف رجلاً بالخير والدعوة، ثم يقول: ولا أدري إن كان لا زال في الدعوة أو ترك؟!

ولا شك، أن في هذا غمزاً وهمساً، لا أظن الرحال -الفاضل- يعنيه، إلا أنها سجيته الساذجة.


*مما قرأته ورأيته في الذكريات.. نفاسة نفْس الشيخ العثيمين، ورهافة حسه، ورقة قلبه، ورباطة جأشه، وحسن تعامله، ووسع علمه، وذكاء فهمه، وزكاء علمه، وشدة مراقبته لربه، وبعده عن الأضواء والشهرة، وتتبعه لمن تحت يده، ورفقه بمن حوله، ومزاولة أعماله بنفسه.. فقد كشفت هاته الصفحات، عن جوانب عجيبة، واحتوت على مواقف غريبة، يقف المرء حين قراءتها، حائراً سادراً، ولكنه "فضل الله يؤتيه من يشاء".


*وقد ذكرني معهد الشيخ العثيمين -رحمه الله- بمراكزنا العلمية اليمنية، مع الفارق في أمور، منها -عندنا-: شظف العيش، وقلة الزاد، وكثرة الطلاب، وتعداد بلدانهم من أنحاء العالَم، وتعدد الدروس من الشيخ وطلابه!

رحم الله الشيخ ابن عثيمين، وصاحب الذكريات، وأسكنهما فسيح الجنان، وعالي الرضوان.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٤/١٨


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق