السبت، 25 يوليو 2020

خشونة يدٍ فظيعة!

خشونة يدٍ فظيعة!

كنا في سفر ما، فواتتنا إحدى الصلاة، وخفنا فواتها، فبحثنا عن بيت ماء للنساء (دورة مياه) فلم نجد في طول ولا عرض!

حتى وصلنا إلى مكان قصي مظلم موحش، ولكن أمّنه وأّنسه، وجود مسجد صغير، صغير جداً، يسع -في حدسي- عشرين نفساً أو ما يقاربها، وبداخله أناس يصلون العشاء، وبجانبه بيت ماء (حمّام) واحد!

حتى أني تذكرت بل وتلفظت، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجداً، ولو كمفحص قطاة لبيضها.. بنى الله له بيتاً في الجنة).
رواه أحمد والبزار، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

ولم أرَ أمامي بيتاً واحداً!
وهذه عادة حميدة، يجعلون المساجد قريبة من المارّة، بعيدة عن بيوتهم؛ للبعد عن العورات والنساء؛ لأن بيوتهم من القش الخالص الخاص!

نزلنا فرحين، رغم أنه معد للرجال، إلا أنّا كسرنا هذه الخصوصية؛ لضرورة شرط الوقت، واضطرار الحال!

خرج رجل ربعة، لعله في الستين، أسمر اللون، لحيته كالثغام، وعلى وجهه سحنة التعب والنصب.. سلّم علينا ورحب، ثم نادى بصوت عال: يا علي .. يا علي، هات ماء؟!

لحظات، وإذا بعلي (ابنه) يأتي بإداوة (جالون أو دبة) (١٠ لتر) فيها ماء، وأخذ يصب منها في أخرى! فقلت: اعطني هذه الدبة نفسها؟ قال لي: لا، هذه خاصة بشرب مائنا، لا ندخل بها الخلاء!
استحييت، وتعجبت -رغم البساطة- إلا، أن هناك ذوقيات رفيعة في النظافة، لا تمس ولا تتجاوز!
فاعجب للحضارة المزيفة، والمادية المجيفة!

ونسيت أن أخبركم (وهو أصل العنونة).. أني في أثناء السلام عليه، ولما وضعت كفي في كفه.. شعرت بوخز آذاني، والله لا مبالغة، إنه آذاني، وكأنه شوك!
ولا تسيئوا بي ظن التنعم، فإني أخبر عن حقيقة حاقة!

تذكرت بعض الناس، حين تضع يدك في أيديهم، كأنك تضعها في حرير وديباج -وإن كنت لم أعرفهما، ولا يشترط؛ لذيوع ليونتهما-! وليس هذا بمعيب مع القوة والرجولة، بل العيب الميوعة والدعة، والتشبه بالنصف!.(١)

قلت: إن الجهد البادي على وجهه.. دلّت عليه، هذه اليد المثخنة بالقروح، المشققة بالجروح، التي تكد وتجد وتقد طول يومها في الشق والغرس والحرث والحصد!


ماذا أقول، وماذا أفعل؟! سألته عن القرية، واسمها، وأهلها، ومسجدها؟ فأجابني: اسم القرية (الحوطة) طبعاً، هذا الاسم متعدد لعدة قرى، وهذه قرية في التهائم!

وأضاف: وهي قرية صغيرة مكونة من عدة بيوت.

وزاد: وهذا مسجد صغير، بناه فاعل خير -جزاه الله الخير-، ونتمنى أن تتم له مؤخرة!

وواصل: عندي أرض ورثتها، أريد بيعها؛ لبناء هذه المؤخرة، والله يعين!
هززت رأسي، داعياً شاكياً ناعياً راجياً..

ثم ودعته، وفي قلبي مودة وحسرة!
أما المودة؛ فلطيب الرجل، وسخاء يده، وأصالة معدنه.
وأما الحسرة؛ فلشدة تعبه، وبدو فاقته، وتواضع عيشه، (وهذا حال أكثر قرانا، المعدمة من الماء والكهرباء والغذاء، سوى الفتات والقتات)، وعجزي عن القيام تجاهه إلا بقليل كليل لا يكاد -والله- يذكر، ولكنه، هو المتيسر، والله هو الميسر والمسهل والمعين، وهو وحده المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.


ح...................
(١) وهذا هو الجمع بين ما جاء في صفته صلى الله عليه وسلم، أنه (كان شَثْن القدمين والكفين) رواه أحمد والترمذي وأبو يعلى والحاكم،
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. (والشثن: الخشونة)، وبين حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ما مسست ديباجاً ولا حريراً، ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم) متفق عليه.
فالرسول عليه الصلاة والسلام، كان لين الكف، ولكنه كان قوياً نشيطاً، فلا تعارض ولا تناقض.

أو أن اللين، يفسر هنا: باللطف، والتعامل الحسن، وهذا وارد.. تنزيل الحسي منزلة المعنوي.

أو أن المقصود: الضخامة، والضخامة لا تتنافى مع الليونة، وهو ما جاء في رواية أخرى، عن أنس بن مالك، أو جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان ضخم الكفين، لم أرَ بعده شبهاً له) متفق عليه.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.
١٤٤١/١٢/١


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق