الأحد، 24 مايو 2020

المَقَامَة العِيْدِية!

المقامة العيدية!

قال حمد العيدي: التقيت أحمد المعيدي، في يوم عيد، وهو بهج سعيد.

سلّمت عليه وحيّيته، وهششْت له وبييته.
وقلت له: تقبل الله منا ومنكم، وأحاله علينا وعليكم.

فردّ علي: من العايدين السالمين، والغانمين الفايزين.

ثم كرّ المعيدي، قائلاً: هل ثبتت التهنئة عن رسولنا الأكرم، ونبينا الأفخم، صلى الله عليه وسلم؟

فأجابه العيدي: جاءت في أحاديث ضعاف، في كواغد وصحاف، ولكنها ثبتت عن الصحب العظام، والقوم الفخام، ولم يعلم لهم من الصحابة مخالِف، بل كان لهم مؤالف موالف.
وقد كتب فيها أحدهم، مقالاً، وسمه، بـ "إثمد العينين في جواز التهنئة بالعيدين".

هزّ المعيدي رأسه، وقال: والمصافحة أو المعانقة.. هل هي مخالفة أو موافقة؟

رد العيدي: هذه كأختها، يا ابن بجدتها، وأبو عذرتها، فهي من باب العادات، لا العبادات، فمن فعلها فلا تثريب، ومن تركها فلا تأنيب؛ بشرط أن لا تؤدي إلى الصرم والمباغضة، وتودي إلى الصلم والمناقضة؛ لأن ديننا حثّنا على التآلف، ونهانا عن التخالف، وهذه من أمور العادات، فلا تكن سبباً إلى الاختلاف في العبادات.

وقد قرر أنها من العادات، جمع من أهل العلم الثقات، كـ حسنة الأيام، شيخ الإسلام، والسيوطي، مفيد الأنام، والسعدي، مفتي الأقوام، وغيرهم من أهل كل قرن وعام.

وراجع -إن شئت- رسالة: "وصول الأماني بأصول التهاني"، للحافظ جلال الدين السيوطي المسموطي.
و"جزء في التهنئة في الأعياد وغيرها"، لابن حجر البحر.
و"رسالة في التهنئة بالأعياد"، للشيخ عبد الله بن درويش الركابي السكري الشيبي الدمشقي الحنفي، وغيرهم من أهل العلم والفهم.
وأما الأجزاء التي أُلّفت في العيدين؛ فهي كثيرة وفيرة.

قال المعيدي: أصبت قولاً -يا عيدي-، وأحسنت صولاً، ولكني رأيت -من بعض الأغمار، والطغمة الصغار-، أفعالاً شيّنة، وسمعت منهم أقوالاً حيّنة!

قال العيدي: خيراً رأيت، وعن شر نأيت.

قال المعيدي: بل ضيراً ونيراً.. رأيتهم، يدفعون من أتى لمعانقتهم، ويفوهون له: ليس هذا من سنة أبي القاسم؟! (صلى الله عليه وسلم) 

فلحالهم أسيت، ولصاحبي واسيت، وقلت له: لا يضيرك ما فاهوه، ولا يضررك ما نالوه؛ فإنك أنت المأجور، وهو المأزور.

تنهّد العيدي، وقال: صدق الشافعي الألمعي في قيله: يفسد الناس: نصف عالم، ونصف طبيب!
فهؤلاء يا أريب: أنصاف المتعلمين، وأقذاف المتحيرين، لا حُيّوا، ولا بُيّوا، فإنهم لا يعرفون خَيّو ولا بَيّو!

ثم سأل العيدي، قائلاً: يا معيدي، أما ترى ما أرى؟
قال: وما ترى أيها الفتى الأورى، والصديق الأروى؟
قال: أرى نسناساً لا ناساً، وذئاباً لا أحباباً، ونحساً وبوساً!

قال المعيدي: هوّن عليك، واحمد نعمة الله إليك، فإنك في نِعَم، وغيرك في نقَم!

قال العيدي: هذا ما أريد، وعنه -بإذن الله- لا أحيد، وفقني وإياك الحميد المجيد.

ثم انتقل المعيدي، إلى خلق بعض الأنانية، ولؤم شق من الإنسانية، وكيف أنهم يكتفون، أن يكونوا في مأكل ومشرب ومنكح، وغيرهم في جوع وظمأ ومذبح!

وهذا -كما تعلم- منافٍ لـ (الآداب الشرعية، والمنح المرعية) وهذا عنوان كتاب منجح، زبره يراع ابن مفلح المفلح؛ فأتى فيه بالبديع المبدع، والرصين المقنع، والخطاب المسمع، وهو ماضٍ في كتابه مزمع، لا يلوي على المهوش والمقذع، واستمر في ماخوره، حتى أتى على آخوره، فإذا هو نفيسة عالية، ودرة غالية.
ولكن أين منه، مَن في أخلاقه دخل، وفي آدابه دغل- عديم الوفاق، ومؤذي الرفاق، ومن همّه الأرفاق، ومتكأه الارتفاق؟!

وأضاف المعيدي: اُعذرني، -يا فاضل، ومن في أخلاقه، ليس بخاتل- أطلت عليك، ولكن الأمر أعظم مما نبذته إليك، بل هو أعم وأعظم، وأصم وأقصم، فإلى الله المشتكى، وإليه الملتجى.

أجاب العيدي: أصبت المحز -يا معيدي- والحز: فإنّ هؤلاء هم أبناء الدنيا، وطلاب خسيس الأشيا، "ذلك مبلغهم من العلم" وذاك حظهم من الحلم، فخلّهم وشأنهم، وذرهم ونأيهم، فإنهم لا يعيشون إلا لأنفسهم فحسب، وليس لديهم نسب أو حسب، بل هم لقطاء في مهيع الفضيلة، ونزلاء في مرتع الرذيلة!

أضاف المعيدي: كلامك في الصميم، وخيرك عليّ، وغيري، عميم.
ولكن: إن هذه شريحة قد اعشوشبت حتى اورورقت، فنخشى من استفحالها، والأمة كلها في حالها- لا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن مقروف، بل ربما كان منهم العكس، حتى أيدوا صاحب المكس!

ثم تابع المعيدي: مَن للضعفاء والمعوزين، والفقراء والمجهزين، والبؤساء المبلسين؟ إني -وربي- أذكرهم، فأبكيهم، وأنظرهم، فأنعيهم، فهم في خصاص، والناس عنهم في ملاص!

قال العيدي: لا يجد الفذّ منهم قوت يومه كأمسه، حتى تمنى أن يدخل في عومه ورمسه؛ حياء أن يكون سآّلاً، أو يكون مسآلا، ويحفظ في ذلك حديث الأفخم، صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس من غير ما حاجة؛ جاء يوم القيامة، وليس على وجهه مزعة لحم) وهكذا هو حافظ لدينه، وارد كريم معينه، ويحمد الله ويشكره، ويتوب إليه ويستغفره، فلله دره، وعلى الله شكره.

وعلى الله قصد السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، ونتوب إليه، إنه هو البر الرحيم.
وصل اللهم وسلم على محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وكبروا الله تكبيرا.


وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.
١٤٣٧/١٢/١١
١٤٤٠/١/١
١٤٤١/١٠/١



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق